الإثنين 1 يوليو 2024

ثورة 30 يونيو وقضية الهوية


أ.د إكرام بدرالدين

مقالات29-6-2024 | 13:26

أ.د إكرام بدرالدين

تعتبر قضية الهوية من القضايا المهمة والمصيرية بالنسبة لأي دولة بصفة عامة وللدول النامية بصفة خاصة وذلك نظرا لتأثيرها وارتباطها بعديد من القضايا والتحديات التي تعاني منها هذه الدول على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، وعلى مستوى الأمن القومي، فضلا عن ارتباطها بعديد من الأزمات والتي يطلق عليها أزمات التنمية، كما كان لها تأثيرها على مصر أيضا وفيما يلي توضيح لهذه العموميات.

أولا: التعريف بالهوية وأهميتها: يقصد بالهوية Identity  الشخصية أي شخصية المجتمع أو الدولة، ولذلك فالهوية ترتبط بعدة تساؤلات جوهرية وهي من أنا؟ ومن نحن؟ ولمن الانتماء؟، أي من أنا كشخص ومن نحن كجماعة؟، وما هو انتماء الجماعة أو المجتمع؟، وإذا تعددت وتفاوتت الإجابة على هذه التساؤلات في الدولة الواحدة تظهر الأزمات الخطيرة التي تواجه الدولة والمجتمع والتي يطلق عليها أزمة الهوية Identity crisis  والتي تهدد بانقسام المجتمع وضعفه، وحدوث مجابهات مجتمعية، وسياسية بين الجماعات والفئات المختلفة وهو ما يهدد في أشد درجاته بحدوث الصراع الداخلي، والحرب الأهلية على نحو ما شهدته عدة دول نتيجة لأزمة الهوية بمعنى أن الانتماء والولاء لا يكون موجها إلى الدولة أو الوطن ككل بل تكون الانتماءات موجهة إلى كيانات متعددة أقل من الدولة مثل الطائفة، أو الجماعات الإثنية، أو الدينية، أو القبائل، وبحيث تسبق هذه الانتماءات الضيقة الانتماء الأسمى للدولة ككل مما يؤدي إلى تعددية وصدام الولاءات والانتماءات وأولويتها وبحيث تنافس الولاء المفترض للدولة ككل مما يهدد كيان الدولة واستقرارها وأمنها، ويمكن القول إن أزمة الهوية تظهر عندما يكون الولاء والانتماء موجه إلى كيانات أعلى وأوسع من نطاق الدولة أو إلى كيانات أضيق وأقل نطاقا من الدولة، مع ملاحظة أن الأزمة لا تظهر من مجرد تعدد الولاءات فمن الممكن أن تتعدد الولاءات ضيقا واتساعا دون ظهور أزمات إذا كان الولاء الأعلى والأسمى للدولة ككل، بينما تظهر الأزمة عندما تكون الولاءات والانتماءات الضيقة تفوق الا١نتماء للدولة مما يشكل خطورة على كيان الدولة وهويتها واستمراريتها.

ويمكن أن ترجع خطورة أزمة الهوية أيضا إلى ارتباطها بغيرها من أزمات التنمية مثل أزمة التكامل Integration Crisis وأزمة الشرعية Legitimacy Crisis وأزمة التوزيع Distribution Crisis

وأزمة التغلغل Penetration Crisis، ويقصد بأزمة التكامل كيفية دمج الجماعات المختلفة داخل الدولة، وإضفاء الشخصية أو الهوية الموحدة عليها ولذلك فإن وجود أزمة الهوية ينعكس سلبا على أزمة التكامل ويزيد من حدتها، وخطورتها، كما تؤثر أزمة الهوية أيضا على الشرعية والتي تعني درجة الرضا عن السياسات، والمؤسسات، والنخبة لأن تعددية الولاءات والانتماءات التي تنطوي عليها أزمة الهوية تنعكس سلبا على الشرعية بالمعنى السابق إيضاحه، ويمكن أن ترتبط أيضا أزمة الهوية بأزمة التوزيع أي مدى الرضاء عن توزيع عوائد التنمية، أو العوائد الاقتصادية بين الجماعات والأقاليم المختلفة داخل الدولة، حيث ترتب على أزمة الهوية عدم الرضا عن السياسات التوزيعية مما يفاقم حدة الخلافات والصراعات داخل الدولة، ويعوق قدرة الدولة على التغلغل داخل المناطق والأقاليم المختلفة، ويترتب على ذلك أن قضية الهوية قد تكون من أخطر الأزمات التي تهدد كيان واستمرارية وأمن واستقرار الدول وبصفة خاصة نظرا لارتباطها وتأثيرها على أزمات التنمية.

