السبت 21 سبتمبر 2024

في القرون الوسطى.. كيف كانت المعاملات التجارية والاقتصادية في العالم الإسلامي

أول دينار عربي وإسلامي ينقش عليه الشهادتين

ثقافة19-6-2024 | 08:23

إسلام علي

تميز العالم الإسلامي في الماضي بتعاملات مالية متنوعة تختلف عن تلك التي نراها اليوم ،فكانت التجارة تعتمد بشكل كبير على العملات الذهبية والفضية، بالإضافة إلى العملات الأخرى التي كانت تسك في دار الضرب، وقد اختلفت مواقع دور الضرب بتعاقب الدول الإسلامية على مر العصور، مما يعكس التنوع والغنى الثقافي والاقتصادي لتلك الفترات، وشهد العالم الإسلامي أيضا تطورا في أدوات مالية أخرى مثل الصكوك، التي ساهمت في تسهيل التجارة وتعزيز الاقتصاد، فكانت هذه الأدوات المالية جزءا من نظام مصرفي متقدم مكن التجار من إجراء معاملات دولية بسهولة وأمان، مما جعل التجارة العالمية ممكنة ومزدهرة في ذلك الوقت.

بسطت الدولة الإسلامية عملتها الذهبية والفضية على العالم أجمع وجعلته عملة عالمية، ففي القرون الوسطى،  كان الرحالة والمسافرون وغيرهم من سكان القرى والأقاليم يطوفون في العالم الإسلامي مشرقه ومغربه يستخدمون الدنانير والدراهم، فكان هناك ما يشبه الوحدة الاقتصادية والمالية في العديد من المساحات الشاسعة في بقاع العالم الإسلامي.

يعد الخليفة عبد الملك بن مروان، أول من نقش على الدنانير الذهبية كتابات عربية وقرآنية، فاستطاع عبد الملك أن يوحد عملة المسلمين تحت نظام موحد منذ عام 691م، وعلى الرغم من إصدار عملة إسلامية إلا أنها كانت تحمل على إحدى وجهيها صور ثلاث شخصيات بيزنطية: هيراكليس وهيراكليوس قسطنطين وهيركلوناس،  وعلى محيط الوجه الآخر نجد الشهادتين.

غضب الأمبراطور البيزنطي من ذلك التصرف، إذ أن سك الشهادتين على العملة يدل على عدم التبعية الاقتصادية للدولة البيزنطية والإستقلال التام عنها، فرفض الأمبراطور تلك العملة وحاربها مما أغضب عبد الملك الذي سك عملة جديدة أخرى عليها صورة الخليفة بكاملها وهو يرتدي الزي العربي ويحمل سيفا .

ورد الأمبراطور البيزنطي على ذلك التصرف الأخير، بأن قام بسك عملات جديدة، وبعدها قام عبد الملك بفرض العملة الإسلامية على جميع المناطق التابعة للدولة الأموية ومن يرفضها يعرض نفسه لعقوبة الموت ، وكانت النقود الذهبية الأموية تسك في دمشق،  كما أقام الأمويون بعد فتح شمال إفريقيا وإسبانيا دورا سكت فيها عملة نقش عليها اسم المدينة وتاريخ السك.

ظل شكل الدينار ثابتا إلى حد كبير بعد ذلك إلى أن جاء الخليفة العباسي المنصور وبنى مدينة بغداد ونقل دار سك العملات إلى العاصمة الجديدة،  ظهر حينها أسماء المسؤولين على القطع الفضية، وجاء فيما بعد الخليفة هارون الرشيد، الذي قرر التخلي عن بغداد كعاصمة للدولة العباسية،  فقرر ضرب دنانير بأسماء حكام مصر.

قام المسلمون في القرنين ال7 و8 الميلادي، بضبط المقدار الخاص بالعملات الذهبية والفضية، وذلك كما أمرهم القرآن الكريم "وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا" فقد ذكرت مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة في موسوعتها العلمية تحت عنوان "التراث الإسلامي في عالمنا" أن الدولة الإسلامية قد حددت المعيار بسبعة مثاقيل الذهب لكل عشرة دراهم من الفضة وأية عملة لا تحقق هذا المعيار تعد غير شرعية.

 فكان يؤتى بالعملة الأجنبية وقطع العملة القديمة إلى دار ضرب النقود مع سبائك الذهب والفضة فيعاد تنقيتها وتسل من جديد، وتفحص السبيكة أولا للتأكد من نقاوته قبل صهرها وضربها وفق معايير الخلائط المعتمدة.

وبالنسبة إلى الفاطمين، فقد نقشوا دنانيرهم  بالخط الكوفي وانتشرت على نطاق في تجارة البحر الأبيض المتوسط، حتى ان الصليبين عندما احتلوا فلسطين نسخوا قطع عملة جديدة بدلا من أن يسكوا عملة خاصة بهم.

وفي أثناء تواجد المسلميين في الأندلس، قاموا بسك عملات عليها نقوش من آيات القرآن الكريم و وقام مسلمي الأندلس بسك العديد أسماء الحكام اللذين سبقوهم في الحكم، وفي النظام المالي الأندلس، لم ينقش بنو نصر وهي آخر دولة حكمت الأندلس  أي تاريخ على عملاتها سوء الكلمة واحدة وهي "لاغالب إلا الله"

انتقلت الأوضاع بحلول القرن الثالث عشر الميلادي، بحيث لم يعد هناك دولة إسلامية جامعة لكل دول وأقاليم العالم الإسلامي تحت مظلة واحدة، بل انقسم العالم إلى بلاد وأقاليم مستقلة كل حاكم يضرب السكة بأسمه الخاص، وكانت هذه النقود كما هي الحال اليوم، تحمل أسماء حكام الدويلات شبه المستقلة، أي أن كل إقليم يسك عملته بصورة مستقلة فإنها كانت تعترف بالقيادة الاسمية للخليفة.

لم تكن العملة وحدها وسيلة الدفع في العمليات التجارية، بل كانت هناك أيضًا الصكوك، دوالتي تعني وثيقة تتعهد فيها بالدفع عند استلام السلع ، ففي القرن التاسع، في عهد هارون الرشيد، كان بإمكان رجل الأعمال المسلم، بفضل نظام مصرفي متقدم، أن يدفع شيكا في كانتون بالصين مستخرجا من حسابه المصرفي في بغداد.

 نشأت فكرة استخدام الصكوك لتجنب نقل العملة القانونية، بسبب المخاطر والصعوبات المرتبطة بذلك. لذلك، استخدم المصرفيون فواتير التبادل، وأوراق الاعتماد، ورسائل الوعد كبديل للشيكات المستحقة، ومن خلال تشجيع مفهوم فواتير التبادل وترويج الصكوك، جعل المسلمون تمويل التجارة والتجارة العالمية أمرا ممكنا.