كتب: خليل زيدان
خمس سنوات مرت على رحيل الكاتب العبقرى الكبير ثروت عكاشة، الذى أسس البنية التحتية للثقافة فى مصر، وأثرى الحياة الثقافية بما لم تشهده من قبل، وحتى من بعده لم يأت من يحقق مثل إنجازاته، ووصفوه بمهندس الثقافة وأعظم وزير للثقافة فى مصر، وفرعون الإنقاذ لأنه انتشل معابد النوبة من الغرق.
انضم ثروت عكاشة في مستهل حياته إلى الضباط الأحرار وبين جوانحه شعوراً جارفاً لتحرير الوطن والشعب من تبعات الماضى، لكنه فى نفس الوقت لم يكن يهوى عالم السياسية، لذا تنازل عن مكانته فى مجلس قيادة الثورة التى عهد به إليه الرئيس جمال عبد الناصر لزميل له، ثم اختار له ناصر بناءً على رغبته أن يعمل ملحقاً حربياً في بون في مطلع عام 1953 ثم باريس ومدريد عام 1956 ثم سفيراً لمصر في روما حتى عام 1958، وفى نفس العام تم اختياره من قبل الزعيم ناصر ليكون وزيراً للثقافة والإرشاد القومى لأول مرة عند استحداث الوزارة في مصر، لأنه يعلم مدى اهتمام عكاشة بالثقافة والفنون، وأنه قد أثقل معلوماته ودراساته أثناء تواجده بالخارج، وقد علم عكاشة بالتشكيل الوزارى من خلال الراديو، فقد كان دائما يتابع أخبار مصر يومياً وهو فى روما من خلال أثير الإذاعة.
كان يعلم عند توليه الوزارة آنذاك أن الثقافة في تلك الفترة كانت محصورة فى رقعة ضيقة لا يستمتع بها إلا شريحة الأثرياء في المجتمع، فعمل على أن تصبح الثقافة في متناول كل الطبقات وتنطلق من أسوار القاهرة إلى كل محافظات مصر بل وتصل أيضاً إلى القرى والكفور والنجوع، وأنشأ مصلحة الفنون وإدارة الثقافة والنشر ومركزاً للفنون الشعبية، مع بث برنامج إذاعيى يهدف إلى الإرتقاء بذوق الجماهير في الموسيقى والأدب، ثم أنشأ المجلس الأعلى للثقافة والهيئة العامة للكتاب ودار الكتب والوثائق، وفى عام 1959 أنشأ أكاديمية الفنون بمعاهدها الفنية المتخصصة وأسس فرق دار الأوبرا المختلفة وأنشأ السيرك القومى ومسرح العرائس، وأنشأ قصوراً للثقافة فى كل محافظات مصر، مع قوافل ثقافية تعيد طرح الموروث الثقافي وتحافظ عليه من الإندثار، وفي عهده أيضاً قامت وزارة الثقافة بعمل مشروع الصوت والضوء بأهرام الجيرة ومعبد الكرنك والقلعة، فقدمت عروضاً بالصوت والضوء بصورة فنية مشرفة ضمت الرواية التاريخية تصحبها الموسيقى المناسبة مما أعطى شعوراً راقياً بأن الآثار المصرية لم تعد حجارة صماء.
ومن الثقافة إلى السياحة ، فقد قام ثروت عكاشة بإنقاذ معابد النوبة من الغرق بعد أن غمرها النيل بمائه، وقد استمال الرأى العام العالمى للمساهمة في إنقاذ تلك المعابد، لأن المشروع كان مكلفاً ولا تطيق مصر تحمل كل التكلفة وحدها، وكان عكاشة قد لمح وقتها عروضاً من السفير الأمريكى بطلب شراء تلك المعابد الغارقة، لذا عمل على انتشالها من الماء وأعادها إلى الحياة وأعطى للسفير الأمريكى درساً أن مصر لا تبيع تاريخها وأثارها .