نظمت مكتبة الإسكندرية اليوم الثلاثاء ندوة حوارية لمناقشة أحدث كتب د.أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، الذى صدر مؤخرًا عن مؤسسة العويس الثقافية تحت عنوان "سؤال الأخلاق في العالم المعاصر"، قدمتها الكاتبة الصحفية نشوى الحوفي، وسط حضور كبير للجماعة الثقافية.
وقال د.أحمد زايد في الندوة التي تم تنظيمها ضمن فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب؛ إنه أعد الكتاب في ما يقرب من سبع سنوات، وبدأ التفكير فيه عقب سلسلة من المقالات التي كتبها في إحدى المجلات حوّل الأخلاق، وأنه شرع في كتابة هذا العمل من منطلق اهتمامه الشخصى بمشروع الحداثة بمستواه الأول المرتبط بالنزعة الداخلية لدى الإنسان الذي يعتنق فكر التجديد.
وتحدث زايد عن المشروع الحداثي الذي ظهر عقب القرون الوسطى، وظهور فلسفة عصر التنوير والنقلة النوعية في التكنولوجيا والصناعة، حتى أصبح مشروعًا عالميًا حقق نجاحات اقتصادية وصنع فلسفات وفنون عظيمة، وانتقل بالدول من سيطرة الكنيسة إلى نظم ديمقراطية تحكمها حكومة مركزية.
وتابع خلال حديثه: "هذا المشروع رغم نجاحاته الكبيرة لم يستطع حل سؤال الأخلاق، وهو ليس بسؤال جديد بل سبق طرحه، رغم أن الغرب أُسس نهضته على مبادئ اخلاقية ولكن الاستعمار وتجارة العبيد والممارسات السياسية والاقتصادية التي مارسها الغرب نفسه خلقت جدلًا جديدًا حول مفهوم "الأخلاق" المزدوج عند الغرب".
وتطرق إلى عدد من المفاهيم التي طرحها في الكتاب، ومن بينها؛ مفهوم "براءة الذمة" وهذه الفكرة موجودة حتى لدى الأفراد ولها مجريات قديمة مثل الاستعمار الذي يبرر فيه المستعمر فعلته، بأنه ينقذ أهل البلد الذى يحتله من التخلف، وفي العصر الحديث ما يطرح عن حقوق الإنسان وسيادة القانون والذي يتزامن مع ما يحدث في الشرق الأوسط من أحداث تتنافى مع هذه الحقوق والقيم.
وتحدث مدير مكتبة الإسكندرية؛ عن مفهوم "أخلاقيات الوهم" إذ أن مشروع الحداثة مليئ بأخلاقيات صناعة الوهم، من خلال بناء مؤسسات ومراكز بحثية دولية، ينفق عليها العالم الأموال الضخمة وتخلق لدى الشعوب الفقيرة حالة من الوهم، بقرب زوال الفقر وحلول التنمية وتوقف الهجرة، وفى الواقع لا يحدث شيء من كل هذا.
ولفت د.زايد إلى مفهوم أسماه "الوهن الخُلقي" بعدما "أصبح العالم ميكافيلي النزعة" وخير مثال على ذلك ما يحدث في غزة، فهم لا يفكرون في الواجب تجاه الأطفال والعزل الذين يقتلون بل وضعوا معايير غريبة واتبعوها، مضيفًا أن المجتمعات بشكل عام تنضب فيها الأخلاق، وكلما سادت مفاهيم ومبادىء المادية والمصلحة اختفى كل ما يحمل في داخله من جمال أو معنى ويفقد الناس الإحساس بالمعيار الأخلاقى.
وشدد د. زايد؛ على أن بناء الذات الأخلاقية يأتي من خلال مفهوم "انبعاث الأخلاق" الذي طرحه في الكتاب، وله شرطان: تحقيق "حداثة مصقولة" لا تقوم على استغلال شعوب لغيرها أو تغول التكنولوجيا، والشرط الثاني بناء الذات عن طريق منظومة مجتمعية متكاملة تشمل الأسرة والتعليم والإعلام.
واختتم مدير مكتبة الإسكندرية؛ الندوة بقوله: "إن الكتاب ينتهي إلى وجهة نظر مفادها أن العالم يمكن أن يتحول من الوضع الحالي إلى مسار الأخلاق من خلال مفهوم "انبعاث الأخلاق"، لافتًا إلى أن قطاع البحث الأكاديمي بمكتبة الإسكندرية يعد لمؤتمر دولي عن التسامح كقيمة أخلاقية، وكمدخل لمناقشة هذه القضية وخلال الدورة الأولى التي نعد لها سوف يتم نشر وثيقة دولية باسم المكتبة.
من جهتها قالت نشوى الحوفي، إنه رغم محاولات التغول على مصر وسرقة كل ما يخصها في مختلف المجالات إلا أنها ستنتصر، والمكتبة شاهد إثبات على كل فكر وتاريخ هذا البلد، وطرحت عددًا من النماذج التي تشير إلى ازدواجية معايير المؤسسات الدولية ودول العالم الأول.
وكتاب "سؤال الأخلاق" الصادر عن مؤسسة العويس بعد فوز الدكتور أحمد زايد بجائزتها في العلوم الاجتماعية، يبحث عن جذور الأخلاق في مختلف صنوف الفكر الفلسفي والسياسي والاجتماعي، ويقارب انكساراتها وأزماتها في مجتمع الحداثة وتطوراته المعاصرة، وكذلك الإشكاليات التي يفرضها الدخول إلى العالم الرقمي، والاهتمام الشديد بالأخلاقيات العملية في مجال التكنولوجيا الحيوية، والذكاء الاصطناعي، وتغيرات المناخ، والارتباطات الأخلاقية التي لها تأثيرها في جدلية العلاقة بين الفقر والفساد والهيمنة السياسية.
وينتهي الكتاب بفصول ثلاثة يجادل فيها حول إمكانيات ظهور أطر أخلاقية بازغة، فيقارب العلاقة بين الدين والأخلاق، ويطرح أفكاراً حول أهمية ثقافة التسامح في عصر العولمة، ثم ينتهي إلى طرح وجهة نظر في قضية الانبعاث الأخلاقي وأهميته في العالم المعاصر والطريق إلى بنائه في تكوين الذات وتكوين السياق.