الثلاثاء 13 اغسطس 2024

"وول ستريت": استياء ماليزيا إزاء ما يجري في غزة يفتح المجال لتعزيز نفوذ الصين بجنوب شرق آسيا

الوضع في غزة

عرب وعالم9-8-2024 | 17:48

رأت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن تزايد الاستياء الماليزي من كيفية إدارة ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حربها على غزة؛ فتح الباب للصين لتعزيز نفوذها في المنطقة.

ولفتت الصحيفة الأمريكية إلى أنه عندما أصبح نور إبراهيم رئيسا لوزراء ماليزيا قبل عامين، اعتُبر فوزه بمثابة "نعمة محتملة"؛ للولايات المتحدة فلقد كان أنور معروفا بأنه مؤيد قوي للديمقراطية يفهم واشنطن، حيث عمل أكاديميا لبضع سنوات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن بدلاً من ذلك، أصبحت علاقة الولايات المتحدة بماليزيا - وهي مركز أساسي في سلسلة توريد أشباه الموصلات - أكثر توتراً؛ فقد أثار دعم واشنطن لحرب إسرائيل في غزة، غضباً واسع النطاق في الدولة ذات الأغلبية المسلمة.

وحتى في الوقت الذي تبنى فيه شركات التكنولوجيا الأمريكية مصانع للرقائق في ماليزيا؛ تكافح العلامات التجارية الاستهلاكية الأمريكية مثل ستاربكس وماكدونالدز المقاطعة، وتقول إن منافذها تعرضت للتخريب، وانتقد أنور - علانية - ما اعتبره "فشل" الولايات المتحدة في منع المعاناة في غزة، وفي الوقت نفسه، عمل على تعزيز علاقات بلاده مع الصين.

وفي خطاب ألقاه خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج إلى ماليزيا في يونيو، رفض أنور ما أسماه "الدعاية المستمرة" بأن الماليزيين يجب أن يخافوا من القوة العسكرية والاقتصادية للصين، قائلاً: "أشعر بموقف القيادة الصينية - الودود، المهذب، المليء بالاحترام، والتفهم للثقافات والاختلافات". وأضاف "هذا ليس ما يتم تصويره في أماكن أخرى".

وكما هي الحال مع العديد من البلدان في العالم النامي، فإن ماليزيا حريصة - أيضاً - على الحفاظ على علاقات اقتصادية وثيقة مع الولايات المتحدة، وقال أنور إنه على الرغم من خلافاتهما؛ فإن الجانبين يظلان صديقين، لكن المشاعر العامة بشأن الصراع في غزة تفرض تحديات عميقة على المصالح الأمريكية، وتمنح الصين فرصة.

ففي استطلاع للرأي شمل 8000 شخص في 16 دولة عربية ونُشر هذا العام، قال 76% إن وجهات نظرهم بشأن الولايات المتحدة أصبحت أكثر سلبية منذ بدء حرب غزة، وعلى نطاق أوسع، في 29 من أصل 34 دولة شملها استطلاع مركز "بيو" للأبحاث هذا العام، كان الناس أكثر ميلاً إلى عدم الموافقة على تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع حرب غزة بدلاً من دعمها.

وكان الناس في البلدان ذات الأغلبية المسلمة وأوروبا الغربية ودول أمريكا اللاتينية مثل المكسيك وتشيلي من بين الأكثر انتقادًا، وقال يون صن، مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، إن "الصين تستغل هذه القضية لاستنزاف زعامة الولايات المتحدة ومصداقيتها".

وأضاف أن "موقف بكين المؤيد للفلسطينيين يمنح الصين الكثير من المزايا"، ويقول بعض المحللين إن الصين، رغم براعتها في استغلال مشاعر الاستياء تجاه الولايات المتحدة؛ لم تبد أي اهتمام بلعب دور أمني رئيسي في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فقد أكسبها موقفها هذا أصدقاء. وفي أواخر يوليو، أشاد أنور بالصين بعد اجتماع في بكين؛ أفضى إلى اتفاق بين الفصائل الفلسطينية على العمل نحو الوحدة، ولم تقدم الأطراف سوى تفاصيل قليلة عن الكيفية التي قد تحقق بها الجماعات المتنافسة هذا الهدف، وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانج إلى ماليزيا، أكدت الدولتان دعمهما للدولة الفلسطينية، وقالتا إنهما متوافقتان بشكل عام في السياسة الخارجية.

وفي مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام الصينية قبل زيارة لي، أعلن أنور عن نية ماليزيا الانضمام إلى مجموعة البريكس، وهي مجموعة من الدول النامية تضم الصين وروسيا.

