رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، اليوم الإثنين، أن قطاع غزة لن يشهد انفراجة مثل توقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية ثم إقامة الدولة الفلسطينية إذا ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في السلطة.
وذكرت الصحيفة - في مقال للرأي - أنه لسوء الحظ، من الصعب أن نتصور حدوث أي من هذا بينما يظل نتنياهو في الحكم حيث تستمر إسرائيل في ممارسة السلطة دون مسؤولية تجاه المدنيين في قطاع غزة، الأمر الذي سيضطر الفلسطينيين إلى الدفاع عن أنفسهم وسط الفوضى والعنف.
وأوضحت الصحيفة أنه عندما يتعلق الأمر بالمساعدات الإنسانية في قطاع غزة، هناك تضارب خطير ومحير بين تصريحات إسرائيل وتصريحات وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة غير الحكومية.
وأضافت أن الوكالة العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم (وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق) تنشر تحديثات منتظمة تسلط الضوء على جميع المعابر الحدودية التي فتحتها وجميع شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، وعلى النقيض من ذلك، تستمر الأمم المتحدة في التحذير من ارتفاع خطر المجاعة، حيث كشفت لجنة من الخبراء الأسبوع الماضي أن "أكثر من 495 ألف شخص (22% من السكان) لا يزالون يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد".
لذا تساءلت الصحيفة كيف يمكن أن يعاني هذا العدد الكبير من الفلسطينيين من نقص الغذاء في ظل تدفق الكثير من المساعدات، واكتشفت أن إسرائيل تسمح بدخول جزء كبير من المساعدات التي لا تستطيع عبور منطقة الحرب بأمان.
ويلقي منسق أعمال الحكومة الإسرائيلي في المناطق اللوم على وكالات الأمم المتحدة لعدم تقديم المساعدات، وكتب على منصة إكس: "توقف عن اختلاق الأعذار وابدأ في لعب دورك، هناك الكثير مما يجب القيام به"، لكن مسؤولي الأمم المتحدة يجادلون، بشكل معقول، بأنهم لا يستطيعون إيصال المساعدات إلى المحتاجين بسبب "الانهيار شبه الكامل للقانون والنظام".
وتقول الأمم المتحدة إن غزة أصبحت المكان الأكثر دموية في العالم بالنسبة لعمال الإغاثة الإنسانية، حيث قُتل ما لا يقل عن 250 منهم منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "من الممكن أن توفر القوات الإسرائيلية (التي غزت غزة لمهاجمة "حماس")، الأمن لقوافل المساعدات وتوزيع الغذاء والدواء لكن الجيش الإسرائيلي يرفض القيام بذلك أو تولي أي مهام حكومية أخرى في غزة".
ولهذا تتحدى خمس مجموعات إسرائيلية لحقوق الإنسان الآن موقف الحكومة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، بحجة أن الجيش الإسرائيلي ملزم ببذل المزيد من الجهد لضمان وصول الإمدادات الإنسانية إلى الفلسطينيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن جوهر القضية - المعروضة الآن على المحكمة العليا - يدور حول ما إذا كانت إسرائيل قوة احتلال أم لا، وبموجب القانون الدولي، "تعتبر الأرض محتلة عندما توضع فعلياً تحت سلطة الجيش المعادي"، وعلى سلطة الاحتلال واجب "اتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة وضمان النظام العام والسلامة، قدر الإمكان"، و"توفير الغذاء والرعاية الطبية للسكان".
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن إسرائيل هي قوة احتلال في شمال غزة على الأقل، وبالتالي فإن عليها التزامات بتوفير الأمن والمساعدة للمدنيين الفلسطينيين.
من جانبها، ترد حكومة نتنياهو بأن الجيش الإسرائيلي لا يمارس "سيطرة فعالة" على أي جزء من قطاع غزة، وبالتالي فإن التزاماته بموجب قوانين الحرب هي فقط تسهيل دخول الإمدادات الإنسانية - وليس التوزيع الفعلي للمساعدات.
وقالت إحدى مجموعات حقوق الإنسان التي قدمت الالتماس: "يبدو الأمر أشبه بالتنصل من المسؤولية عن الوضع بشكل عام".
