الخميس 1 اغسطس 2024

لحظات فتور وأطواق نجاة

مقالات11-7-2024 | 17:24

بدون إبداء لأسباب ستأتيك وتفرض نفسها عليك، تتسلل عبر الغيمات وتمطرك بحالة من حالات الحزن والإحباط، تأمرك بأن تستدعي ماضيك بأكمله؛ تصنف أحداثه ولا تبق منه إلا على ذكريات اتشحت بألوان قاتمة، تأتيك ويأتي معها كل ما مر بك من لحظات فشل أو إخفاق، تبالغ في حصارك وتطلب منك اجترار المزيد من الأفكار والذكريات.

تتحداك وتتوعدك بنصيب أكبر منها إن لم تطعها وتسير معها تحت مظلتها الداكنة لمسافات ومسافات، فتدرك حينها بأنك قد أصبحت أسيرًا لها، حتى يشاء الله لها بالانسحاب أو الانتهاء.

دون أن تدري ستجد نفسك تسير تحت إمرتها خافضًا رأسك رافعًا رايتها، وكلما أسرعت هى في الخطوات، كلما لحقت بها دون رفض أو اعتراض؛ يظن البعض أن نوبات اختفائك تدل على حصولك على نصيب أوفر من لحظات مليئة بالفرح والابتهاج، لحظات قررت الاستحواذ بها وعزمت على أن تحياها بمفردك. 

ينسجون من حولك القصص والحكايات، يصنعون أوهامًا من فوق أوهام، ولا أحد منهم يعلم حجم شكواك.

لا يعلمون عن أنينك الذي أضناك شيئًا، عن معاناتك التي سببت لك ارتباكًا في الحياة، عن فتور أصاب قلبك وثبت بأرضك أوتاده من دون رضاك، نزع منك نجمات سمائك اللامعات، ومحا بيده قمر أضاء لك ظلمات ليلك، فاحتضنك زمنًا وآواك.

لحظات فتور تطرق بابك، في ليل أو نهار، تستنزف طاقتك، وتحيل مرحك وسعادتك إلى بقايا من حطام وركام، لا تملك أن تواجهها بأملٍ ضل عنك، لا تملك أن تسير بعكس ما حددته لك من مسار أو اتجاه، مسار أجهز عليك وكاد أن يحجز عنك أنفاسك لولا بعض من ثبات ورغبة منك في الحياة، لحظة فتور سطت على جزء عظيم من رحابة صدرك، واستحلت كل ما لديك من رصيد الابتسامات والضحكات، طوت لحظات سلامك النفسي طيًا ثم أخفتها داخل عبائتها المسحورة، نزعت منك حريتك وسجنتها دون رحمة منها داخل صندوقها المغلق بإحكام.

غريق أنت بين حقيقة وسراب، متسائلًا عن سبب ذلك، وبالطبع لن تجد هناك إجابة عن سؤالك في الحال، ستتقلب عليك لحظات فتورك من جديد لتحتضن روحك آلامك بالترحاب، تخبرك بأن طوق نجاتك كان على مقربة منك، لكنك لم تنتبه إليه، تشير عليك بالتوجه نحو السماء، تدعوك أن تبتهل وتتقرب إلى الله بالدعاء.

تهمس إليك قائلة:"لماذا تشكو؟ وممن؟ مادام أمرك كله بيد لله"

تعود بعدها إلى نفسك في ثوان، تتبدل صحراؤك ببساتين وواحات من أمان، تناجي من خلقك من العدم وتكتفي بمعيته، فخلاصك بيده وحده، ووجودك في رحابه هو الذي سوف يحقق لك المزيد من الشعور بالاطمئنان، ما دمت ترجو رحمته وتتوكل عليه، تسارع باتباع ما أمرك به وتبتعد عما نهاك عنه، سيكون هذا طوق النجاة الذي سيصل بك دومًا إلى شاطيء الأمان في طريق لن تجد في مبتداه ومنتهاه أحدًا معك إلا الله.