يتوجه نحو 360 مليون ناخب أوروبي بداية من غد الخميس وحتى الأحد المقبل، إلى مراكز الاقتراع في الدول ال(27) للاتحاد الأوروبي من أجل انتخاب النواب الجدد في البرلمان الأوروبي.
تقام هذه الانتخابات الأوروبية كل خمس سنوات، ويختلف موعدها بين دول الاتحاد حيث ستبدأ غدا الخميس في هولندا، ثم تقام الجمعة في أيرلندا، والسبت في كل من لاتفيا ومالطا وسلوفاكيا في حين يصوت الناخبون في بقية دول الاتحاد الأوروبي من بينها فرنسا يوم الأحد 9 يونيو الجاري.
وسوف يتم انتخاب 720 عضوا بالبرلمان الأوروبي ومقره في ستراسبوج بين آلاف من المرشحين.
وفي فرنسا، سوف يختار الناخبون البالغ عددهم 49.7 مليون، مسجلين على القوائم الانتخابية، 81 عضوا في البرلمان. وتتميز انتخابات 2024 بمنافسة شرسة بين الأحزاب الأوروبية بجميع أطيافها، اليمين واليسار والوسط، والتي قد تكون مصيرية للعديد منهم سواء كان على المستوى الوطني أو الأوروبي، في ظل صعود تيار اليمين المتطرف في معظم دول الاتحاد والرافض للهجرة.
ويحاول ممثلو هذا التيار حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد البالغ عددها 720 مقعدا في البرلمان، لتكون لهم الكلمة العليا في تحديد أطر سياسات الاتحاد للسنوات الخمس القادمة. ففي فرنسا، يخوض سباق الانتخابات عدة أحزاب رئيسية منها "التجمع الوطني" (يمين متطرف) والذي يتصدر استطلاعات الرأي المتعلقة بنوايا التصويت، وحزب "النهضة" الحاكم (وسط) وأحزاب التحالف الرئاسي، وحزب "الجمهوريون" (يمين)، والحزب الاشتراكي (يسار)، وحزب "الخضر"، و"فرنسا الأبية" (يساري راديكالي).
وقد أظهرت استطلاعات الرأي تقدم قائمة التجمع الوطني بفارق كبير على منافسيها، حيث حصلت على نسبة 33% من نوايا التصويت، وفقا لآخر استطلاع بتاريخ 4 يونيو، كما حصلت رئيسة لائحة الأغلبية الرئاسية فاليري هاير على 15% من نوايا التصويت، ورافاييل جلوكسمان عن الحزب الاشتراكي 14%،
واحتفظت مانون أوبري عن فرنسا الأبية بالمركز الرابع بنسبة 7.5% من الأصوات، متقدمة على فرانسوا كزافييه بيلامي عن حزب الجمهوريين وسجل 7% ثم تأتي ماريون ماريشال عن حزب الاسترداد وتحصل على 6%. حيال ذلك، يرى بعض المحللين السياسيين أن هذه النسب وإن كانت علميا صحيحة إلا أنها قد تتغير خلال التصويت.
فقد أوضح الدكتور طارق زياد وهبي، المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية بباريس، أن استطلاعات الرأي هذه "هي معيار حقيقي نستطيع أن نعمل به، ولكن المشكلة هي في نسبة المترددين أو نسبة الذين لايذهبون إلى التصويت، فعندما يقرر هؤلاء الذهاب فستتغير كل هذه النسب".
وقال الدكتور طارق لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس، إن هذه الاستطلاعات تكون على عينة مثالا على 20 ألف شخص ولا نستطيع أن نأخذ رأي هذه العينة على مستوى ال40 مليون ناخب فرنسي.. مشيرا إلى صحة استطلاعات الرأي علميا ولكنها ترتبط بما نسميه أداء المترددين فعلى سبيل المثال إعطاء نسبة 33% لحزب التجمع الوطني (اليميني المتطرف) رقم غير طبيعي! وأعتقد أنها أرقام علمية على العينة لكن لاحقا قد تتغير".
في هذا الصدد، يكثف الرئيس الفرنسي وفريقه جهودهم لخوض هذه المعركة الانتخابية، من خلال "فاليري هاير"، رئيسة لائحة حزب النهضة. فقد انضمت هاير (37 عاما)، إلى معسكر ماكرون اليمين الوسطي في 2017. وانتخبت عضوا في البرلمان الأوروبي في 2019، وتتميز بخبرتها في مجال الميزانية داخل الاتحاد الأوروبي. وبدأت حملتها الانتخابية تحت شعار "الحاجة إلى أوروبا"، والتي تركز على التكامل الأوروبي والتضامن الاقتصادي.
وتأتي في صدارة القوائم الرئيسية الفرنسية قائمة حزب التجمع الوطني (اليمين المتطرف)، بقيادة جوردان بارديلا (28 عاما). وقد شغل في البرلمان الأوروبي منصب نائب رئيس مجموعة الهوية القومية والديمقراطية لمدة 5 سنوات، ويقود حملته تحت شعار "فرنسا تعود .. أوروبا تنتعش!". "مانو أوبري" (34 عاما)، عن فرنسا الأبية، قامت بحملة لولاية ثانية كعضو في البرلمان الأوروبي.
