عُرفت المرأة بشجاعتها وقوتها وتحديها لكافة الصعاب، وبمواجهة كافة العقبات، فحظين بالعديد من النساء ممن ناضلن وكافحن، وأخريات عالمات وكاتبات ومناضلات، بنبوغهن وذكائهن استطعن أن يحفرن أسمائهن في التاريخ، ويحققن المساواة، ليكن مثلهن مثل الرجل في العمل والتعليم والكفاح، فبفضل بطولتهن وإنجازتهن أصبحن خير مثال يُحتذى به، لكفاح المرأة في الحياة والنضال.
تمتعت بروح المغامرة والإكتشاف، تمنت أن تصبح من ضمن النساء اللذين نجحوا في تقلُد المناصب مثل الرجال، حققت حلمها وأصبحت واحدة منهن لتصبح أول امرأة تطير إلى المحيط الأطلسي، وأول من يعبر الولايات المتحدة بطائرة أوتوجيرو، وأول امرأة تحصل على صليب الطيران المتميز، إنها رائدة الطيران الاميركي "أميليا إيرهارت".
أميليا إيرهارت
وُلدت أميليا إيرهارت في 24 يوليو 1897، في أتشيسون بكانساس، كانت "ميلي" كما كان يُطلق عليها في طفولتها من قبل جدتها ذات روح قيادية، بخلاف شقيقتها الصغرى المطيعة، كما تمتعت بروح المغامرة والاستكشاف، فكانت العابها بالنسبة لها كفتاة تعتبر صبيانية كتسلق الأشجار وتصيد الفئران بالبندقية وتتزلج.
وبدأت رحلة حبها للطيران منذ الصغر، فصنعت أول سلم طائرة يدويًا بمساعدة عمها، كما خرجت ذات مرة بصندوق خشبي مكسور كان يستخدم في التزلج، أصيبت ببعض الكدمات في شفتيها، مع تمزق ثوبها، ولكن تغلب شعورها بالفرحة على الأليم وقالت لشقيقتها: "هذا يشبه الطيران"، وجاءت تلك الفكرة لها بعدما رأت المزلجة الحلزونية أثناء رحلتها إلى سانت لويس واحتفظت بها فوق سطح غرفة التخزين في حديقة المنزل.
انتقل والدها إلى ولاية ايوا فكان يعمل ضابط المطالبات في السكة الحديد، وهناك رأت "أميليا" الطائرة لأول مرة، فشجعها والدها لتقوم برحلة هي وشقيقتها على متن الطائرة، ولكن لم تكن الرحلة مثيرة بالنسبة لها حيث وصفت الطائرة بأنها: "شيء غير ممتع من الاسلاك والخشب".
زارات "أميليا" وصديقتها المعرض الجوي الذي عقد بالتزامن مع المعرض الوطني الكندي في تورنتو، وحينما نظرت للطائرة شعرت بمزيج من الفرحة والخوف، وشعؤت بشعور يجذبها نحوها فقالت: "لم أفهم ذلك حينها، ولكنني أعتقد أن الطائرة الصغيرة الحمراء قالت لي شيئا".
وأثناء زيارة لها أخرى مع والدها لمهبطاً للطائرات قابلت فرانك هوكس المشهور بسباقات الطائرات وعرض عليها ركوب الطائرة، وارتفعت مسافة مئتين أو ثلاثمئة قدم عن الأرض، واستغرقت الرحلة 10 دقائق، واتخذت القرار الذي غير حياتها وهو تعلم الطيران.
عملت "أميليا" بكافة طاقتها لتوفر المبلغ المناسب لتعلم الطيران، ثم اشترت طائرة مستعمل أطلقت عليها "الكناري"، وحققت حلمها وأصبحت المرأة رقم 16 في العالم التي تصدر رخصة قيادة طائرة، وذلك بعدما حلقت إيرهارت بطائرتها Airster 14,000 قدم "4,300 م"، محققة رقمًا قياسيًا عالميًا جديدًا للطيارين من الإناث.
وبعد ذلك النجاح المبهر وصفتها صحيفة بوسطن غلوب بأنها "واحدة من أفضل الطيارين النساء في الولايات المتحدة"، ولكن جاء رأي خبراء الطيران معاكس لذالك مما اصابها بالإحباط ولكنها لم تيأس واصلت الطيران لما يقرب من 500 ساعة بمفردها وحققت نجاحًا أخر مذهلًا.
أصبحت "إيرهارت" عضوًا في جمعية الطيران الاميركية في بوسطن، وتم انتخابها نائبا للرئيس، واستثمرت مبلغا صغيرا من المال في مطار دينيسون، كما عملت مندوبا لمبيعات طائرات Kinner في بوسطن.
حلقت "إيرهارت" بطائرتها عبر المحيط الأطلسي لتكن مثل تشارلز ليندبيرغ، قابلت العديد من العوائق أثناء رحلتها كهبوب رياح شمالية قوية، وظروف جليدية ومشاكل ميكانيكية، استمرت الرحلة 14 ساعة و 56 دقيقة، حتى هبطت في المراعي في كولمور، شمال ديري بأيرلندا الشمالية، وشهد هذا الهبوط الملك سيسيل وكذلك تي. سوير، ثم حصلت على صليب الطيران الفخري من الكونغرس، وووسام الشرف من الحكومة الفرنسية، والميدالية الذهبية من الجمعية الجغرافية الوطنية من الرئيس هربرت هوفر.
قامت "إيرهارت" برحلة أخرى عبر الولايات المتحدة، ثم عملت لتعزيز فرص المرأة في مجال الطيران ، والتي كان مجالًا للذكور فقط، ثم أصبحت أول رئيسة لـ "تسعين ناينز" ، وهي منظمة تأسست في عام 1929 للترويج لتقدم الطيران ولإلهام المزيد من النساء ليصبحن طيارين.
بدأت "إيرهارت" التخطيط لجولة حول العالم، وأجرت محاولة أولى في مارس عام 1937 ، ولكن تم إحباط الرحلة بسبب الصعوبات الفنية، ثم قامت بمحاولتها الثانية في يونيو 1937 وخلال شهر واحد وصلت إلى غينيا الجديدة في طائرتها إليكترا.
انطقلت مع ملاحها فريد نونان إلى جزيرة هاولاند تقع في المحيط الهادئ على بعد حوالي 1500 ميل، واستقرت السفينة المغادرة من غينيا الجديدة، انقطع الاتصال الاسلكي بين إيرهارت وخفر السواحل الأمريكي، حتى فقدت "أميليا" ولم يتم العثور على أي أثر للكترا، وظل اللغز مثار حول اختفاءهم، ولكن أعلن عن مقتلها في 5 يناير 1939.