حذر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، من أن الأطراف المتحاربة في جميع أنحاء العالم تجاوزت "حدود ما هو مقبول وقانوني على العديد من الجبهات، مع إزدراء تام للآخر، وانتهاك حقوق الإنسان في جوهرها ، مؤكدا الحاجة الملحة لإيجاد طريق للعودة إلى السلام.
وفي معرض تقديم تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان العالمية ، الذي تحدث فيه عن الأوضاع في غزة والسودان من بين مناطق أخرى ، قال تورك إن الفجوة بين متطلبات التمويل الإنساني والموارد المتاحة تبلغ 40.8 مليار دولار ، وأشار إلى أنه يتم تمويل النداءات الإنسانية بمتوسط 16.1 بالمائة فقط ، في حين وصل الإنفاق العسكري العالمي العام الماضي إلى 2.5 تريليون دولار.
وقال إن البيانات التي جمعها مكتبه توضح أن عدد القتلى المدنيين في النزاعات المسلحة ارتفع بنسبة 72 بالمائة عام 2023، فيما تظهر أن نسبة القتلى من النساء تضاعفت ونسبة الأطفال تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالعام السابق.
وأضاف "أصبح قتل واصابة المدنيين حدثا يوميا، وأصبح تدمير البنية التحتية الحيوية حدثا يوميا مدمرا ومتهورا ، تطلق النار على الأطفال، وتُقصف المستشفيات، وتطلق القذائف الثقيلة على مجتمعات بأكملها، وإلى جانب كل ذلك ينتشر خطاب الكراهية والانقسام واللا إنسانية".
وذكر المفوض السامي أنه يشعر بالفزع إزاء تجاهل القانون الدولي من قبل أطراف النزاع في غزة، التي تشهد "موتا ومعاناة غير معقولة" ، وقال إن أكثر من 120 ألف شخص في غزة، معظمهم من النساء والأطفال، قتلوا أو أصيبوا نتيجة الهجمات الإسرائيلية المكثفة منذ 7 أكتوبر.
وأضاف "إن الضربات الإسرائيلية المستمرة في غزة تسبب معاناة هائلة ودمارا واسع النطاق ، استمر الحرمان التعسفي من المساعدات الإنسانية وعرقلتها، وتواصل إسرائيل احتجاز آلاف الفلسطينيين تعسفا ، وهو ما يجب أن ينتهي ، وتستمر الجماعات الفلسطينية المسلحة في احتجاز العديد من الرهائن، وفي بعض الحالات في مناطق مكتظة بالسكان، مما يعرضهم هم والمدنيين الفلسطينيين لمزيد من المخاطر ، يجب إطلاق سراح هؤلاء الرهائن ، تثير الأنماط التي وثقناها مخاوف جدية بشأن إرتكاب جرائم حرب ، وغيرها من الجرائم الفظيعة".
وعبر تورك عن قلقه البالغ إزاء الوضع المتصاعد بين لبنان وإسرائيل، والذي أدى إلى نزوح ودمار واسع النطاق ، في ظل تقارير عن مقتل 401 شخص في لبنان و25 شخصا في إسرائيل ، وكرر دعوته إلى وقف الأعمال العدائية وقيام الجهات الفاعلة ذات النفوذ باتخاذ جميع التدابير الممكنة لتجنب حرب واسعة النطاق.
وفيما يتعلق بالسودان، قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "إن البلاد يتم تدميرها أمام أعيننا ، والأطراف أثارت التوترات العرقية ومنعت المساعدات الإنسانية واعتقلت المدافعين عن حقوق الإنسان وتجاهلت بشكل صارخ حقوق شعبها ، لقد أخطرت كلا الجنرالين بمسؤوليتهما في ارتكاب جرائم حرب محتملة وغيرها من الجرائم الفظيعة، بما في ذلك من خلال العنف الجنسي والهجمات ذات الدوافع العرقية ، إنهما مسؤولان في نهاية المطاف عن تأثير أفعالهما على المدنيين، بما في ذلك النزوح الجماعي والمجاعة الوشيكة والكارثة الإنسانية المتفاقمة".
وبينما انخفضت حدة الأعمال العدائية في سوريا ، قال تورك إنه لا توجد نهاية واضحة للصراع في الأفق ، وإن العائدين السوريين ما زالوا يواجهون مخاطر، مثل الاعتقال التعسفي والاحتجاز والابتزاز، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الموالية للحكومة، أو تلك التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة غير الحكومية.
وكرر دعوته إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفي الأمم المتحدة الثلاثة عشر، إلى جانب العشرات من موظفي المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، الذين تم احتجازهم تعسفيا من قبل سلطات الأمر الواقع في اليمن.
وسلط المفوض السامي الضوء أيضا على التراجع المستمر لحقوق النساء والفتيات، مشيرا إلى أن المقاومة النشطة للمساواة بين الجنسين هي عامل رئيسي في إبطاء التقدم ، وحتى عكس المكاسب التي تحققت في تحقيق أهـداف التنمية المستدامة.
وفيما يتعلق بالتأثير الواسع للصراعات على البيئة، قال تورك "إنه بالإضافة إلى إلحاق معاناة لا تطاق على البشر، فإن الحرب لها ثمن باهظ ، وإنه يتم حرق الأراضي ونشر التلوث الكيميائي للهواء والماء والتربة، وتدمير البنية التحتية المدنية خلال الحروب، فيما هناك خطر من وقوع كارثة نووية؛ ويأتي هذا على رأس بعض أكبر التحديات التي تواجهها البشرية اليوم ، تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث ، ومع مرور كل يوم تغلق نافذة الفرص المتاحة للإنسانية".
وأضاف "إن أي شكل من أشكال خطاب الكراهية غير مقبول وخطير على التماسك الاجتماعي ، ونذير بما هو أسوأ في المستقبل ، ونحذر من مخاطر معاداة السامية والتعصب المناهض للمسلمين، فضلا عن الخطاب المثير للانقسام والمعلومات المضللة التي تجعل المهاجرين واللاجئين كبش فداء للتحديات الأوسع في المجتمع، بما في ذلك القضايا الاجتماعية والاقتصادية ، ولقد أصبح هذا الأمر شائعا بشكل خاص بين الشعبويين والمتطرفين اليمينيين في الحملات الانتخابية في أوروبا وأمريكا الشمالية وأماكن أخرى".
ونوه تورك بالهجمات اللفظية والتهديدات والأعمال الانتقامية العدوانية المتزايدة والحملات العنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي ضد المؤسسات والآليات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة بشكل عام، ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمكلفين بولايات في إطار الإجراءات الخاصة، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية.
وقال "هذا غير مقبول ، لقد تم إنشاء هذه المؤسسات وتفويضها من قبل الدول على وجه التحديد للقيام بعملها الحاسم ، ويجب على الدول تسهيل هذا العمل وحمايته من التدخل والهجوم غير المبرر ، وأود أن يفكر كل واحد منا مليا في كيفية ضمان عدم تقويض إنجازات النظام متعدد الأطراف وقدرتنا على القيام بعملنا".
وشدد المفوض السامي على أن وجود نظام قوي وفعال لحقوق الإنسان هو أمر أساسي للتعاون الفعال متعدد الأطراف ولبناء مستقبل أفضل للناس والكوكب.