الإثنين 19 اغسطس 2024

المدينة التي عصت على الإسكندر.. تيرميسوس

أطلال مدينة تيرميسوس

ثقافة19-8-2024 | 09:05

إسلام علي

يقع موقع كارابونار كيوي على بُعد حوالي عشرين كيلومترًا من أنطاليا، في منتزه جولوك داغي الوطني، وهو الذي يحتضن الموقع الأثري تيرميسوس في تركيا، ويتميز هذا الموقع بوجود بقايا مدينة تيرميسوس القديمة المحفوظة بشكل جيد حتى الآن، وهي مدينة حصينة تعود أساطير تأسيسها إلى البطل الهوميري بيلروفون.

وتقع المدينة التي على ارتفاع يتجاوز الألف متر فوق مستوى سطح البحر، وتحيط بها الجبال، مما جعلها منيعة وساعدها على السيطرة على منطقة بيسيديا، والموقع  بفضل طبيعته الوعرة، لم يكن فقط ملاذًا للهروب من حصار الإسكندر الأكبر الفاشل عام 333 قبل الميلاد، ولكنه أيضًا حال دون تعرضه للسياحة الجماعية، مما ساهم في الحفاظ على الآثار وجعلها واحدة من أفضل المواقع القديمة المحفوظة في تركيا.

تقع تيرميسوس على منحدر جبل جولوك "الذي كان يعرف سابقًا باسم سوليمو"، وهي قمة ترتفع إلى 1600 متر، وتنتمي إلى سلسلة جبال طوروس حيث تقع بوابات كيليكيا الشهيرة، وهو ممر جبلي استراتيجي يربط الهضبة الداخلية بالساحل.

مدينة تيرميسوس 

وكانت بوابات كيليكيا تستخدم منذ القدم في الحملات العسكرية، من حملة العشرة آلاف التي وصفها زينوفون في كتابه "أناباسيس"، إلى حملة الإسكندر المذكورة سابقاً، وكذلك الحملة الصليبية الأولى، كما مر بولس الطرسوسي من هناك في رحلته إلى غلاطية.

وكانت تيرميسوس على طريق جبلي ضيق، يسهل الدفاع عنه بعدد قليل من الرجال، مما زاد من أهميتها كمعقل للدفاع والتحكم في الاتصالات بين بيسيديا وبامفيليا وليكيا. 

كان سكانها الأوائل، السُوليميون "الاسم مشتق من الإله الأناضولي سوليموس"، من البيسيديين وربما من نسل اللوفيين، وكانوا يعملون في تربية الماشية وزراعة الزيتون، إلى جانب القيام بأعمال اللصوصية، مما أكسبهم سمعة سيئة.

ذكرهم هوميروس في "الإلياذة" في سياق أسطورة بيلروفون، البطل الكورنثي الذي اشتهر بترويض الحصان المجنح بيجاسوس وقتل الوحش الكيميرا.

تاريخ تيرميسوس الحقيقي يبدأ عندما حاول الإسكندر الأكبر، خلال غزوه للإمبراطورية الفارسية، الاستيلاء على منطقة ميلياس، ووفقًا لسترابو، كان الإسكندر بحاجة إلى تأمين مرور قواته عبر الممرات الجبلية، ولكن بدلاً من تدمير تيرميسوس، قرر الإسكندر تجاوزها بسبب صعوبة الاستيلاء عليها.

وشهدت تيرميسوس أيضًا أحداثًا مهمة بعد وفاة الإسكندر، ففي عام 319 قبل الميلاد، لجأ إليها ألكيتاس، شقيق بيرديكاس، بعد هزيمته من قبل أنتيجونوس الأول مونوفثالموس، وانقسم أهل تيرميسوس حول دعمه، وانتهى الأمر بانتحار ألكيتاس وتدنيس جثته من قبل أنتيجونوس.

ورغم الصراعات، ازدهرت تيرميسوس وأصبحت تحت التأثير اليوناني، ففي القرن الثاني قبل الميلاد، تأسست مدينة تحمل نفس الاسم، تيرميسوس الصغرى، واستمرت الحروب مع الجيران مثل ليقيا وإيسيندا وسيلجي، تحالفت تيرميسوس مع روما، وحصلت على استقلال واسع النطاق، وازدهرت اقتصاديًا وأصبحت مقرًا أسقفيًا.

لكن الأمور ساءت في القرن الخامس الميلادي بعد أن دمر زلزال المدينة وألحق أضرارًا بالقناة المائية، مما أجبر السكان على هجرها، هذا الهجر المفاجئ ساهم في الحفاظ الممتاز على العمارة الحالية للمدينة، وذلك طبقا لما نشرته موقع La Brújula Verde  التابع لمجلة الإستقلال الثقافية.