وقلل من أهمية النزاعات بين ماليزيا وبكين في بحر الصين الجنوبي، وقال إنه لا يريد أن تتدخل "قوة خارجية" في النزاعات الإقليمية - وهو ما يعكس موقف الصين، كما أصدرت ماليزيا، لهجة أقوى لدعم موقف الصين بشأن تايوان، وهي جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي تعهدت بكين بالاستيلاء عليها بالقوة إذا لزم الأمر.

وفي حين أكدت ماليزيا في السابق دعمها لـ"إعادة التوحيد السلمي" بين الصين وتايوان، فقد وافقت هذه المرة على إسقاط كلمة "سلمي" - على حد قول الصحيفة.

وقال وزير الاستثمار والتجارة والصناعة تنكو زفرول عزيز - في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" - "ما زلنا متمسكين بوجهة نظرنا، أعتقد أن الأمر يتعلق أكثر برغبة الصين في تعزيز بعض الكلمات"، وأضاف أن ماليزيا تعارض الحرب دائمًا.

وقال تنكو زافرول إن الشركات الأميركية تقدر الموقف السياسي المستقل لماليزيا، مضيفا أنه بالإضافة إلى الانضمام إلى مجموعة البريكس، تحاول ماليزيا أيضا الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي يقودها الغرب، وأضاف: "نحن أصدقاء للجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة".

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسئول أمريكي - لم ترد اسمها - إنه لا يعتقد أن "عدم الرضا" عن السياسة الأمريكية في التعامل مع حرب غزة كان سبباً في دفع ماليزيا إلى أحضان الصين.

وأضاف المسؤول أن ماليزيا استمرت في الترحيب بالاستثمارات الأميركية والحفاظ على تعاون دفاعي قوي. وأشارت الصحيفة إلى أن الصين وماليزيا لا تتفقان على كل شيء، فقد قال أنور إنه أثار مع المسؤولين الصينيين قضية معاملة الصين للمسلمين الأويجور، وهي أقلية تقول الحكومات الغربية وجماعات حقوق الإنسان ومنظمات الأخبار إنها تعرضت للاعتقال الجماعي كجزء من حملة استيعاب قسري، لكن أنور ابتعد عن انتقاد الصين علناً بشأن هذه القضية.

وقال أنور - أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك العام الماضي - "أعتقد أن الطريقة الأفضل مع الصينيين، هي بالطبع أن نتناقش كأصدقاء ونسمح لهم بالشرح".

ونفت بكين مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانج، موطن شعب الأويجور والأقليات الأخرى، وقالت إن التطرف الديني في المنطقة يحتاج إلى القضاء عليه.

ولفتت الصحيفة إلى توجه الماليزيين تجاه كل ما يمثل أمريكا ففي مساء يوم السبت الماضي، اجتمع عشرات المتظاهرين في منطقة التسوق المركزية الراقية في كوالالمبور، عاصمة ماليزيا. وتجمعوا خارج مطعم ماكدونالدز، ورددوا شعارات تطالب بالحرية الفلسطينية.

وقال تشوا تيان تشانج، النائب الماليزي السابق وزعيم المظاهرة: "في ذهن العديد من الماليزيين، سيلقون اللوم على الولايات المتحدة بسبب التجاوزات التي ارتكبها الإسرائيليون، لقد تحول الهدف إلى الأشياء التي ترمز إلى أمريكا".

وفي شمال ماليزيا، توقفت أدنين سارليس إلياس، التي تمتلك دار ضيافة، عن تقديم الآيس كريم والقهوة سريعة التحضير من شركة نستله السويسرية العملاقة للأغذية، التي تدير مصانع في إسرائيل.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة ماكدونالدز كريس كيمبزينسكي - في وقت سابق من هذا العام - إن المقاطعة أضرت بالمبيعات في الشرق الأوسط وماليزيا وإندونيسيا والمناطق الإسلامية في فرنسا، وفي أواخر يوليو، قالت الشركة إن الحرب في الشرق الأوسط لا تزال تؤثر على المبيعات.

وقالت ماكدونالدز - في بيان - إنها لا تمول أو تدعم أي حكومات متورطة في الصراع.

وفي العاصمة الإندونيسية (جاكرتا)، توجد في متاجر "ستاربكس"، لافتات تقول إن الشركة ورئيسها التنفيذي السابق هوارد شولتز لا يقدمان دعماً مالياً لإسرائيل ــ وهو ما تقوله ستاربكس أيضاً على موقعها على الإنترنت.

وفي الأسبوع الماضي، قال الرئيس التنفيذي لـ ستاربكس لاكشمان ناراسيمهان إن الانتقادات لا تزال قائمة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأجزاء من أوروبا.