الجمعة 23 اغسطس 2024

أدباء نوبل| «روجيه مارتن دو جار» أبرز الروائيين الفرنسيين المُحدثين

روجيه مارتن دي دجار

ثقافة23-8-2024 | 17:01

همت مصطفى

تعد جائزة «نوبل»، أشهر جائزة عالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب من الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.

ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.

ونلتقي اليوم مع  الأديب الفرنسي روجيه مارتان دو جار

 

«روجيه مارتن دي جار» هو من أبرز الروائيين الفرنسيين المحدثين، ولد في 23 مارس 1881 ولد في نويي قرب العاصمة الفرنسية باريس وهو سليل أسرة من رجال القانون والمال.

بداية الرحلة 

ظهرت موهبة «مارتن دي جار» الأدبية منذ طفولته ، حيث قام والده بإرساله إلى الأستاذ لويس ميلّيريو عام 1896 الذي علّمه كيف يكون الكاتب بنّاءً ومبدعا،  ولم يوفق بعد الثانوية في الحصول على إجازة في الآداب، فدخل « مارتن دي جار» مدرسة شارت  ودرس علم قراءة الكتابات القديمة وتخرج عام 1905م مكتسبا المنهجية العلمية والمعرفة، وقرأ لـ تولستوي وخاصة روايته «الحرب والسلام»، جعلته  يتجه  نحو كتابة الرواية، فشرع بعد زواجه عام 1906م في كتابة «حياة قديس»، سيرة ذاتية لم ينجزها؛ مما أثار مخاوفه من اضطرابات عصبية، وشكوكه في مَلكته الفكرية فلجأ إلى استشارات طبية، وعندما اطمأن إلىطريقه ووضعه النفسي كتب «الصيرورة» 1908م،   وقرر أن يعيش في الأرياف، علّ الطبيعة الخلابة حتى تزيده إبداعا،  وكتب روايته «جان باروا»  1913م، وأيضاً كتب  مسرحية هزلية في إطار ريفي بعنوان «وصية الأب لولو». 

 

 

كان «مارتن دي جار»  يحب المسرح فاعتمد أسلوبه في وضع لقطات ومشاهد يربطها حوار، وعندما وجد تحفظاً لدى القراء عدل عن الاقتداء بالنص المسرحي.

 

تفرغ «مارتن دي جار» بعد عودته من الحرب العالمية الأولى ، حيث كان عسكريا عام 1920م لوضع تصور كامل لروايته «آل تيبو» وهي رواية من ثمانية أجزاء شُبّهت بالنهر بتعرجاته، إذ تتقاطع فيها شخصيات وطبائع مختلفة في لوحة عن البرجوازية الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر، مع تحليل لمصيرها على المستويين الجماعي والفردي.

 

رواية  «آل تيبو» في 15 عامًا

 

استغرق « مارتن دي جار» في  كتابة رواية  «آل تيبو» ما يزيد على خمسة عشر عامًا (1920م- 1937م)، وهي تحكي قصة شقيقين مختلفين طباعًا وخُلقا،  ويطرح الكاتب موضوع الارتداد الوراثي وما يخلّفه من طبائع. فأنطوان الشقيق الأكبر الذي ورث من والده الحزم والاستقامة والكبرياء طبيب مناوب في إحدى المستشفيات، أما جاك فكان متمردًا، طائشاً ومتهورا إلى درجة الهروب - وهو في الرابعة عشرة - من المنزل مع صديق له، فوقع في سجن إصلاح والده الذي لم يرحمه على الرغم من توسّل أنطوان للصفح عنه، ويمضي زمنٌ ويزداد الطبيب ألقا وشهرة وينساق جاك خلف أهوائه ويعيش قصة حب ويتطوع في الحركة الثورية، ثم يُقتل بتهمة التجسس،  ومن المشاهد المؤثرة في الرواية لحظة احتضار الوالد وإسراع الشقيقين في أداء واجبهما ومراسم الجنازة لكثرة مشاغلهما. وكذلك مشهد أنطوان في وقفة مع الذات مستخلصاً أن ذاك الإنسان الذي كان قابعاً في داخله مات منذ أن زاول مهنته، فتفكيره محاصر داخل إطار عمله.

 

وكان الكاتب قد وصفه في أحد المشاهد عندما جاءه إلى عتبة عيادته صبيّان يستصرخه أحدهما لمساعدة شقيقه الذي يشكو خُرّاجاً، فكان ردّه للوهلة الأولى «من أرسلكما؟، ولماذا لا تتوجهان إلى مستوصف الإحسان القريب؟» وتردد أنطوان وتلعثم قبل تقديم المعالجة الضرورية،  وقد أراد الكاتب أن يقول إن استقامة أنطوان زادت شخصه فقط شهرة ومنفعة، أما فعل الخير والإحسان فكان بعيداً جداً عن تفكيره، وشخصية الكاتب غائبة لا حضور لها في الحبكة الروائية، فتأثره بالمذهب الطبيعي، وصداقته المتينة التي ربطته ب«أندريه جيد» كان لهما دور كبير في أسلوب كتابته، فهو يهدف إلى قول الحقيقة واصفاً الواقع الاجتماعي بين عامي 1920- 1940، ويطرح مسائل شغلت تفكير جيل بكامله، مثل العدالة وتعارض المشاعر والمصالح والقدر وسرّ الموت.

 

كان «مارتن دي جار» دقيقا في وصفه علميًا في أسلوبه لايترك شيئا للمصادفة،  وكانت شخصياته وطريقة تفكيرها تتقدم على التقانات الروائية، فهدف الكلمة هو الإظهار لا الظهور وبالتالي تخلو كتاباته من الصور المجازية، وعندما أنهى الجزء الأخير من روايته مُنح جائزة نوبل للأدب عام 1937م  وذلك  من أجل «القوة الفنية والحقيقة التي صور بها الصراع البشري وكذلك بعض الجوانب الأساسية للحياة المعاصرة في روايته «آل تيبو»

 

وبعد نوبل عندئذٍ خرج «مارتن روجيه دي جار» من عزلته وسافر إلى السويد والدنمارك وألمانيا والنمسا ووصل في سفرياته إلى جزر الأنتيل ومنها المارتينيك.

 

و من مـؤلفات «مارتن دي جار»  الأخرى أقـصوصة «بـوحٌ إفـريقي»  1931م ، ودراما من ثـلاثة فصـول «الصَـمُوت»  1931م  كما جمع صورا ريفية تحت عنوان «فرنسا القديمة»  1933م.

 

 مذهب العرفان عند  مارتن دي جار

 

لم يشهد «مارتان دي جار» لحظة هدوء أو سكينة في حياته، فقد كان من ذوي الفكر اللاغُنوصي أو اللاأدري« مذهب العرفان» يؤلمه عدم قدرة العقل على المعرفة، ويفكر دائما في اعتداد البشرية بنفسها وبحتمية زوالها، و دفعه هاجسه لقول الحقيقة إلى كتابة سيرته الذاتية والأدبية وما تخللهما من صعوبات وثغرات بوضوح وتواضع لا نظير لهما، وقدمها بنفسه إلى دار نشر البلياد عام 1955م قبل وفاته بثلاث سنوات.

 

وتوفي «مارتان دي جار» في  22 أغسطس 1958 م ، في بيليم  في منطقة النورماندي بفرنسا.