الخميس 27 يونيو 2024

سليمان نجيب «وجوه أخرى من الإبداع».. كاتبًا صحفيًا ومترجمًا ومؤلفًا وسيناريست

سليمان نجيب

ثقافة21-6-2024 | 04:08

همت مصطفى

سيظل اسمه لامعًا في سماء الفن  المصري، وهو  إحدى أيقونات الفن العربي، ورمز من رموزه الأصيلة الخالدة التي ساهمت في إثراء حياتنا الفنية بعدد كبير من الشخصيات الدرامية الخالدة بجميع القنوات الفنية المسرح، السينما، الإذاعة، وهو صاحب باشا السينما المصرية وأول فنان يحصل على لقب بك  فهو المثقف والكاتب والمؤلف والمترجم، ولمع في كلاسيكيات السينما المصرية منذ أوائل الثلاثينات وحتى منتصف الخمسينات في القرن الماضي كممثل وسيناريست، وشارك بالبطولة الثانية في عشرات الأفلام المهمة، وتميز بشخصيته المتميزة وخفة ظله وأدائه الفكاهي هو الفنان القدير سليمان نجيب.

بيئة ثقافية و«بك» بالوراثة

ولد سليمان نجيب في 21 يونيو عام 1892 لأسرة مرموقة من أصل شركسي، والده هو القاص والشاعر مصطفى بك نجيب الذي عني بتربيته وتثقيفه، وقد ورث سليمان نجيب لقب البكوية عن والده الذي توفي ولم يزل  سليمان لم يبلغ العاشرة من عمره بعد.

التحق سليمان نجيب بالمدارس الأجنبية بالقاهرة، و لنشأته في بيئة ثقافية ومنزل أديب وشاعر عشق القراءة منذ طفولته، وكان والده يعمل بالديوان الملكي بسرايا عابدين كأمين أول في معية الخديوي  عباس حلمي الثاني، وخاله أحمد زيور باشا رئيس مجلس الوزراء، وابن عمته الطبيب الشاعرأحمد زكي أبو شادي.

 كاتبًا  وقنصلًا  ثم رئيسا للأوبرا

وبدأ سليمان نجيب حياته الأدبية والفنية بالكتابة فى مجلة «الكشكول الأدبية» وتحرير عمود ثابت تحت عنوان « مذكرات عربجي»، ودرس الحقوق لكنه اتجه للتمثيل وهو طالبا قبل الجامعة ومن بعدها إلى التمثيل، وشغل سليمان نجيب عدة وظائف رفيعة في كل من وزارتي الأوقاف والعدل.

وتنقل سليمان نجيب بعد ذلك بين وزارة المواصلات ومجلس الشيوخ وقنصلية مصر ليصبح قنصلا في السفارة المصرية باسطنبول عام 1925، وأحيل إلى المعاش وأعيد إلى العمل حتى نقل عام 1938 لدار الأوبرا المصرية، وعين مديرا لها، فكان أول مصري يشغل هذا المنصب، وأسندت إليه أيضا الإدارة الفنية للفرقة القومية لفترة في أوائل أربعينيات القرن العشرين.

مشاركاته المسرحية 

قضى سليمان نجيب على خشبة المسرح كممثل محترف ما يقرب من أربعين عامًا، شارك خلالها مع أهم الفرق المسرحية و قدم فيها ما يزيد عن50 مسرحية.

مؤلفا ومترجما 

كان سليمان نجيب من أنصار الترجمة والتمصير، فاقتبس عددا كبيرا من  النصوص والكوميدية الفرنسية والإنجليزية، وقدم بعضها بالاشتراك مع الفنان القدير عبد الوارث عسر ومن هذه المسرحيات : «24 ساعة جواز، فتاة الأناضول، المشكلة الكبرى، حادثة طلاق، التقرير السري، حادثة الطربوش، كلمة الحق، بيوت الذوات، إكسبريس قبلي، شروع في جواز، في بيوت الناس، زوجتي، عفريت مراتي، إلى الأبد، الحل الأخير، سوسو، أول بختي، اللعب بالنار، توت عنخ آمون، إلى الأبد، إنقاذ ما يمكن إنقاذه، كلنا كده، علشان عيونك.

وشارك مؤلفا  بعض المسرحيات الأخرى التي قدمت من خلال عدة فرق كبرى وهي:

ألف سليمان نجيب  لفرقة «فاطمة رشدي».  «667 زيتون» 1930م، الدكتور1948م ، ومع  الفرقة  القومية «الزوجة الثانية» 1937م،  ومسرحية «الأمل» مع عبد الوارث عسر 1939 م، «رجال» 1942م وكتب لفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى  «أرواح المرحومين» 1946 م، « الغيرة» 1948م، ومع جمعية «أنصار التمثيل والسينما»، «واسطة خير» 1960م، «جوز عفاريت» 1986م، ومع فرقة «المسرح الكوميدي» حادث قطار 1963م.

