الخميس 20 يونيو 2024

«بين الأدب والاحتجاج»..القصة الكاملة لسيرة حياة أليفة رفعت

أليفة رفعت

ثقافة5-6-2024 | 13:30

بيمن خليل

أليفة رفعت، روائية وقاصة مصرية، مثلت صوتًا أدبيًا بارزًا، اشتهرت أعمالها بأنها تنتمي لأدب الاحتجاج، وتميزت كتاباتها بتناولها لحياة النساء في الريف المصري، وأثارت جدلا بمؤلفاتها نتيجة تطرقها للتحديات التي واجهتها في حياتها الشخصية، فهي كانت شغوفة بالتعليم والثقافة وتحلم بالالتحاق بالجامعة؛ لكنها كُبِّلَت بقيود بيئتها الريفية التي عارضت طموحاتها، فاتجهت لنقد وضع المرأة في بيئة لا تمنحها الحرية في الاختيار.

نستعرض لكم قصة حياة أليفة رفعت وتفاصيلها وفقًا لما نشرته الكاتبة على صفحات مجلة الهلال في 1 سبتمبر 1994، تحت عنوان "تجربتي مع الحياة والإبداع".

ولدت أليفة رفعت واسمها الحقيقي "فاطمة عبد الله رفعت"، في يوم 5 يونيو 1930، بمحافظة الشرقية، لأب يعمل مهندسًا للمباني، يحمل لقب "بك" وكانت تحب القراءة منذ صغرها خاصةً إصدارات "الهلال" المتنوعة التي كانت تستقي منها ثقافتها ومعرفتها.

تفتح وعي "أليفة" على الفوارق الاجتماعية الهائلة التي كانت تسود بلدتها، حيث لاحظت الفارق الكبير بين معيشتها المترفة وبين معيشة الفلاحين المعدمين في بيوتهم الطينية، كانت تشعر بالألم وهي ترى البنات الصغيرات اللواتي يماثلننها في السن، وأمهاتهن يحضرنهن إلى أمها راجيات أن يعملن في البيت لضمان الملبس والمأكل.

مزقت قصتها الأولى

مزقت أخت أليفة قصتها الأولى، ولقنتها درسًا قاسيًا، وطلبت منها أن تتوب عن الكتابة، وأجبرتها مع شقيقاتها وبنات العائلة تطريز جهازها لعريسها المنتظر، وكانت قد استوحت أليفة قصتها الأولى من شيخ ضرير كانت تجلس معه تقرأ له من كتابه الممزق الغلاف، ويصحح هو لها النطق، عن أرواح البررة التي تحيا في حواصل الطير، فتنتقل إلى أعالى الشجر، وبين الشجر وبين أفنانه في الجنة، وكانت تستهويها هذه الصورة الأسطورية لدرجة أنها كانت تتمنى أن تتحول إلى طائر مغرد.

كلية الفنون الجميلة

بعد تخرجها من مدرسة الثقافة النسوية، أرادت أليفة الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لكن والدها رفض ذلك، وبعد ذلك حاولت الالتحاق بمعهد إيطالي لكنها تراجعت بسبب مناهجهم الداسية التي تقيد إبداع، واقتصرت خياراتها على عزف البيانو، لكن أختها أغلقته بالمفتاح مدعية أن والدهما قد اشتراه لها فقط.

أليفة والشاعر أحمد رامي

تأثرت أليفة بصوت أم كلثوم، ونظمت بعض الأغاني، التي أخذتها وذهبت بها إلى الشاعر أحمد رامي بمبنى الإذاعة بشارع الشريفين، وعرضت عليه ما نظمت فقال لها: لك مطلع جميل للأغنية، ولكن باقي الأغنية غير موزونة رغم أن معانيك جميلة ورقيقة، ونصحها ألا تتقيد بالبحور والأوزان، وأن تنطلق بقلمها في الكتابة الأدبية وسيكون لها شأن كبير.

أثّرت في أليفة كلمات وأسلوب رامي الرقيق في النقد، ولكنها أقلعت عن كتابة الأغاني، وبدأت تدون خواطرها الذاتية، وكانت الجملة الحائرة التي كانت تتردد على قلمها كثيرًا جملة "ماذا أريد؟".

زواجها في سن صغيرة

في سن صغيرة، اتخذ والد أليفة قرار الزواج نيابة عنها، مما أثر بشكل كبير على تفكيرها وكتاباتها، بدأت تنتقد بشدة الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع المرأة، معارضة لوضعها في بيئة لا تمنحها حرية الاختيار، على الرغم من زواجها، إلا أنها لم تتوقف عن القراءة، واستمرت في الإطلاع على عشرات الكتب.

