السبت 7 سبتمبر 2024

الهروب من نار الصيف إلى جنة القراءة

مقالات15-8-2024 | 14:33

أدب الصيف مصطلح ملتبس في تفسيره، يطرح حوله العديد من الأسئلة، يجب علينا أن نجد لها أجوبة، تبدد حيرتنا أمامه. 

ماذا يعني أدب الصيف؟ هل هو الأدب المكتوب عن الصيف؟ وما أكثره على مر تاريخنا الأدبي سواء أكان أدبًا عالميًا أو عربيًا.

هل هو الأدب الذي يُقبل عليه القراء في فصل الصيف دون غيره؟ وإن كان هذا التفسير هو المقصود، أرى أنه مصطلح أو تعبير غير دقيق، الأصوب أن نسميه القراءات الصيفية، بمعنى القراءات التي تحوز اهتمامات العامة صيفًا بما لها من خصائص معينة.

ولماذا الصيف دون غيره من الفصول؟ 

إذا كان الربيع يمثل البهجة والحياة والشباب، فإن الصيف هو وقت النمو والوصول إلى مرحلة البلوغ. تعج هذه المرحلة بالكثير من المشاعر المضطربة في العديد من النصوص الأدبية وتشهد فترة شهور الصيف التفاعلات الأولى للشخصية القصصية مع الحب والخسارة في كثير من الأعمال الأدبية.

فمن عصر شكسبير إلى العصر الحديث، يوسم هذا الموسم بـ "صيف الحب". عادة ما تبدأ الرومانسية في ذروة الصيف بالنسبة للعديد من الشخصيات القصصية والروائية، فالحرارة والطقس المشرق يرمزان إلى الفرح والسعادة، وعادة ما يشير تغير الفصول إلى ضدان إما أن يصبح الحب أكثر جدية ونضجًا أو أن  يتلاشى وينتهي.

 الصيف هو الوقت الأكثر سخونة في السنة في العديد من بلدان العالم، ومع ارتفاع درجة الحرارة وبشكل مجازي من خلال الكتابات الأدبية، تتصاعد حرارة التوترات، وتجد العديد من الشخصيات نفسها منخرطة في علاقات حب عاطفية، ومعه أيضا يمكن أن تنطلق أفكار أخرى مثل تحقيق النجاح الأكاديمي أو المالي.

وخلال فصل الصيف يستمتع العديد من الأشخاص بأوقات الفراغ، حيث إجازات العمل السنوية والإجازات المدرسية الطويلة، التي تحفل بالكثير من المغامرات، والرحلات الممتعة إلى المصايف والمنتجعات.

أذكر الكثير من الأعمال التي كتبت عن أو تحمل في عناوينها مفردة الصيف لعل أشهرها في الأدب العالمي رواية ويليام شكسبير حلم ليلة صيف، تدور أحداثها في يوم صيفي قائظ يتلاعب فيها الجن بقلوب البشر، ولألبير كامو كتابان الأول الصيف  فيه مجموعة من النصوص تحكي عن بعض ذكرياته في الجزائر وارتباطه بأماكنها وأهلها بدءًا من الجزائر المدينة ووهران والصحراء هناك لينتهي في اليونان مستعيدًا بعضًا من معالم الأساطير الإغريقية والكتاب الثاني روايته الشهيرة الغريبة التي لا يرتكب فيها البطل جريمته إلا في وهج شمس الصيف، ولألبير كامو مقولة معبرة عن حبه وشغفه بالصيف "أدركت أخيرًا في وسط الشتاء أن في قلبي دومًا صيفًا لا يزول".

ورواية الصيف الجميل للروائي الإيطالي الكبير تشيزره بافيزه وتحكى قصة جينيا، فتاة ساذجة تعمل في محل خياطة، تجتاز ذات صيف فترة المراهقة وتدخل في مرحلة الشباب وصخبه وعوالمه المليئة بالمغامرات والأسرار. تتعرف على إميليا، أكبر منها سنًا، وأكثر خبرة في العلاقات الاجتماعية، وتعمل موديل للرسامين.

