أيام وتحل ذكرى الناقد الراحل دكتور محسن مصيلحي، الكاتب المسرحي المبدع الذي قدم العديد من المسرحيات الوطنية في مقدمتها "اللى بنى مصر" وهو عرض مسرحي يُنمى روح الوطنية بشكل فانتازيا حول اختفاء تمثال طلعت حرب.
رحمة الله عليه فهو حقا شهيد عمل بعد أن فاضت روحه إثر اندلاع حريق مسرح بني سويف، تعايشت فترة طويلة من الحزن والصدمة، فقد كان صديق مقرب وكنت حريص علي حضور أغلب أعماله ليس بدافع العمل الثقافي والنقد، بل كنت استمتع برؤيته وبكتاباته، ساعتين من المتعة وهي مدة العرض المسرحي، ساعتين تشبع العقل وتسعد العين وتضحك الفم، قدم مصيلحي عروضاً للتاريخ ومنها "عصفور خايف يطير"، "اللي بني مصر"، "درب عسكر" و "تحيا مصر".
كان كاتب من طرز فريد، كان قلمه دوماً صاحب رؤية مستقبليه في كل إبداعاته.
والغريب إنه تنبأ بالحدث المأسوي، ومنذ أكثر من ١٥ عاماً شاهدت له إحدى العروض على مسرح الجامعة الأمريكية بعنوان "مانيكان" وكان أبطاله طلبة الجامعة وكان أخر ما كتب الدكتور محسن مصيلحي، الذي رحل عن عالمنا إثر حادث حريق مسرح بني سويف في تلك اليوم الحزين.
تناول " مانيكان" حياة فتاة تعمل منسقة فتارين "فاتريينيست" بلغة العصر في أحد محلات وسط البلد يمر بها العمر لتكتشف فجأه إنها بلغت مرحلة حرجة من عمرها دون زواج وتضاءلت فرصتها في العثور حتى على عمل مرموق يحقق لها الأمان والكرامة فهي لم ترضى وأن تصبح عاملة ملابس حتى سن التقاعد، ظلت في عملها رغم قلة راتبها توافق على شروط صاحب المحل في توضيب فاترينة المحل في ساعة واحدة، وتبدأ أحداث المسرحية في التصاعد حتى يشطح خيال فتاة الفاترينة "نوسه" حول المُلابسات والظروف التي أودت بها لوضعها الحالي المُعقد.
عرض يقودك في ثلاث عقود زمنية وصلات وأماكن زمنية مختلفة، الزمن الأول الواقع والثاني الخيال، والثالث الوهم الذي تعيشة نوسه مع مانيكات أخريات هرباً من الواقع المرير الذي يشعرها بالوحدة الشديدة والعجز، ففي الوقت التي تتمني هي وأن ترتدي ملابس معينة لا تستطيع وتجد نفسها تزين بملابس أحلامها عرائس من الشمع أحلامها أصبحت عُرضه على أحد المانيكانات.
لا أريد التمعن في مأساة الحريق الذي توفى على أثره أكثر من مبدع، ولكن سيظل دكتور مصيلحي خالداً بأعماله الوطنية، وما تركة من إبداعات قليلة ستظل حية وستظل عروضه مادة تُدرس خاصة وإنها تعتمد بالدرجة الأولى على التمثيل، رحم الله شهيد بني سويف فقد جف قلمه ولكن ستظل عروضه الوطنية رسالة حب للوطن.