تعرضت أليفة لظروف صعبة حالت بينها وبين زوجها، بعد أن مات طفلها إثر ولادة متعسرة، بعد أقل من شهرين من وفاته، ومات في ذلك الوقت زوج أختها الوسطى، وأختها التوأم قد تعرض للخيانة من زوجها فسقطت مريضة، وأحاطت الكوارث بالعائلة من كل اتجاه، ولكنها في الأخير استمرت في زواجها.

قصة نشرها يوسف السباعي

كتبت أليفة قصة أختها التؤام وأرسلتها لمجلة الرسالة الجديدة فنشرها يوسف السباعي، وثار زوجها لذلك الأمر وقال لها "اذهبي إلى بيت أبيكِ، فلن أكون زوجًا لسيدة تسلط عليها أضواء الشهرة وأسير وراءها"، وأرسلها إلى بيت أبيها مع ابنتهما الطفلة، ولكن والدها عاود إرسالها إلى بيت زوجها مرة أخرى وقال لها: "لن تكتبي في بيتي".

أسماء مستعارة

بدأت أليفة تكتب بأسماء مستعارة، مثل "عايدة" واختارت هذا الاسم لأنها عادت إلى الكتابة، و"أليفة"، لأنها كانت تبحث عن الأليف وقد راسلت وقتها معظم أدباء عصرها وجميعهم شجعوها على الاستمرار، وأطلق عليها الكاتب إبراهيم الورداني "قطعة القلق"، و"بنت بنها".

سافرت أليفة خارج مصر إلى عدة دول، على الرغم من أنها لم تجيد سوى اللغة العربية، ومن هذه الدول، إنجلترا وألمانيا وكندا والمغرب وتونس والنمسا وقبرص وتركيا والسعودية، حيث أدت مناسك الحج، وتُرجمت كتبها إلى العديد من اللغات، بما في ذلك الإنجليزية والألمانية والسويدية والهولندية.

الهلال وروايتها الأولى

نشرت دار الهلال رواية "جوهرة فرعون"، وهي الرواية الأولى لأليفة رفعت، وتدور أحداثها حول قصة فرعونية قديمة، تحكي سر قلادة مسحورة تشفي من الأمراض والأوجاع وتساعد الشخص الذي يرتديها على تحقيق النصر والخلود، تتخلل الرواية العديد من المؤامرات والدسائس للحصول على هذه القلادة والانتصار بها بفضل تأثيرها السحري العظيم.

تلقت "أليفة" منحة لمدة عامين من وزارة الثقافة لكتابة هذه الرواية، وقد منحتها الدكتورة ضياء أبو غازي، مديرة متحف الآثار في ذلك الوقت، تصريحًا لدخول المكتبة والبحث في المراجع لجمع المعلومات اللازمة، لأنها كانت تحرص على تصحيح المعلومات والبحث في المراجع بنفسها، ولكنها تلقت مساعدة كبيرة في ترجمة بعض المراجع من الألمانية من الدكتور خشاب، ووجدت دعمًا وتشجيعًا لإكمال هذا العمل الأدبي.

مقولتها الشهيرة

ومن أشهر المقولات التي كانت ترددها "أليفة" بقوة، وتُرجمت بعد ذلك وأعجبت بها الأديبة الأمريكية "موزان جريفين" حين قابلتها في لندن: "خير لي أن أكون أمّا مجهولة من أن أكون كاتبة مشهورة، فهذا مجد زائف".

اتسم أسلوب أليفة بالجرأة والنقد اللاذع، في الكتابة عن المرأة الشعبية العاملة البسيطة والفلاحة، ومعاناتهن الشخصية، وقد شجعها في الكتابة الكاتب إبراهيم الورداني، فكتبت قصة «عالمي المجهول» بجرأة وصراحة كما طلب منها ثم نشرتها في ملحق "الزهور" والتي ترجمت إلى الإنجليزية والألمانية فأحدثت صدى واسعا وضجة كبيرة.

وتقول أليفة رفعت: قالوا عني نصف مجنونة وقيل هو الجنون في الإبداع وقيل وقيل ولكن هكذا خُلقت فليقولوا ما شاءوا.. وحتى أكون صادقة في كلمتي أظنني يجب أن أعترف بالناحية العاطفية في حياتي، فالحب هو الشرارة التي تولد احتراق الشعلة في النفس فتشع مبدعة الفن والأدب ولكم أحببت منذ طفولتي وكم صدمت.

أصدرت أليفة العديد من الأعمال الأدبية، ومنها، المجموعة القصصية، "حواء تعود لآدم"،  "من يكون الرجل"، "بعيدًا عن المئذنة"، ورواية "جوهرة فرعون"، بالإضافة إلى العديد من القصص المنفردة الأخرى.

رحلت أليفة رفعت عن عالمنا، في الأول من يناير عام 1996، بالقاهرة.