وهناك قائمة طويلة جدًا من الروايات العالمية مثل: صيف بارد جدًا لروي ياكوبسين، العاشرة والنصف ليلًا في الصيف للروائية الفرنسية مارجريت دوراس، وصوب المغارة للروائية البريطانية فرجينيا وولف، ولو رُويَ لي الصيف للبريطانية أيضا إديث وورتون، وقصة زهرة الصيف للكاتب الياباني تاميكي هارا وغيرها ومن الروايات الكثير.   

أما في الأدب العربي أصدر طه حسين عام 1933م كتابه "في الصيف" يقول فيه: "أن يجد المرء وقتاً تزهو فيه روحه"، يضم الكتاب خليطًا من اليوميات والذكريات والتعليقات الحرة، ثم أصدر عام 1959م مجددًا كتابًا آخر هو "من لغو الصيف" جمع فيه بعضًا من المقالات، حمل إحداها عنوان "من لغو الصيف إلى جد الشتاء"، يقول فيها: "وفي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها فتوشك أن تنام".

ومن ينسى قصة إحسان عبدالقدوس البنات والصيف يحكي فيها عن الجموح والعلاقات العابرة والعواطف من خلال مجموعة من البنات في المصيف وتأتي أمثلة أخرى لروايات عربية: في الصيف السابع والستين لإبراهيم عبدالمجيد، وهج الصيف لأسامة أنور عكاشة، في الصيف والخريف فقط لمحمود عبدالغني، وأمطار صيفية لأحمد القرملاوي وغيرها.

انتقل إلى الجانب الآخر من الموضوع الخاص بأدب الصيف والذي يخص القارئ وليس الكاتب، وإن كان بعض الكُتَّاب يعنون بهذه الكتابة الموجهة لفصيل معين من القراء.

فهل هناك بالفعل قراءات للصيف دون غيره من الفصول؟

ولماذا لا نقول قراءات للشتاء أو الربيع أو الخريف؟

بالنسبة لي أو لأي قارئ متخصص لن يجد فارقًا بين نوع معين من القراءة وآخر، الأهم أن يجد الكتاب الجيد والمناسب لاهتماماته، لا يضع في حساباته وقتًا معينًا لقراءته، قيمة المحتوى تأتي قبل أي اعتبارات أخرى.

ولأن عادات القراءة تختلف من قارئ إلى آخر وكذلك قد تختلف من وقت إلى آخر، فما يلائم القراءة في الصيف قد يختلف عن بقية فصول السنة، وذلك بالرغم من أنه ليس جريمة أن يقرأ الشخص ما يريد وقتما يريد. 

في فصل الصيف يطول النهار وترتفع درجة الحرارة، ويصبح الهواء ثقيلًا، والجو خانقًا، ويكون العقل غير مؤهل لاستقبال قراءة الكتب الجادة أو المتعمقة، مما أدى إلى ظهور مصطلح أدب الصيف أو أدب العطلات أو أدب الشاطئ، وكما أن هناك أفلام الصيف وأغاني الصيف، هناك أيضًا موسم القراءة الصيفية، حيث يرتبط هذا المصطلح ارتباطًا وثيقًا بالكتب الأكثر مبيعًا، وبالقراءات التي تناسب المرأة خاصة، ويندرج تحت هذا المسمى عددًا من الكتب الخفيفة، والأكثر متعة لذلك تطالعنا بعض المواقع كل صيف بترشيح قائمة للكتب المفضلة للقراءة من وجهة نظرها، وتشمل هذه القائمة المذكرات والتاريخ والسيرة الذاتية وبعض دواوين الشعر، وروايات رومانسية وخيالية وكتب المغامرات والروايات الغامضة المليئة بالألغاز وأدب السفر والرحلات، وكتب عن الحدائق والزهور والطيور، وبعض الكتب ذات الرسوم التوضيحية أو المصورة، وأرى أن كثيرًا من هذه الكتب والتي تُقرأ سريعًا، تذهب سريعًا دون أن تترك أي أثر في عقل القارئ.

السؤال التالي المطروح من أجل الإجابة عنه: 

هل تفضل قراءة صيفية قصيرة أو قراءة صيفية طويلة؟

هناك من يرى أنه ليس لديه الطاقة في هذا الجو الخانق لقراءة عدد كبير من الصفحات، وآخر يرى أن هناك في وقت العطلة متسع من الوقت لقراءات مطولة، لن تتاح له الفرصة لقراءتها في أي وقت آخر من العام.

