الأربعاء 17 يوليو 2024

السينما .. وثورة 23 يوليو


ماجدة موريس

مقالات13-7-2024 | 14:36

ماجدة موريس

هل قدمت السينما المصرية ما يليق بالثورات المصرية ؟ وهل لدينا أفلام عبرت عن كل القضايا الكبري التي مررنا بها علي مدي مائة عام ؟ وأقول مائة عام لأننا، كبلد، كنا البلد الثاني في العالم الذي عرف السينما حين رأينا في مدينة الإسكندرية الأفلام الأولى التي صنعها الفرنسيون في العالم، وبعدها بدأ التفكير عندنا في صناعة هذه الصور المتحركة التي تضاف إلى بعضها لتصنع في النهاية شريطا له بداية ونهاية، ويحكي لنا قصة ومعانيها. لقد عرفت مصر فن وصناعة السينما في العشرينيات من القرن الماضي، ومع ذلك، فقد سيطرت ملامح الحياة المصرية بكل ما فيها من اختلافات، وما تضمنته من تعدديات طبقية واجتماعية ومكانية وعرقية علي الأفلام في المرحلة الأولى من السينما إلى جانب هذه التعددية المدهشة في هويات صناع السينما في البداية، في كل المهن التي تدخل في صناعة هذا الفن المسمي بالفن السابع، وحيث تجتمع في صناعة الفيلم مهن الكتابة والإخراج والتصوير والمونتاج والصوت، والتمثيل والموسيقي، والآن أضيفت مهن اخرى إلى السينما مثل الميكساج وغيره من منتجات التطور التكنولوجي في هذه الصناعة، ولأننا في شهر يوليو، والاحتفال بثورة يوليو ١٩٥٢، فإننا أمام حدث شديد الأهمية بالنسبة للفن عموما، وبالنسبة لهذه الثورة التي غيرت وجه الحياة في مصر، وصنعت تاريخاً جديدا مختلفا منذ ٧٢عاما لمصر، تاريخ بدأ بإنهاء عصر الحكم الملكي، وخروج الملك فاروق يوم ٢٦يوليو ١٩٥٢ من مصر، وبداية حكم الضباط الأحرار الذين قاموا بهذه الثورة ضده، وضد الاحتلال الإنجليزي لمصر في هذا الزمن، ولعل النظرة إلى الفن وقتها، وإلى تعبير السينما تحديدا عن الثورة، سواء قبلها، أي الأحداث التي تسببت في قيامها ومهدت لها، أو بعدها، تضعنا في الصورة حول السؤال الأول والثاني في المقدمة، هل قدمت السينما ما يليق بثورة ١٩٥٢ بمناسبة ذكراها.

