تنشر بوابة "دار الهلال" نص خطبة صلاة الجمعة اليوم، والتي جاءت تحت عنوان"البحث العلمي ودوره في تقدم الأمم"، حيث تؤكد الخطبة على حث الإسلام على العلم والفكر وفتح العقل، وذلك من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
إلى نص الخطبة:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلم وبارِكْ عَلَيْهِ، وعلَى آلِهِ، وصحبهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإِحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد حثنا ديننا الحنيف على العلم والفكر وفتح للعقل البشري آفاق البحث والمعرفة، والمتأمل في القرآن الكريم يجده حافلًا بالدعوة إلى البحث والتفكر والتأمل، حيث يقول الحق سبحانه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ويقول سبحانه: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}، ويقول تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
ولا أدل على أهمية البحث العلمي من أن أول قضية تناولها القرآن الكريم هي قضية العلم، وأول أمرٍ سماوي نزل به الوحي هو الأمر بالقراءة، حيث يقول تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بالقلم * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، كما سُميت سورة كاملة في القرآن الكريم باسم "القلم"، وبدأها الحق سبحانه وتعالى بقوله: {ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}؛ تأكيدًا على أهمية أدوات العلم ووسائله واستهل سبحانه سورة الرحمن بقوله:{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، وفي هذا تنبيه للناس كافة على بيان فضل العلم وأهمية التعلم.
على أننا نؤكد أن البحث العلمي الذي رغب فيه الإسلام ليس مقتصرًا على البحث في ميدان العلم الشرعي فحسب وإنما يشمل البحث في كل علم ينفع الناس في شئون دينهم، وشئون دنياهم؛ ولذلك فقد جاء قول الله (عز وجل): {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} في معرض الحديث عن العلوم الكونية، حيث يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ تَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}، وفي ذلك دلالة على اهتمام الإسلام وعنايته بالبحث في العلوم الكونية كاهتمامه وعنايته بالبحث في العلوم الشرعية.
وكذلك عندما حث نبينا صلى الله عليه وسلم على البحث العلمي، جعل حديثه عاما يشمل البحث في جميع العلوم والفنون والمعارف، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ الله بهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَما، وإِنما وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَدَهُ أَخَذَ بِحَظُ وَافِر)، فقد جاءت كلمة (علما) نكرة في قوله (صلى الله عليه وسلم): "يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا"، لتفيد عموم العلم وشموله. وقد استجاب علماء الإسلام على مر التاريخ لهذه الدعوة العظيمة إلى البحث في سائر العلوم وقاموا بنهضة علمية شاملة كان لها أعظم الأثر في تدوين العلوم والفنون وكان لهم قصب السبق في شتى ميادين العلم، فألفوا في الجبر والهندسة، والفلك والطب وغيرها من أبواب العلم في مختلف المجالات، فقد عرف تاريخنا العربي علماء كثر في مختلف من أمثال: جابر بن حيان ومحمد بن موسى الخوارزمي والفارابي وابن سينا وأبو القاسم الزهراوي والحسن بن الهيثم وابن النفيس وغيرهم من العلماء المبدعين في مختلف دروب العلم والمعرفة.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه أجمعين.
لا شك أن البحث العلمي أساس تقدم الأمم، فهو سبيل تطور الصناعات ونمو التجارات، والأمة العظيمة هي التي تبني بالعلم وتبهر العالم بما تنتجه في مختلف ومن ما تخرجهم من أطباء ومهندسين ومبرمجين وكيميائيين وفزيائيين. ونؤكد أنه لن يحترم الناس ديننا إلا إذا تفوقنا في أمور دنيانا، فإن تفوقنا في أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا في عالم لا يعرف إلا القوة في شتى المجالات، وهو ما أمرنا به ديننا الحنيف، قال الله (عز وجل): {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة}، ولفظ القوة عام يشمل القوة العلمية، والقوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والقوة الإيمانية.
اللهم احفظ مصرنا وارفع رايتها في العالمين.