ونوهت الصحيفة بأن هذا صحيح تماما حيث تريد إسرائيل فوائد وجود جيشها في جميع أنحاء قطاع غزة - أي القدرة على مطاردة حماس لكنها لا تريد تحمل أي من المسؤوليات المرهقة والمكلفة لإدارة قطاع غزة فعليًا.
وتابعت الصحيفة أن هذا الوضع مفهوم تماما حيث لا يريد الفلسطينيون ولا الإسرائيليون أن يروا الجيش الإسرائيلي يدير غزة على المدى الطويل خاصة أن الجانبين كانا سعيدان برؤية سيطرة الحكومة العسكرية الإسرائيلية تنتهي في عام 2005 عندما قام رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون بسحب القوات الإسرائيلية والمستوطنين كما لا يرغب الجيش الإسرائيلي في تكرار تجربته في لبنان، حيث أدى الغزو الإسرائيلي عام 1982 إلى تعريض القوات لتفجيرات سيارات مفخخة وغيرها من الهجمات.
وفي الوقت نفسه، تسعى الحكومة الإسرائيلية أيضًا إلى تقويض وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي ظلت لعقود من الزمن المزود الرئيسي للخدمات التعليمية والطبية والاجتماعية في غزة. وتتهم إسرائيل الأونروا بالتواطؤ مع حماس وتدعي أن بعض موظفيها شاركوا في هجوم 7 أكتوبر الماضي على إسرائيل.
ودفعت هذه الاتهامات الولايات المتحدة ومانحين غربيين آخرين إلى قطع التمويل عن الأونروا في يناير الماضي. ومنذ ذلك الحين، استأنف العديد من المانحين الرئيسيين للأونروا تمويلهم، ولكن ليس الولايات المتحدة - التي ظلت منذ فترة طويلة أكبر داعم للمنظمة.
وتدعم الولايات المتحدة برنامج الغذاء العالمي وغيره من وكالات المعونة التي تفتقر إلى البنية التحتية الواسعة في غزة التي طورتها الأونروا على مر السنين ولكن حتى الأونروا تجد صعوبة في العمل اليوم في مثل هذه البيئة الخارجة عن القانون.
وسألت الصحيفة عددًا من المحللين عن النتيجة النهائية في غزة، لتجد أن الجواب الأكثر إقناعا هو أن غزة ستحكم من قبل مجموعة من حماس والجيش الإسرائيلي، حيث تتولى حماس السيطرة الفعلية على الحكم مرة أخرى، في حين يواصل الجيش غاراته الجوية والتوغلات المنتظمة لمنع الجماعة من أن تصبح قوية للغاية.
ورأت الصحيفة أن هذا الوضع سوف يتسبب في المزيد من الكوارث الإنسانية، والحروب التي لا نهاية لها، وخلق جيل آخر من الفلسطينيين العازمين على تدمير إسرائيل. لذا إذا كانت إسرائيل راغبة في منع حماس من تجديد نفسها، فيتعين عليها أن تقدم لشعب غزة رؤية بديلة أكثر إيجابية وأملاً للمستقبل.
ووفقًا للصحيفة، يبدأ ذلك باعتراف الجيش الإسرائيلي بمسؤولياته كقوة احتلال وبذل المزيد من الجهد لتسهيل توزيع المساعدات. علاوة على ذلك، يتعين على إسرائيل أن توافق على خريطة طريق طويلة الأمد لإقامة الدولة الفلسطينية، ودعوة قوات حفظ السلام العربية، والوعد بالمساعدة في إعادة بناء غزة حيث تم تدمير أكثر من نصف مبانيها، وإطلاق سراح الأموال الفلسطينية المجمدة.
واختتمت الصحيفة مقالها قائلة: "لسوء الحظ، من الصعب أن نتصور حدوث أي من هذا بينما يظل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في السلطة. وبدلاً من ذلك فمن المرجح أن تستمر إسرائيل في ممارسة السلطة من دون مسؤولية في غزة، الأمر الذي سيضطر الفلسطينيين إلى الدفاع عن أنفسهم وسط الفوضى والعنف".