الأحد 25 اغسطس 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الأول «الجد زيدان مطر» (7-1)

جرجي زيدان

ثقافة21-7-2024 | 14:59

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

تفتح هذه المذكرات نافذة فريدة على حياة رجل استثنائي شق طريقه من أزقة بيروت الضيقة إلى آفاق المعرفة الرحبة، إن إعادة نشر هذه المذكرات اليوم لا تقتصر على مجرد الاحتفاء بذكراه، بل تمثل دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام روح الإبداع والتحدي التي جسدها زيدان في حياته وأعماله، تروي هذه الصفحات رحلة ملهمة لفتى طموح تحول إلى رائد نهضوي غيّر وجه الثقافة العربية.

يتناول الفصل الأول من هذه المذكرات، أصل أسرته، وعصامية والده ووالدته، وما كانا عليه من جد ونشاط، على الرغم مما أحاط بهما من ظروف قاسية.

الفصل الأول: الجد زيدان مطر

حدثني والدي وأنا غلام عن أصل عائلتنا فقال: إن أبانا كان يسمى زيدان مطر "أو زيدان يوسف مطر".. وكان خوليا عند "الست حبوس " والدة الأمير مصطفى أرسلان، أي "وكيلا" علی أرزاقها وأشغالها، وكانت تحكم "عين عنوب"، وما يليها، في أواخر القرن الماضي، فلما حمل إبراهيم باشا على سوريا وفتح عكا وأراد الاستيلاء على الجبل، كانت "الست حبوس" في جملة الذين لا يريدونه، وخافت سطوته، فحدثتها نفسها بالفرار من وجهه، فعزمت على ذلك، وطلبت إلى جدي "زيدان" أن يرافقها في هذا الفرار، فأبى لأنه رأى بعين البصيرة أن الدولة المصرية غالبة لا محالة، وله أطفال وعائلة لا يطاوعه قلبه على فراقهم، ولا على حملهم وهو هارب، فألحت عليه فى مرافقتها، فاعتذر بما تقدم، فتركته وقد وجدت عليه، وسافرت. فدخل ابراهيم باشا الجبل، بمساعدة الأمير بشير الشهابي سنة 1832، وظلت "الست حبوس" مختفية إلى أن ضعف أمر إبراهيم.

ولما رجعت إلى بلدها "عين عنوب"، وهي حاقدة على زيدان، صادرت أملاكه وأمواله، وتعمدت الحط من شأنه، فشق ذلك عليه، وأثر في صحته، فمات قبل أوانه، وترك امرأة وابنتين وصبيين: أحدهما وأكبرهما والدي حبيب، ولم تكن سنه تتجاوز العاشرة من العمر، وهو كبير العائلة، ولم تقدر والدته على البقاء في "عين عنوب"، فنزلت بأولادها إلى بيروت، وليس لهم معين إلا أبي، وبيروت يومئذ صغيرة لا مرتزق بها غير الإتجار واصطناع ضروريات الحياة كالأطعمة والألبسة ونحوها، أو خدمة الحكومة في الكتابة أو الجندية.