وخلال السنوات الخمس الماضية، نجحت أوبري في تعزيز نفسها تدريجيا في البرلمان. وتقود حملتها تحت عنوان "الاتحاد الشعبي" وعلى رأس أولوياتها مكافحة عدم المساواة وفرض الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، وتسريع التحول البيئي. أما لائحة "الخضر" فتترأسها "ماري توسان" (36 عاما)، وتعتبر "أوروبا الخضراء" و"العدالة المناخية" موضوعين رئيسيين لحملتها.
كذلك من ضمن المرشحين، فرانسوا كزافييه بيلامي (38 عاما)، عضو بالبرلمان الأوروبي المنتهية ولايته، ويمثل حزب "الجمهوريين" في الانتخابات، ويسلط الضوء خلال حملته على ملف الزراعة، كما يناضل من أجل التعليم والثقافة الأوروبية.
وأيضا رافاييل جلوكسمان رئيس لائحة الحزب الاشتراكي بالانتخابات. وتميز بعمله في قضايا حقوق الإنسان، ولا سيما بصفته نائب رئيس اللجنة الفرعية المخصصة لهذا الموضوع في البرلمان، كما ترأس اللجنة الخاصة المعنية بالتدخل الأجنبي في كافة العمليات الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي.
وخلال الفترة الماضية، عقدت نقاشات بين زعماء القوائم الرئيسية حول عدة قضايا يواجهها الاتحاد الأوروبي، منها القوة الشرائية وملف الهجرة والدفاع الأوروبي وأوكرانيا والوضع في غزة. فبالنسبة للهجرة، يرى فرانسوا كزافييه بيلامي (عن حزب الجمهوريين): "يجب الدفاع عن حدودنا الخارجية ببنية تحتية وبجدران".
ودافع جوردان بارديلا (التجمع الوطني) عن فكرة "الحدود المزدوجة"، فهو يرغب في "إعادة قوارب المهاجرين التي ترسو على السواحل الأوروبية بشكل منهجي" و"فحص طلبات اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي". وفيما يتعلق بالصراع الروسي الأوكراني، ففي الوقت الذي تطالب فيه كييف بالقدرة على استخدام الأسلحة الغربية، وخاصة الفرنسية، لضرب الأراضي الروسية، قالت ماري توسان (حزب الخضر) إنها تؤيد استخدامها فقط ضد "البنية التحتية العسكرية" الروسية، وهو رأي شاركها فيه المرشح الاشتراكي جلوكسمان، الذي اعتبر أن "الوضع خطير للغاية على الجبهة".
بينما قالت مانون أوبري والتي تعارض استخدام الصواريخ الأوروبية: "علينا أن نفتح القنوات الدبلوماسية".
وقال جوردان بارديلا أيضا إنه "يعارض إرسال صواريخ يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الأراضي الروسية"، بينما أصرت فاليري هاير (عن الحزب الحاكم) على أنه "يجب تسريع عمليات تسليم الأسلحة"، مضيفة أن هناك تحديا أمنيا عسكريا واقتصاديا، فضلا عن التضخم. وتلقي الحرب في قطاع غزة بظلالها على الانتخابات الأوروبية، وأصبح قرار الاعتراف بفلسطين من ضمن الموضوعات المطروحة للنقاش بين المرشحين.
فبالنسبة لمرشحة ماكرون التي أعلنت تأييدها ل"حل الدولتين" بين إسرائيل وفلسطين، فإن "الشروط غير متوفرة الآن" لمثل هذا القرار.
أما مانون أوبري من فرنسا الأبية، فهي تضع مسألة غزة في قلب حملتها الانتخابية، وتشدد على أهمية فرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية، وفرض حظر إرسال الأسلحة، وتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، والاعتراف بدولة فلسطين. ويرى مرشح التجمع الوطني بأن "الموقف التاريخي لفرنسا هو الاعتراف بالدولتين"، لكن في ظل الوضع الحالي، فإن هذا الاعتراف مستحيل لأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية اليوم سيكون بمثابة إضفاء الشرعية على حماس.
وبالنسبة لمسألة القوة الشرائية، فقد دعا فرانسوا كزافييه بيلامي (الجمهوريون) إلى تنظيم الأجور للذين يعملون، كما طرحت مانون أوبري (فرنسا الأبية) ثلاث أدوات رئيسية للعمل على تعزيز القوة الشرائية: تثبيت أسعار المنتجات الأساسية، والخروج من سوق الكهرباء الأوروبية لتجنب زيادة فواتير الطاقة ووضع حد لـ"تقشف الميزانية".
ودعا مرشح الحزب الشيوعي إلى الاستثمار في مصادر الطاقة. وأضاف: "نحن بحاجة إلى مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية لتلبية الضرورة البيئية والصناعية".
وتنطلق غدا وحتى التاسع من يونيو الجاري، هذه الانتخابات وسط مخاوف من صعود اليمين المتطرف.
لكن كثيرا من المحللين ومن بينهم الدكتور طارق زياد يرون أن "التجمع الوطني" اليميني المتطرف سيكون في الصدارة بنسبة تقريبا تتخطى 25% ولكن لن يكون هو الحزب الضاغط لأن هناك أحزابا تقليدية سيكون لها صدى أيضا غير اليمين المتطرف.