ثانيا: الأثر الإيجابي لثورة 30 يونيو على الهوية: شهدت الدولة المصرية في الفترة السابقة لثورة 30 يونيو أزمة هوية هددت بعواقب وخيمة على أمن الوطن وسلامته واستقراره، وجاءت ثورة 30 يونيو لتوقف هذه التداعيات الخطيرة، والآثار السلبية، حيث شهدت مصر سيطرة لتيار سياسي معين جعل الانتماء لا يتسع أو يمتد ليشمل الوطن ككل بل يرتبط بجماعة معينة عملت على تحقيق المغالبة السياسية والسيطرة الاقتصادية، وتجلى ذلك بصورة واضحة في تولي المناصب السياسية المختلفة سواء على مستوى الحكومة، أو المحافظين، أو السلطة التشريعية وأيضا وسائل الإعلام المختلفة حيث سيطر عليها المنتمين لهذا التيار، وظهرت التفرقة بين نحن (أي المنتمين إلى هذا التيار) وهم أي الآخرين من خارج التيار ويعتبر ذلك جوهر قضية الهوية، ويضاف إلى ذلك أن الانتماء الأصيل والأوسع لم يكن يوجه إلى الوطن ككل بقدر ما كان يوجه إلى إطار أضيق من نطاق الدولة مما أدى إلى تفاقم حدة وأزمة الهوية، وفي هذا الإطار أيضا لم يكن التركيز على فكرة السيادة على إقليم الدولة وهي أحد المرتكزات الرئيسية والمقومات المهمة المرتبطة بأي دولة، فالدولة تعرف اعتماد على مقوماتها الأساسية وهي شعب وإقليم وحكومة ذات سيادة، بمعنى أن الحكومة تفرض سيادتها على جميع مساحة إقليم الدولة وإذا لم يتحقق ذلك تنشأ أزمة التكامل بالمعنى السابق الإشارة إليه، ويضاف إلى ذلك أن الانتماءات التي تتخطى حدود الوطن والتي قد يكون لها الأسبقية على الانتماء المفترض للدولة ككل تزيد من حدة أزمة الهوية وتخلق العديد من المشاكل والأزمات، يضاف إلى ذلك أنه عندما تكون الأولوية لجماعة معينة أو تيار معين فإن ذلك يؤدي إلى انقسامات بين المواطنين، وينعكس سلبا على أزمات الشرعية، والمشاركة، والتكامل القومي، وهو ما شهدته مصر في الفترة السابقة لثورة 30 يونيو، حيث ارتفعت درجة الاستياء وعدم الرضا عن السياسات المطبقة وعن تضارب الولاءات والانتماءات والذي ترتب عليه أزمة الشرعية، وقد ترتب على هذه الانقسامات وهذا التضارب في الانتماءات حدوث تهديد للأمن والاستقرار، فضلا عن احتمال حدوث مجابهات وصدامات مباشرة بين الجماعات المختلفة وهو ما يمكن النظر إليه باعتباره أخطر مؤشرات عدم الاستقرار السياسي، وخصوصا بعد أن سنحت الفرصة لظهور الجماعات الإرهابية والتي لجأت إلى استخدام العنف المسلح والذي يعتبر أخطر مؤشرات عدم الاستقرار السياسي، وهو ما دفع الباحثين إلى أن يطلقوا على هذه الفترة أنها مرحلة اختطاف الدولة.

وبقيام ثورة 30 يونيو والتي كانت بمثابة ثورة شعبية ساندها الجيش كانت عملية التخلص من الأزمات التي تهدد أمن الوطن واستقراره من أولويات اهتمامها ولذلك قامت الدولة المصرية بدور مهم في مواجهة التهديدات سواء منها ما يتعلق بأزمة الهوية، أو أزمة التكامل أو بباقى الأزمات التي يطلق عليها أزمات التنمية والتي سبق الإشارة إليها، ولذلك بذلت جهود مكثفة لمواجهة الإرهاب والتخلص منه، وتوحيد صفوف أبناء الوطن وفقا لقاعدة المساواة والعدالة التي تعتمد عليها فكرة المواطنة بمعنى عدم التمييز بين المواطنين نتيجة لانتماءاتهم، أو توجهاتهم، أو المناطق التي يتواجدون فيها داخل إقليم الدولة، ووضع في هذا الإطار الدستور المصري في عام 2014 والذي يضمن المساواة التامة بين المواطنين المصريين في الحقوق والواجبات، ووجه اهتماما كبيرا إلى قطاعات وفئات المجتمع المختلفة مثل الشباب، والنساء، والمصريين في الخارج، كما اهتم بالتأكيد على فكرة المواطنة، وبالسياسات الاجتماعية، ويترتب على ذلك تنمية الإحساس الجمعي بالولاء والانتماء للوطن والذي يسبق ويفوق أي شكل من أشكال الانتماء أو الولاءات الضيقة مما ساعد على تدعيم الشخصية الوطنية أو الهوية وعلاج ما يرتبط بها من أزمات.

ويمكن القول في النهاية إن ثورة  30 يونيو قد نجحت في علاج مؤشرات الضعف والانقسام والصدام داخل المجتمع واستعادة الأمن والاستقرار داخل الوطن، والتأكيد على فكرة المواطنه بين جميع أفراد وجماعات وفئات المجتمع، وبحيث تكون هوية مشتركة وانتماء موحد بين الجميع لا تتعارض معها أي انتماءات، أو ولاءات  ضيقة تهدد الأمن والاستقرار.