الأحد 6 اكتوبر 2024

قمة منظمة شنغهاي للتعاون .. محاولات أوروبية لتحقيق السلام

د. نبيل رشوان

عرب وعالم8-7-2024 | 13:18

د. نبيل رشوان

 عقد في الفترة من 3 ـ 4 يوليو الجاري في عاصمة كازاخستان أستانا قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة تعنى بالدرجة الأولى بدعم الثقة بين دول المنظمة في المجال العسكري وخفض القوات المسلحة في مناطق الحدود فيما بينها.

المنظمة بدأت بعدد محدود من الدول القريبة من بعضها البعض ولها حدود مشتركة وهي كازاخستان وقيرجيزستان والصين وطاجيكستان وروسيا، وتضم المنظمة حاليا تسع دول أعضاء هي الهند وكازاخستان والصين وقيرجيزستان وباكستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبيكستان وإيران.

وهناك أربع دول لهم صفة مراقب هي أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا، لكن بيلاروسيا انضمت في القمة الأخيرة كعضو كامل العضوية في المنظمة، وهناك ست دول لها صفة شريك في حوار منظمة شنغهاي وهي أذربيجان وأرمينيا وكومبوديا ونيبال وسري لانكا وتركيا. بقي أن نقول أن المنظمة تأسست في 15 يونيو عام 2001.

أهم ما يمكن أن نسمية أهداف الدول من المنظمة، في اعتقادي هو تخفيف التوتر بين دول آسيا، فهناك عنصر توتر بين الهند والصين وهما متنافسين بمنطقتهما بسبب خلافات حدودية تؤدي من آن لآخر إلى وقوع اشتباكات بينهما، هذا بالطبع للخلاف بين الهند وباكستان حول جامو وكشمير، أما أفغانستان العضو المراقب في المنظمة فهناك الخوف من التطرف الديني في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق من تأثير حركة طالبان على مسلمي وسط آسيا وبالتالي في روسيا.

أما الصين فهي تهدف من تواجدها في المنظمة لفتح أسواق لبضائعها خاصة وأن معظم دول المنظمة والمراقبين والمشاركين من الدول الكثيفة السكان، بالإضافة لوجود تركيا في المنظمة وهي عضو بالناتو التي تسعى المنظمة لتفادي خطورته، ناهيك بالطبع عن النزاع الأذربيجاني الأرميني حول ناجورنوكارابخ.

أما من حيث نتائج القمة فيمكن القول بأنه تم التوقيع على 24 وثيقة للتعاون فيما بين هذه الدول، ووفقاً لإعلان أستانا فإن نواة المنظمة تعتبر دول وسط آسيا وآسيا المركزية، دعا المشاركون إلى تقوية الأمن العالمي، بحيث لا تتدخل الدول في الشأن الداخلي للدول الأخرى وأن يتم التعاون على أساس الفائدة المشتركة للدول، وعلى أساس هذه المبادرة دعت دول منظمة شنغهاي دول العالم الأخرى للانضمام للمنظمة.

وركز إعلان أستانا على مشاكل الأمن العالمي، وأشاروا إلى عدم إمكانية تقوية أمن بعض الدول على حساب دول أخرى ونشر بعض الدول لصواريخ دفاعية مضادة للصواريخ.

وأشار المشاركون إلى أن هذا له تأثير سلبي على الأمن والسلم الدوليين. أعضاء منظمة شنغهاي أكدوا كذلك على ضرورة الرقابة الشديدة على المعاهدات الخاصة بعدم تطوير وإنتاج أسلحة بيولوجية وسامة وكذلك نشر أسلحة في الفضاء الخارجي.

وحول الأسلحة الاستراتيجية أشارت الدول الأعضاء في المنظمة في بيانهم الختامي إلى أهمية تنفيذ اتفاقيات عدم انتشار الأسلحة النووية ودعوا إلى استمرار عمليات نزع السلاح والعمل على تطوير الطاقة النووية السلمية بين الدول الأعضاء في المنظمة (يقال أن كازاخستان تحاول بناء محطة نووية لتوليد الكهرباء، وتركيا تريد بناء محطة ثانية لتوليد الكهرباء).

وعبر قادة المنظمة عن ضرورة استخدام الالتزامات في إطار الإطار المشترك الشامل الخاص بالصفقة النووية المتعلقة بإيران الموقعة عام 2015 بضمان من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا والتي ألغاها الرئيس ترمب عام 2018، والذي أعلن عن خروج بلاده من الاتفاق وفرض عقوبات إضافية على إيران.

وبالطبع أعرب المشاركون في القمة عن التزامهم بمحاربة الإرهاب، وأكدوا على عدم إمكانية استخدام الحركات الإنفصالية أو المجموعات المتطرفة لتحقيق مآرب سياسية.

دعا المشاركون المجتمع الدولي لإقرار ميثاق لمكافحة الإرهاب في إطار الأمم المتحدة، كإنجاز هام في مكافحة الإرهاب الدولي.

تطرق إعلان أستانا كذلك للنزاع الحالي في الشرق الأوسط بين إسرائيل وحركة حماس ودعى أعضاء منظمة شنغهاي إلى وقف إطلاق النار بأسرع ما يمكن وتوصيل المساعدات الإنسانية وتمكين المنظمات الإنسانية من الوصول لقطاع غزة، ودعوا إلى تسوية شاملة ودائمة وعادلة للنزاع.