أفلام الثورة بدأت قبلها

عشرة أفلام فقط هي كل ما قدم عن مرحلة ثورة يوليو، وهي مرحلة بدأت منذ العام ١٩٤٨ وحرب فلسطين، وفيلم بعنوان (فتاة من فلسطين) يقدم قصة ضابط طيار مصري ذهب ليحارب مع الجيش المصري ضد الجيوش التي جاءت لاحتلال فلسطين من اليهود الصهاينة في كل مكان بالعالم، وتسقط طائرته في قرية فلسطينية وتعثر عليه سلمي الفلسطينية مصابا فتحاول إنقاذه، وتحكي له عن قصص الفدائيين من ابناء بلدها، وبعد سبع سنوات  عام ١٩٥٥ عرض فيلم (الله معنا) بحضور الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أصبح القائد المعلن لثورة يوليو، و قصة هذا الفيلم الذي أنتج قبل عرضه بعامين، ولكنه تعرض لأزمة رقابية، وكاد يمنع، لأنه قدم شخصية اللواء محمد نجيب وكان القائد الأول لثورة يوليو، كان دوره محوريا في الفيلم الذي يدور حول كفاح الضباط الأحرار للخلاص من العصر الملكي وفساده، ولأن الفيلم تم تصويره قبل إعفاء محمد نجيب من موقعه، فقد تحفظت عليه الرقابة إلى أن تظلم صناعه والقائمون عليه لدي مجلس قيادة الثورة، فأجازه الرئيس عبد الناصر، وحضر عرضه الأول بنفسه في سينما ريڤولي يوم ١٤نوڤمبر ١٩٥٥، (وهو ما نقل عن الناقد والمؤرخ السينمائي علي أبو شادي)، والفيلم مأخوذ عن قصة لاحسان عبد القدوس كتب لها السيناريو مخرج الفيلم أحمد بدرخان وكتب الحوار سامي داود وضم عددا ضخما من الممثلين منهم فاتن حمامة وماجدة وعماد حمدي ومحمود المليجي وحسين رياض وشكري سرحان وغيرهم، وبعد عامين ،١٩٥٧،جاء الفيلم الثالث، والذي يعتبره الكثيرون منا فيلم الثورة (ربما لأنه أكثر الأفلام التي تعرض للآن علي شاشات التليفزيون)، وهو (رد قلبي) عن قصة للأديب (الضابط) يوسف السباعي، كتب لها السيناريو والحوار مخرج الفيلم عز الدين ذو الفقار، والموضوع هو البلد المنقسم بين الأغنياء والباشوات وبين الفقراء ويمثلهم هنا الشاب علي (شكري سرحان) ابن الريس عبد الواحد الجنايني(حسين رياض) والباشا والد الأميرة إنچي (مريم فخر الدين)، والتي احبها علي منذ طفولته وبادلته  الحب، لكن مرور الأيام، والسنين يحول هذا الحب الي مأساة من خلال شقيق إنچي علاء (أحمد مظهر)المتغطرس، الذي يحتقر علي وعائلته، والذي يتعامل معهم بكراهية، ينجح علي في دخول الجيش، لكن هذا لا يضيف إليه لدي عائلة إنچي التي توافق علي الزواج من آخر لتحميه من مؤامرات أبيها وشقيقها، لكن تقوم الثورة، ويهرب والدها الأمير للخارج بعد مصادرة أمواله، ويعرف علي بتضحيتها من أجله ويتزوجان.

