أحياناً كثيرة نتفاجىء بغلق طريق أوببطيء شديد أثناء السير، أصوات كلاكسات مرتفعة بغضب وعصبية، وأبواب سيارات مفتوحة و أصحابها ينظرون للأمام، الأغلبية متذمرون يتساءلون عن سبب تلك العطلة غير المحسوبة، فهناك من تنتظره بصمة العمل، وآخروقُع عليه خصم اليوم، وشاب تأخر عن موعد الامتحان، وبعد خطوات طفيفة وبمجرد اقترابك خطوة تلوالأخرى تتفاجيء أنه ليس عطلاً بل حادثة موت، أموات على جانبي الطريق، وسيارات إسعاف وجرائد بلون الدم، والسبب "زفة العروسة".
عائلات وشباب يحتفلون يوما تلو يوم بطريقة عشوائية جنونية في الطرق السريعة والمكتظة ومهما حاولت المرور تجد بينهم من يعرقلك، ويطالبك بمشاركتهم الزفة بكلاكس سيارتك والانضمام إليهم كأحد أفراد الأسرة بالإجبار.
ورغم كوارث تلك الزفة، لا يوجد من بيننا أحداً لم يحضر مثلها سواء في حفل زفاف الأقارب أو الأصدقاء، فأنت في يوما ما كنت شاهداً على تلك السباقات علي الطريق وعلى الرعونة في القيادة، والحركات البهلوانية التي يقوم بها أقارب العروسين وأصدقائهم بدافع الفرحة الزائفة أو من باب المجاملة، وغالباً تكون النهاية كارثية.
عائلات كُثر كُتبت نهايتهم أموات أو مصابين أو فاقدي أبناء، وكم من زفة توقفت بها دقات القلب وتثبتت عندها عقارب الساعة وانقلبت الجوازة لجنازة، والفرحة لحزن، وتلطخت الفساتين البيضاء بالدماء، وكم من مريض كانت تحمله سيارة إسعاف وهو في عرض الدقيقة الفاصلة بين الموت والنجاة تعسر طريقه بسبب زفة الموت.
شاهدت علي أرض الواقع سائقين يتركون سياراتهم للتظاهر بحرفية القيادة، ليس ذلك فقط بل في بعض الأحيان تتقدم أسطول سيارات الزفة الموتسيكلات القاتلة، تلتف على كل جانب من سيارة العريس والعروسة لتقدم لهم التحية وفي أحيان كثيرة يكونا سبب في إنقلاب سيارة الزفة من أعلى الكباري، من حق الجميع التعبير عن فرحته ولكن فرحتك مثل حريتك تقف عند ضرر الآخرين.
السرعة وجنون القيادة لم تقتصرفقطعلي حفلات الزفاف بل انتشرت ظاهرة مشينة لشباب طائش على الطرق العامة وفي وسط المدينة تترنح سيارتهم بسرعات جنونية تتخطي ال ١٨٠ تحت شعار" الشقاوة والروشنة " ويدهس ضحاياه دون رحمة.
لابد وأن يتم محاسبة كل من تهاون في التحكم بسيارته ، وأن يتم وضعهم في السجون تحت طائلة القانون، لأنهم يتسببون في الحاق الضرر بأسرة كاملة فكم من بيت فقد رب أسرته وعاش في تعسه أبد الدهر، كُفوا عن إيذء أرواح لا ذنب لها علي الطريق فإنك لا تمتلك سيارة لتجاريك سرعتك، بل التزم بالسرعات القانونية وبحارات القيادة، " والله لو قتلت نفس خطأ ما هتقدر تنام الليل " حتى إذا فلت من جريمتك ستظل تروادك في كوابيسك تعاتبك ، ولن تنسى ملامحها وهي تنزف أمام زجاج سيارتك لتلفظ أنفاسها الأخيرة.
وبالرغم من صدوربند جديد في القانون مؤخراً لتغليظ العقوبة على أصحاب السرعات الجنونية بالحبس وليس الغرامة المالية فقط والتي كان يدفعها المرفهون دون غضاضة ومازلوا يتسابقون علي الطرقات ويحولون مظاهر سعادتهم لنهايات بائسة لأسر ما بين إعاقات وموت.
أتمنى أن تسجل الكاميرات المثبتة علي معظم الطرق تلك التجاوزات وأن يكون لهم جزاء سريع وحاسم، وتذكرت أنني في أحد الأيام مررت من بين أحد الزفات بأعجوبة وبعد تجاوزهم "بطلوع الروح" وبدقات قلب سريعة متتالية من الخوف، صادفني الحظ بأن أجد أحد أفراد المرور والذي تقبل شكوتي سريعاً، وقام بالبلاغ بجهاز اللاسلكي، وفي لحظة واحدة توقفت أكثر من عشر سيارات والعديد من الموتوسيكلات المشاركون في تلك الزفة وسُحبت رخصهم جميعا، " وقتها سمعت وابل من السباب والشتائم" ولكن ربما وضعني الله سبباً لإنقاذ حياة عابر سبيل.
أتمنى عدم التعامل بيسر مع تلك الحالات، وأن يتخذ كلا منا كمواطن مواقف إيجابية ضدهم، لأنها قاعدة اعتيادية تنشر العشوائية لعدم التصدي لها، لا أدعوك بالتدخل الشخصي والشجار معاهم ولكن بإتباع الطرق القانونية للتخلص من تلك العادات المكتسبة القاتلة، حفاظاً علي إكمال فرحتهم ولحماية حياة مواطن بريء عاد من عمله لأبنائه لبدء يوم جديد.
وفي الفاصل الأخير هناك سرعة قاتلة هدفها تحقيق الربح من خلال استعراض القيادة الجنونية وتعرض المواطنين الأبرياء للخطر ، وهو ما يقوم به بعض رواد السوشيال ميديا لتحقيق " الترند" سواء عن طريق استعراضات معينة بالسيارة، أو بالوقوف على الموتوسيكل وهو يسير، أشكال كثيرة من استعراضات الموت، فهل تتساوى تلك الحوداث مع حوادث القضاء والقدر والخطأ؟ سواء انفجارات الإطار أو تعطل الفرامل.
عزيزي المهووس بالسرعة ..ارفع قدميك من على البنزين، تذكر فرحتك بترخيص سيارتك الجديدة عندما وقعت عينك على الجملة الشهيرة في إدارات المرور " في التأني السلامة وفي العجلة الندامة"..