وأخيراً اتفق رؤساء منظمة شنغهاي على ضرورة التعاون في مكافحة تجارة المخدرات وتهريب السلاح والمنظمات الدولية الإجرامية المتعددة الجنسيات، كان هذا من ناحية البيان العام الختامي، لكن إلى جانب ذلك تم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الدول سواء المراقبة أوالمشاركة في القمة، وأنهى المشاركون عملية قبول بيلاروسيا كعضو عامل في المنظمة ليصبح عدد أعضائها 10 دول، وبذلك تكون روسيا قد وسعت من نفوذها في المنظمة بانضمام بيلاروسيا الحليف الأساسي لها في فضاء الاتحاد السوفيتي السابق.

وتمثل دول أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون حوالي 27% من مساحة الكرة الأرضية وحوالي 42% من سكان الأرض وتساهم بحوالي 32,6% من الناتج الإجمالي العالمي. وفي تصوري تعتبر روسيا هي المستفيد الأكبر من هذه القمة فهي من ناحية كسرت الحصار الذي يحاول الغرب فرضه عليها لتتواجد في هذا الجمع من دول العالم.

وهي دول بالمناسبة ليس لها علاقة جغرافية بالغرب وهو ما يعني أن الرئيس الروسي اتجه شرقاً ومازال يتوغل في الشرق بدرجة كبيرة، وهو الدولة تقريباً الوحيدة التي جنت أرباح اقتصادية من القمة، فقد تحدث الرئيس الروسي مع نظيره التركي حول قضايا التجارة العالقة في الفترة الأخيرة واتفق الرئيسان على زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار والاتفاق على بناء محطة نووية ثانية في تركيا.

أما مع باكستان التي تسعى روسيا لبناء خط أنابيب غاز إليها وتصدر لها نفط بكميات آخذة في الزيادة فقد اتفق الرئيس بوتين مع رئيس الوزراء الباكستاني على زيادة حجم النفط الروسي ودخول روسيا في مشروعات متعلقة بالغاز.

لكن كما بدا لبعض المراقبين أن هناك نوع من التنافس المكتوم بين روسيا والصين داخل المنظمة، ففي حين أبرزت بعض وسائل الإعلام الاستقبال الحافل الذي قوبل به الرئيس الصيني واستقبال الرئيس الكازاخستاني توكايف له مع وجود أطفال بالأعلام الصينية على جانبي الطريق، على الطريقة التي استقبل بها الزعيم كيم جونج أون الرئيس بوتين أثناء زيارته لبيونج يانج.

وركز البعض على استقبال رئيس الوزراء الكازاخستاني الصامت للرئيس بوتين، وتحدث البعض عن من يقود المنظمة، لكن في كل الأحوال داخل المنظمة توجد تحرشات بين كبارهاعلى النفوذ، فعلى سبيل المثال وصل الرئيس الصيني قبل اجتماع المنظمة بيوم والتقى الرئيس الكازاخستاني، في نفس الوقت التقى الرئيس الأذربيجاني عليف بنظيره الكازاخستاني وهو ما يعني وجود محور تركستاني داخل المنظمة، ويعنى وجود تنافس بين الصين وروسيا أيضاً على النفوذ في جمهوريات وسط آسيا السوفيتية سابقاً.

بعد القمة توغل الرئيس الصيني في وسط آسيا وقام بزيارة لطاجيكستان، لافتتاح مبنيين مهدايين من الحكومة الصينية لحكومة دوشنبيه أحدهما مقر للحكومة والثاني للبرلمان الطاجيكي، وصرح الرئيس الصيني بأن بلاده تدعم سيادة طاجيكستان، لا أدرى سبب تصريح كهذا وهل هناك من يهدد سيادة هذه الجمهورية، مع وجود قاعدة عسكرية روسيا فيها للدفاع عنها ضد طالبان حينما كان الحرب بين طالبان والحكومة الأفغانية دائرة، بل ودعمت لسنوات أحمد شاه مسعود ضد طالبان من أجل طاجيكستان.

هل هو تمرد وسط آسيوي بدأته دوشنبيه أم تقاسم للنفوذ مع موسكو مقابل الدعم الصيني لروسيا في النزاع الأوكراني، سيظهر هذا في الفترة القادمة، وأكرر الاستقبال الكازاخستاني للرئيس الصيني مؤشر ليس بالجيد لموسكو. في كل الأحوال دار الحديث في قمة شنغهاي خاصة من قبل الرئيس الروسي عن تحقيق العدل في العالم من حيث القوى المنوط بها أن تتقاسم النفوذ مع واشنطن، واعتبر الرئيس بوتين أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تأتي في هذا السياق.

وهناك حدث كان لابد أن أشير إليه رغم بعده الجغرافي والسياسي عن منطقة وسط آسيا، وهو زيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان للعاصمة الأوكرانية كييف، والحديث هناك عن ضرورة وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع، وهو الأمر الذى رفضته أوكرانيا لكن ليس على الفور، بل بعد فترة من المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الأوكراني، وهو ما يعني أن الجانب الأوكراني تشاور مع حلفائه الغربيين.

لكن الأهم من ذلك هو قيام رئيس الوزراء المجري بزيارة لموسكو، ليعرض على الرئيس بوتين خطته للسلام، لكن الأخير قال له لقد عرضت خطتي للسلام في اجتماع وزارة الخارجية الروسية، وتتلخص في انسحاب القوات الأوكرانية من الأماكن التي تسيطر عليها روسيا في المقاطعات الأوكرانية الأربع التي انضمت لروسيا وبدء التفاوض وتعهد أوكرانيا بعدم الانضمام للناتو.