تميز علماء القرون الوسطى بعدم تعطشهم فقط للحصول على المعرفة والثقافية، بل لأجل تطبيق هذه المعرفة عمليا ولغرض تحسين إطار الحياة في المجتمعات التي يعيشون فيه، ومن ضمن مميزات تلك العصور، سواء في أوروبا أو القارة الأسيوية وشمال القارة الأفريقية، هو تأثير المنهاج الديني، الذي آثر بشكل كبير في أتجاههم الفكري.
تأثر المسلمون في القرون السابقة، بالآية القرآنية "الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، فاعتبروا العمل الصالح هو كل عمل يمكن أن يحسن الحياة كبيرأبدي هؤلاء العلماء في القرون الوسطى، نشاطا مذهلا، إذ ارتفع معدل مكتشفاتهم إلى نسب لا يمكن أن يصدقها عقل، فكانوا يسجلون معارفهم في مجلدات فيملؤون بها مجلدات ضخمة بآلاف الصفحات التي تحتوي على معلومات جديدة.
ولأجل إنقاذ العلوم القديمة من الضياع، أنشأ العلماء من كلا الديانتين المسيحية والإسلامية، في القرون الوسطى العديد من المكتبات الشاملة لكل المعارف، منها عن علوم الخيمياء، والفلك، والرياضيات والجغرافيا، وغيرها من العلوم التي تطورت بشكل كبير في القرون الوسطى.
وتميز الحسن بن الهيثم، بطرح فكرة المنهج التجريبي، موطدا بذلك إحدى ركائز الأساليب العلمية كلها في تلك الفترة الزمنية، وبرهن على صحة ما يرى فاختلف عن علماء عصره في ذلك، إذ كانت المعارف قائمة في العصور الوسطى على التأمل والمعارف الروحية.
انتشرت الأسلوب التجريبي الذي اتبعه ابن الهيثم، فاقتدى به كل من العلماء سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، فعلى سبيل المثال، كان دانيال أف مورلي، وهو إنجليزي من القساوسة العلماء، قضى حياته يسعى وراء المعرفة فكان مثالا للأوروبي المتطلع إلى الخارج، والمفكر إلى الأمام، ففتح ذهنه على المعارف الإسلامية.
كتب دانيال ذات يوم إلى الملك هنري الثالث "ربما لا تكون قد قرأت بعناية وفهم ما حوته الكتابات اللاتينية، ولكنك أيضا ترغب في فهم أفكار العرب المتعلقة بالكرة والدوائر وحركات الكواكب، فأنت القائل إن من يولد وينشأ في هذا العالم ولا يكلف نفسه بمعرفة السبب الكائن وراء مثل هذا الجمال الرائع، فإنه لا يستحق هذا العالم وينبغي أن ينبذ منه، لذلك سأكتب باللاتينية ما تعلمته بالعربية بشأن العالم وأجزائه".
ذهب دانيال إلى طليطلة التي كانت في القرن الثاني عشر، تضم ثلاث ثقافات على الأقل تعيش جنبا إلى جنب: الثقافة الإسلامية والثقافة اليهودية والثقافة المسيحية، كان ذلك زمن الثراء الثقافي حيث الجميع يشتركون في التلهف إلى المعرفة ذاتها، وأطلق على الطريقة التي كانوا يعملون بها ويعيشون بموجبها معاً اسم "العيش المشترك".
خلال القرن الثاني عشر، بذل جهد كبير في طليطلة لترجمة العلوم من العربية إلى اللاتينية، ما جذب العديد من العلماء والمترجمين، فالمسلون كان لهم الفضل في انقاذ أعمال الفلاسفة وعلماء الرياضيات الإغريق التي ضاعت في أوروبا، فمثال على ذلك، كان ابن رشد، الذي كتب شروحا وتعاليق على كتب أرسطو، مما شكل بداية الإحياء الكلاسيكي الأوروبي، تم نقل أعماله إلى اللاتينية بواسطة مايكل سكوت من اسكتلندا وهيرمان أف كورينثيا من ألمانيا.
فكانت هذه الترجمات اللاتينية من العربية والتي نشأت في كل من طليطلة وصقلية، لنشر المعارف والعلوم في كامل أوروبا، جعل ابن رشد من باريس عاصمة ثقافية لأوروبا، محاولا نزع فتيل الصراع بين العلم والدين، ما أدى إلى حظر الكنيسة لأعماله وأرسطو واندلاع جدل طويل.