وقدمت  العديد من نصوص هذه المسرحيات  عدة فرق منها: «أولاد عكاشة»، «الكسار»، «جورج أبيض»، «رمسيس»، «الطليعة»، وأيضا ببعض المدارس والجامعات، وبجمعية «أنصار التمثيل والسينما»، شارك سليمان نجيب في بطولة  مجموعة المسرحيات بالفرق التالية:

فرقة «أنصار التمثيل والسينما». . العرائس 1915م، «نبي الوطنية/ الرسول»1920م، الواجب 1932م، إلى الأبد 1935م، المرأة بين جيلين، الموظف 1936م، النضال 1937م، المشكلة الكبرى 1938م.

فرقة «عبد الرحمن رشدي»: البخيل، الرداء الأحمر 1918م.

فرقة «جورج أبيض» ..حور محب، زواج فيجارو 1924م، الإسكندر الأكبر 1925م.

فرقة المسرح  «القومي» .. كلنا كده، مدرسة الأزواج، نص دقيقة 1943 م، ابن مين فيهم، الجزاء 1944م ، حسن الشحات، أرواح المرحومين، عفريت مراتي، مشغول بغيري 1946م، الشرف الياباني 1947م، الغيرة 1948م في  دور حسن بك.

وتعاون سليمان نجيب  من خلال امسرحياته مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم: عزيز عيد، زكي طليمات، جورج أبيض، فتوح نشاطي، عمر وصفي، السيد بدير، عبد الوارث عسر.

حاضرا بقوة في الإذاعة 

ساهمسليمان نجيب   في إثراء الإذاعة المصرية ببعض الأعمال الدرامية على مدار مايزيد عن25 عاما ومن بينها المسلسلات والتمثيليات الإذاعية التالية: «آخر إنذار، جمعية العزاب، وذلك بخلاف مشاركته بإعداد وتقديم بعض البرامج الدرامية وبرامج المنوعات للإذاعة المصرية ومن أهمها برنامج «حديث السهرة».

«باشا» من الواقع إلى السينما

 واشتهر سليمان نجيب  بأداء العديد من الشخصيات خاصة الأرستقراطية «الباشوات والبكوات» والتي تعكس حياته الواقعية والطبقة التي ينتمي إليها، فقدم صورا مثالية للباشا الطيب الأنيق الذي يعتني بذاته ومظهره والذي يدعي أحيانا  الجدية والعصبية ونفاذ الصبر وسرعة الغضب، وجميعها مظاهر  قد تتناقض  لتعكس  أسلوبه الفكاهي وعشقه للمغامرات والشقاوة وممارساته للغزل والغرام.

 

شارك سليمان نجيب بأداء عدد قليل جدا من أدوار البطولة المطلقة والأدوار الرئيسة، وذلك بالإضافة إلى أدائه عدد كبير من الأدوار الثانوية المؤثرة في عدد كبير من الأفلام السينمائية المهمة والتي قد يقارب عددها55  فيلما، حيث  بدأت علاقته بالسينما بعدما تخطى سن الأربعين،  وذلك من خلال تعاونه مع رائد السينما المصرية المخرج  محمد كريم في فيلمي: «دموع الحب»، و«الوردة البيضاء» 

كان سليمان نجيب قاسما مشتركا في عدد من الأفلام الغنائية المهمة لتي تعد من كلاسيكيات السينما العربية، تلك الأفلام التي أبدع في تقديمها كل من المطربين: محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، ليلى مراد، محمد فوزي، صباح، نعيمة عاكف، سعد عبد الوهاب، عبد العزيز محمود، شادية.

 المشاركات في  السينما 

ويعد دور «الباشا» في فيلم  «غزل البنات» مع نجيب الريحاني وليلى مراد وأنور وجدي من أشهر أدوار سليمان نجيب، ولكنه تميز في العديد من الأفلام المهمة الأخرى ومنقدم للجمهور  أدوارا لا تنسى، وتتمثل مشاركاته في  الأفلام التالية:

 في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.. «الوردة البيضاء 1932م، دموع الحب 1935م، الحل الأخير 1937م، دنانير، الدكتور 1939م، قلب المرأة، أصحاب العقول 1940م، إلى الأبد، 1941م، عايدة، أخيرا تزوجت 1942م، الحياة كفاح، ليلى بنت الفقراء، قبلة في لبنان، القلب له واحد 1945م، دنيا، لست ملاكا، أصحاب السعادة، لعبة الست 1946م، قلبي وسيفي، فاطمة 1947م، آه يا حرامي 1948م، غزل البنات، لهاليبو، الليل لنا، البيت الكبير، نادية 1949م».