  إن ظاهرة أدب الصيف تاريخيًا جديدة إلى حد ما، نشأت فكرة قراءة أنواع مختلفة من الأدب في أوقات مختلفة من العام إلى قرون مضت على سبيل المثال "حكاية الشتاء" لوليام شكسبير، لكن القراءة الصيفية كما نعرفها الآن ظهرت في الولايات المتحدة في منتصف القرن التاسع عشر، تدعمها عدة عوامل منها علو نجم الطبقة المتوسطة، والابتكارات الحديثة في مجال نشر الكتب، وتزايد عدد القراء المتحمسين، وخاصة من النساء، وتزامن هذا الارتفاع في معدل القراءة الصيفية مع بزوغ تقليد العطلة الصيفية وخصوصًا لطلبة المدارس والجامعات وبعض العمال والموظفين، التي ينتظرها الجميع بشغف من العام للعام، لينالوا قسطًا من الراحة والاسترخاء مع كتاب خفيف يقلبون صفحاته بمتعة فوق رمال الشاطئ وعلى صوت الأمواج المتكسرة، هذه الكتب التي لا يحبذونها بعيدًا عن حرارة الجو المرتفعة في الأشهر الباردة أو الدافئة، وتندرج هذه الفئة من الكتب تحت مسمى الأدب التجاري. 

متى ظهر مصطلح قراءة الشاطئ؟

بالبحث وجد أنه ذكر في أحد الدوريات الأدبية الأمريكية سنة 1990 وإن لم يُعرف من أطلقه أو صاغه بالضبط وذلك وفقًا لمقال نشرته مكتبة لوس أنجلوس العامة.

وحسب ما كتبت مجلة "بوك ريفيو" في مقدمة عدد القراءة الصيفي لعام 1898 إنه كان من السهل التعرف على الرواية الصيفية الأمريكية، التي بدأت في الظهور في ستينيات القرن التاسع عشر، وانتشرت بعد ذلك، من خلال بعض الخصائص الرئيسية- والتي قد يبدو الكثير منها مألوفًا للقراء اليوم وذلك على مدار فصل الصيف، سواء كان هذا في منتجع سياحي أو فندق كبير، لوحظ أن حبكة الرواية كانت مخصصة للعشاق، تهدف إلى إثاراتهم، ووصف اضطراباتهم، والأحداث التي تقع لهم، والإشادة بانتصاراتهم، والتي غالبًا ما تنتهي نهاية سعيدة كالخطوبة أو الزواج.

 وعادة ما تتميز هذه الروايات بغلافها المصنوع من الورق اللامع بمشهد صيفي رومانسي وعنوان جذاب ذو ألوان براقة، مع استنساخ صورة فوتوغرافية لوجه جميل يزين واجهة الكتاب، كل هذه السمات تعطي الجدارة لرواية صيفية ناجحة وعلى جمهور القراء القيام  بباقي المهمة.

إن أدب الصيف أو قراءة الشاطئ لا تستدعي التفكير في مشاكل العالم ومعرفة الأخبار المحبطة الدائرة في كل مكان أو التعايش مع المعاناة الإنسانية بل يقدم استراحة من عناء الحياة اليومية ويطرح حالة من الاسترخاء، تطغى على كل ما يحيط بالقارئ من توتر، وغالبًا ما تركز على رسم الشخصيات وصناعة الحبكة القصصية بدلًا من اللغة المنمقة والأفكار والقضايا العميقة، والموضوعات الثقيلة، باختصار كتب غير جادة، وأحيانًا تافهة لا تحتاج أن يضيع القارئ وقته في التفكير فيها، كل غايتها أن يهرب فيها القارئ من همومه وضغوطات الحياة، حيث يوجد في الغرب مسمى معروف بـ" كتب الشاطئ" تضم تحتها عناوين فرعية مثل كتب الفتيات وكتب النساء، وعادة ما تسير كتب قراءة الشاطئ جنبًا إلى جنب مع النجاح التجاري والكتب الأكثر مبيعًا.

عندي قناعة كبيرة أن الصيف مثل أي وقت آخر، هو وقت مناسب للكتب الجيدة، ووقت جيد بخاصة للكتب الطويلة التي يحتاج  القارئ أن يقرأها بتمهل، ودون عجلة، ويقضي معها وقتا طيبًا، لا يدفعه نحوها سوى رغبته في القراءة.