في بيتنا رجل، ولا وقت للحب

بعد أربعة أعوام من (رد قلبي )قدمت السينماالمصرية فيلم (في بيتنا رجل ) الفيلم الثاني للكاتب إحسان عبد القدوس، والذي كتب له السيناريو والحوار يوسف عيسي، وأخرجه هنري بركات وقام ببطولته عمر الشريف في دور الشاب (إبراهيم حمدي )عضو أحد كتائب المقاومة ضد الإنجليز الذي قتل رئيس الوزراء المتواطئ معهم، والذي يقبض عليه، ويدخلونه المستشفي لإصابته فيهرب منه إلى منزل صديق  له ليست له علاقة بالسياسة، وتستقبله أسرة صديقه، ولكن الخطر يأتي من ابن عم محيي، صديقه، الذي يتردد علي الأسرة وحلمه الزواج من الابنة نوال، التي تتعلق بالضيف إبراهيم ويتعلق بها، لكنه يقرر ترك الأسرة والهروب إلى الخارج بعد القبض علي صديقه وابن العم بلا سبب، وبعد خروجه يقرر تدمير معسكر للإنجليز بمنطقة العباسية، وينجح، ولكنه يصاب إصابة قاتلة، ويتحول إلى أيقونة بعد موته تدفع محيى صديقه وابن عمه إلى الانضمام لكتائب المقاومة ضد الإنجليز بعد خروجهما من الاعتقال. اما فيلم (لا وقت للحب ) الذي أنتج عام ١٩٦٣ بعد عامين من (في بيتنا رجل) فتدور أحداثه أثناء حريق القاهرة عام ١٩٥٢حين يتعرف المهندس حمزة (رشدي أباظة) المتطوع في الحرس القومي علي المهندسة فوزية في الوقت الذي يتعرض فيه هو وزملاؤه من المتطوعين للمطاردة من سلطات الاحتلال الإنجليزي للقبض عليهم، تساعده فوزية في الاختفاء، وتقرر تكوين مجموعة جديدة لمطاردة الإنجليز في مدن القناة، الفيلم عن قصة للدكتور يوسف إدريس كتبها بنفسه للسينما وكتب لها السيناريو لوسيان لامبرت وأخرجها صلاح أبو سيف ومثلها رشدي اباظة و فاتن حمامة وصلاح چاهين. وفي نفس العام أنتج فيلم (الباب المفتوح ) عن رواية الكاتبة لطيفة الزيات وإخراج هنري بركات والذي دار حول الفتاة ليلي (فاتن حمامة )ابنة الأسرة المتوسطة التي يرفض والدها مشاركتها في المظاهرات ويرفض أن تسلك كإنسانة لها كيانها مثل شقيقها وهو ما يضعها في موقف صعب مع نفسها خاصة وهي تري وتسمع أحداث العدوان الثلاثي وأعمال المقاومة للعدوان في بورسعيد، وعن المقاومة أيضا يأتينا فيلم (حكايات الغريب ) بعد ثلاثين عاما تقريبا ،١٩٩٢،عن قصة الكاتب جمال الغيطاني وسيناريو وحوار محمد حلمي هلال   والمخرجة أنعام محمد علي والذي تدور أحداثه في بور سعيد ما بين نكسة يونيو وحرب أكتوبر والعبور المجيد من خلال المواطن عبد الرحمن الذي يشعر بالهزيمة واللامبالاة والكآبة إلى ان يحدث العبور فيهب للدفاع عن بلده وكأنه أصبح إنسانا آخر،  الملفت هنا أن العدد الأكبر من هذه الافلام كان يدور حول المقاومة في العهدين  الملكي والجمهوري، سواء مقاومة الأفراد، أو مقاومة المجموعات من خلال منظمات سرية انتشرت قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ لمقاومة الإنجليز والحكم الملكي معا او لجان المقاومة ومجموعاتها بعد الثورة في أعوام ٢٠١١،و٢٠١٣، ومن هذه الافلام (غروب وشروق )الذي عرض عام ١٩٧٠عن قصة للكاتب جمال حماد كتبها للسينما رأفت الميهي وأخرجها كمال الشيخ وقامت ببطولتها سعاد حسني في دور ابنة أحد كبار رجال الحكم عزمي باشا (محمود المليجي ) التي حاولت الخروج من سيطرة والدها علي كل شيء في الحياة فطلبت من زوجها الضابط ان يتركا البيت ويستقلا بحياتهما لكنه يفشل في إقناع والدها، وتتزايد المخاطر حين يرتبط بمجموعة من زملائه أعضاء أحد المنظمات الوطنية السرية وحيث تتضارب رؤي كل منهم لتصل بهم إلى كارثة. أما فيلم (شيء في صدري ) عام ١٩٧١ عن قصة احسان عبد القدوس، وسيناريو وحوار رأفت الميهي ولنفس المخرج كمال الشيخ، فيطرح علينا جانبا آخر من استبداد  الأغنياء بالفقراء في زمن ما قبل الثورة من خلال حسين باشا شاكر (رشدي أباظة ) الذي يستفزه واحد من موظفيه هو محمد أفندي (شكري سرحان ) لاحترامه لنفسه ومحبته لوطنه، فيسعي للتعرف علي أحواله وأسرته، وتلفت نظره شقيقته الجميلة (ماجدة الخطيب)، ويحاول بسط نفوذه علي الأسرة، وهو ما ترحب به الأم  والأب، لكن الابنة ترفض، أما محمد أفندي فيقرر أن ينهي هذه العلاقة الصعبة، مهما تعقدت حياته بسببها، ولأن قصص هذه الأفلام تقدم صورا عديدة من المقاومة  في البيت والشارع وفي كل الأوساط، مما يعني أهمية وقيمة المقاومة الشعبية بكل صورها في عملية الحراك التي تسبق الثورات، وبالتالي، فإن لدي السينما المصرية مخزونا كبيرا من القصص التي تحتاج إلى البحث عنها وإنتاجها مستقبلا لإكمال هذه الدائرة المهمة من أفلام المقاومة والثورة، ويا ليتها تنجز فيلما واحداً فقط كل عام.