السبت 20 يوليو 2024

قصص دار الهلال النادرة | «قناع النبوة» مخطوطة لأول قصة قصيرة بقلم نابليون بونابرت

المخطوطة الأصلية بخط نابليون

كنوزنا17-7-2024 | 12:33

بيمن خليل

يذخر أرشيف مؤسسة دار الهلال منذ تأسيسها عام 1892م، بالعديد من القصص النادرة، والكنوز الأدبية، المكتوبة على أيدي كتّابًا بارزين، وبعد مرور عقود، قررت بوابة "دار الهلال " ، إعادة نشر هذه التحف القصصية النادرة من جديد، والتجول في عوالم سردية مختلفة ومتنوعة، من خلال رحلة استكشافية في أرشيف دار الهلال العريق.

في عددها الصادر في 1 أكتوبر 1924، نشرت مجلة الهلال مخطوطة نادرة تحتوي على قصة قصيرة كتبها نابليون بونابرت، بعنوان "قناع النبوة"، هذه المخطوطة تكشف جانبًا أدبيًا غير معروف من شخصية الإمبراطور الفرنسي الشهير، القصة، المكتوبة بخط يد نابليون نفسه، تدور أحداثها حول شخصية "حكيم" الذي ادّعى أنه مرسل من الله، وجمع حوله أتباعًا كثيرين بوعود المساواة.

ونوهت "الهلال" أنه أخيرًا تم اكتشاف بعض الآثار المكتوبة بقلم نابليون - كما أثبت ذلك واحد من الخبيرين - وقد كانت بينها هذه القصة التي ننشرها على سبيل الفكاهة التاريخية وهي تدل على شغف نابليون بالشرق وحوادثه ورجاله، وقد ترجمت هنا ترجمة حرفية ولم يتصد المترجم لفحص قيمتها التاريخية.

"قناع النبوة"

في سنة 160 هجرية كان المهدي خليفة المسلمين في بغداد، وقد كان هذا الأمير الكبير الكريم السمح الأخلاق يرقب تقدم الدولة العربية في كنف السلام، وكان جيرانه يخافونه ويحترمونه وما زال منصرفا إلى نشر العلوم والعمل على ازدهارها حتى تكدر ذلك الصفو بفعل "حكيم المقنع" الذي قام من أقصى خراسان يجمع حوله الأشياع من جهات المملكة.

وكان "حكيم" طويل القامة شديد البأس فصيح الكلام، فادّعى أنه مرسل من عند الله وشرع يبشر بآداب رفيعة استمالت إليه الجماهير وقد كان مدار كلامه في الغالب على المساواة في المقام وفي الثروة.

فأخذ الناس ينضمون إليه شيئا فشيئا، وهكذا أصبح له جيش كبير، حينئذ شعر الخليفة وكبراء المملكة بضرورة إخماد تلك الثورة الخطرة وهي لا تزال في مهدها، ولكن جيوشهم كسرت غير مرة وظل حكيم يزداد قوة ونفوذا يوما بعد يوم، غير أن مرضا خبيثا نزل به من جراء متاعب الحرب فشوه وجهه ولم يعد حقيقا بالوصف الذي كان يوصف به وهو أنه أجمل أبناء العرب قاطبة، فقد أصاب التشويه ملامحه الرفيعة وعينيه الكبيرتين الممتلئتين نارا، ثم لم يلبث أن فقد بصره أيضا، فاعتراه الخوف من أن يكون لهذا التغيير الذي حدث في مظهره أثر في نفوس أشياعه ومناصريه فخطر له أن يخفي تشوهه خلف وجه مصنوع من الفضة، وبهذه الصورة ظهر أمام رجاله.

ولم يكن حكيم قد فقد شيئا من بلاغته وقوة بيانه فقد كان لخطبه نفس التأثير الذي كان لها فيما سبق، فخطبهم وأقنعهم بأنه لم يخف وجهه على هذه الصورة إلا ليمنع الناس من أن يبهرهم النور المتدفق منه، وما زال "حكيم" بعد ذلك شديد الثقة بتعلق الجماهير التي أثارها إلى أن كسر في معركة فساءت حاله وقل أشياعه وضعف إيمانهم به.

وفيما كان ذات يوم محصورًا والحماة حوله قليلو العدد أدرك أنه لا مناص له من أحد الأمرين: إما الهلاك وإما الوقوع في أيدي أعدائه، فجمع أشياعه وقال لهم: يا قوم ما بالكم، أنتم الذين اختارهم الله لإصلاح الدولة والنهوض بالأمة، قد ضعفت عزيمتكم أمام كثرة أعدائنا، اسمعوا: إني في الليلة الماضية في حين كنتم غارقين في سباتكم تضرعت إلى الله وقلت: أيها الرب الرحيم! لقد حميتني هذه السنوات كلها، فهل بدر مني أو من أتباعي ما أغضبك حتى تركتنا وأهملتنا؟ وبعد هنيهة سمعت صوتا يقول لي: أولئك الذين لم يهجروك هم أصدقاؤك الحقيقيون وهم وحدهم المختارون، وسيقتسمون وإياك مال أعدائك الأثرياء، انتظر القمر الجديد واحفر خنادق عريضة فلا يلبث أعداؤك أن يتهافتوا عليها كالذباب الذي دوخه الدخان.

وهكذا كان: فحفرت الخنادق ومليء أحدها جيرًا ثم وضعت على حافته دنان فيها نبيذ، وبعد أن فرغ القوم من ذلك تناولوا الطعام معا وشربوا من هذا النبيذ فلم يلبثوا أن قضوا نحبهم مصابين بأعراض واحدة .

فجر "حكيم" جثثهم ورماها في الجير فأحرقها ثم أشعل الخمر وألقى بنفسه فيها، وفي اليوم التالي أرادت جيوش انالميفة أن تتقدم ولكنها وقفت حائرة إذ وجدت الأبواب مفتوحة، فدخلت بحذر فلم تجد إلا امرأة واحدة في قيد الحياة هي خليلة حكيم، هكذا قضى هذا الرجل الذي اعتقد أشياعه أنه ارتفع إلى السماء مع من كان معه! فما أغرب ما ينقاد إليه الناس في طلب الشهرة!