 الخمسينيات .. «الأنسة ماما، الزوجة السابعة، الهانم 1950م، ورد الغرام، نهاية قصة، مشغول بغيري، حبيبتي سوسو 1951م عايزة أتجوز، يا حلاوة الحب، المنتصر، بشرة خير، زينب، حضرة المحترم، ظلمت روحي 1952م، أنا ذنبي إيه؟، بيت الأكابر، قطار الليل، بائعة الخبز 1953م، الآنسة حنفي، المحتال، علشان عيونك، أمريكاني من طنطا، إلحقوني بالمأذون، جنون الحب 1954م، أماني العمر، تار بايت، أحلام للبيع 1955م».

كبار المخرجين ونجوم الزمن الجميل

تعاون سليمان نجيب مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل وفي مقدمتهم  محمد كريم، كمال سليم، أحمد بدرخان، توجو مزراحي، عبد الفتاح حسن، أنور وجدي، ولي الدين سامح، أحمد كامل مرسي، نيازي مصطفى، عز الدين ذو الفقار، محمود ذو الفقار، حلمي رفلة، حسين فوزي، عباس كامل، حسن رمزي، هنري بركات، حسن الإمام، فطين عبد الوهاب، سيف الدين شوكت، إبراهيم عمارة، بهاء الدين شرف، جمال مدكور.

وشارك نجوم الفن في السينما  منهم: أم كلثوم وعباس فارس، نجيب الريحاني وتحية كاريوكا، إسماعيل يس، ليلى مراد، صباح، نعيمة عاكف وقدم أدوارا مهمة ارتبطت بذاكرة ووجدان المشاهد  المصري والعربي.

سيناريست وكاتب 

 لم يكن سليمان نجيب ممثلا فقط في السينما بل شارك أيضا بقلمه في كتابة القصة والسيناريو والحوار،  منها  مشاركته في كتابة حوار فيلم «الوردة البيضاء»، وأيضا مشاركته في كتابة السيناريو والحوار لفيلم «لست ملاك»، وكتابة قصة كل من فيلمي: الدكتور و«إلى الأبد»، و في كتابة سيناريو وحوار فيلم «أخيرا تزوجت».

ناجح في كل الأدوار 

حاول  المنتجون والمخرجون حبسه سليمان نجيب في شخصيات الطبقة الأرستقراطية بالسينما  لكنه تمر عليهم  وتنوعت أدواره بصورة كبيرة جدا في مجال المسرح، حيث نجح من خلاله في تقديم عدد كبير من الشخصيات الدرامية الثرية سواء باللغة العامية أو باللغة العربية الفصحي  لبعض الشخصيات بالنصوص العالمية المترجمة .

 

وتمرد  النجيب «سليمان»  على أداء تلك الشخصيات الإرستقراطية حتى في السينما، وذلك بتقديم تنويعات مختلفة عليها ولعل من أشهر النماذج على ذلك محاولاته لتجسيد بعض أدوار صغار الموظفين أو أدوار أبناء البلد والحرفيين، ومن بينها تجسيده لشخصية ناظر محطة سكة حديد  في فيلم «جنون الحب»، وشخصية الحاتي «صانع الكباب..كبابجي»،  في فيلم «تار بايت».

ونجح  أيضا في القيام ببعض أدوار البطولة المطلقة، فتفوق وأبدع في تقديمها ومن أهمها أفلام: «الحل الأخير» من إخراج عبد الفتاح حسن عام 1937م، «الدكتور» من إخراج نيازي مصطفى عام 1939م، «إلى الأبد» من إخراج كمال سليم عام 1941م، «خيرا تزوجت»  إخراج  جمال مدكور عام 1942م .

رحيل المغرم بالفن 

 رحل سليمان نجيب  في 18 يناير 1955م عن عمر يناهز62  عاما، وكان قد أوصى، في وصية رسمية بإهداء شقته إلى طباخه، وسيارته إلى سائقه، وأن تذهب كامل ثروته ومكتبته ومقتنياته إلى دار الأوبرا المصرية،  وذلك لأنه كان محبا مخلصا حب للأوبرا  وللفن الذى تقدمه، فقد كان مغرمًا بالفنون الراقية  وبالتمثيل وفنون الأوبرا.