الثلاثاء 2 يوليو 2024

رئيس هيئة الكتاب الأسبق عن 30يونيو : تجاوز المثقف لدوره الفكري الخالص فرض حتمية التغيير

د.أحمد مجاهد

ثقافة30-6-2024 | 18:59

دعاء برعي

ربما لم يكن أحد من المثقفين المصريين، الذين ذهبوا إلى اعتصام وزارة الثقافة ضد جماعة الإخوان قبيل ثورة 30 يونيو، يحمل في داخله أي قدر من التفاؤل، لكنهم جميعًا كانوا ممتلئين بالأحلام، ويمتلكون القدرة أيضًا على غرس بذورها، وكانت النتيجة مذهلة، فالأرض العطشى احتضنت البذور، وسرعان ما تحولت الأحلام إلى أشجار وارفة، تفرش ظلالها على وطن بأكمله..

واحتفاءً بمرور 11 عامًا على ثورة 30يونيو التي تحل ذكراها اليوم، تستعيد بوابة "دار الهلال" مع دكتور أحمد مجاهد، الرئيس الأسبق للهيئة العامة للكتاب أهم الأحداث والمواقف التاريخية للمثقفين المصريين، والتي مثّلت الشرارة الأولى لهذه الثورة.

في البداية يقول د.أحمد مجاهد: "عندما سُئلت عن ذكريات اعتصام المثقفين بوزارة الثقافة، الذى كان شرارة البداية لثورة 30 يونيو: وهل كنت تتوقع وقتها نجاح الاعتصام؟ وأنه سيكون له هذا الدور فى إشعال الثورة؟ عندئذ قفز إلى ذهني على الفور قول صلاح عبد الصبور: "تسألنى رفيقتى: ما آخر الطريق؟ وهل عرفت أوله!".. بكل تأكيد لم يكن لدى أحد من المثقفين الذين شاركوا فى البداية يقين فى مجرد نجاح الاعتصام ذاته، فما بالك بحلم أن يتحول إلى خطوة أولى فى طريق الثورة".

ويضيف: "أقطع بيقين كامل أيضًا أننا كنا قد عقدنا العزم على اللاعودة، فإما أن نعيد إلى مصر هويتها التى يحاولون استبدالها، أو مرحبًا بصحبة السجن بعيدًا عن وطن أصبح غريبًا عنا، لكننا فى كل يوم كنا نكسب أرضًا جديدة: شركاء جدد فى الاعتصام، وتأييد وزيارات من مثقفين وفنانين ورموز سياسية، وندوات وحفلات بالشارع تجذب جماهير أكثر فى كل يوم، وانتقال ظاهرة الاعتصام إلى مقار وزارات أخرى أو دواوين محافظات، ومع هذا الدعم الشعبي ارتفع سقف المطالب، فبعد أن كان مطلبنا هو إقالة وزير الثقافة، أصبح مطلبنا إقالة الحكومة بالكامل، ثم أصبح مطلبنا عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى".

ويلفت مجاهد إلى أن الحراك فى الشارع المصري كان قد بلغ منتهاه، وأن البداية كانت من القوى الناعمة قائدة مسيرة التنوير، وحاملة المشاعل فى لحظات الظلام. لكن استجابة الشعب المصرى لم تكن بسبب هذا الاعتصام فقط، بل كانت نابعة من داخل كل مواطن مصرى بسيط يريد الحفاظ على هويته ولا يقبل التفريط فيها، وكأن المثقف فى هذا الموقف لا يقود الجماهير، بقدر استشرافه لحلمهم ومساعدتهم فى تحقيقه. إنها رغبة شعب، شجعه مثقفوه على الجهر بها، بعدما نزلوا من برجهم العاجى إلى ساحة المشاركة الحقيقية فى الفعل التنويرى.

ويؤكد أن جماعة المثقفين شعرت بحتمية تجاوز دورها الفكرى أو الفني الخالص إلى ساحة المواجهة الاجتماعية والسياسية الواجبة عليها فى اللحظات الحاسمة، ولا يعتقد أن دورًا فاعلًا كهذا قد برز للمثقفين المصريين فى التاريخ المعاصر، سوى فى استنهاض الوطن من هزيمة 1967، وصولًا إلى انتصار أكتوبر 1973.

ويشير إلى أنه فى تلك اللحظات الحاسمة يظهر دور القائد السياسى، وقد تمثل هذا القائد فى الفريق السيسى وزير الدفاع الذى طلب تفويض الشعب له، فما كان من الشعب إلا أن خرج مبايعًا فى أضخم مظاهرة شعبية عرفها العالم على الإطلاق.. كنت أرى بعينى طوفان البشر، وترن بأذني أصداء قصيدة حجازى:

لكأنها الرؤية!

قيامتك المجيدة

ينهض النهر القديم بضفتيه واقفا

حتى نشاهد فى السماء مصبه

نافورة خضراء

والشلال يصعد من منابعه الخفية راعفا

متفجرا بحرارة الماء المضفر بالمعادن

حاملا معه المدائن، والأهالى، والقرى،

والطير، والحيوان.

يا أرجوحة الميلاد لا تتوقفى

دورى

وسوحى فى عروق الطينة العطشى

وعودى للصعود

ورفرفى

ولدى الذى تعدين من ألف بمولده

وشقى عنه تربتك العصية

وانزفى!

 ويتابع الرئيس الأسبق للهيئة العامة للكتاب: "انحاز الجيش المصري الوطني مرة أخرى إلى رغبة الشعب وإرادته، كما فعل فى ثورة 23 يوليو عام 1952، لكنه لم يقم بقيادة البلاد بنفسه هذه المرة، بل وفقًا لما يقره الدستور والقانون، وهنا يقفز إلى الذهن سؤال: هل كان الرئيس السيسى نفسه وقتها واثقًا تمامًا من النصر؟ أعتقد أنه بكل تأكيد كان يضع رأسه فوق كفه، متوكلًا على الله، ومستعدًا للتضحية بحياته من أجل وطن يستحق، ففى اللحظات المفصلية الحاسمة من التاريخ: احرص على الموت توهب لك الحياة، إما بجسدك فى دنيا ترضاها، أو بسيرتك من أجل رسالة تؤمن بها، وكما علمنا التاريخ أيضا؛ فإن التحديات الكبرى هى التى تدفع الشعوب إلى الاستجابة الفاعلة من أجل التغيير. ومع عودة الاستقرار، عاد المواطنون إلى الانشغال بأمورهم الشخصية فى المقام الأول".

ويخلص إلى أن علينا أن نعى الدرس جيدًا، فالإخوان المسلمون تنظيم سياسي دموي يجيد العمل تحت الأرض، وهو يمرض لكنه لا يموت، نظرًا لتخفيه الكاذب وراء عباءة الدين التى تأسر البسطاء أصحاب الفطرة السليمة، فالقمة الصغيرة التى نراها اليوم من جبل الجليد، لا تشى مطلقًا بحجمه الحقيقي. وليس أمامنا سوى العمل الدؤوب وفقًا لاستراتيجية وطنية محكمة، على إعادة تشكيل وعي المواطن المصري، وخاصة الأطفال الذين لم يشاهدوا مأساة حكم الأخوان، حتى لا يقع الوطن ـ لا قدر الله ـ  فى براثنهم مرة أخرى.

الاكثر قراءة