السبت 7 سبتمبر 2024

البيومي إسماعيل الشربيني: باب زويلة تاريخ مضطرب من الشنق والصلب وتعليق الرؤوس

غلاف الكتاب

ثقافة26-8-2024 | 19:43

دعاء برعي

اقتبس العرب ظاهرة أبواب المدن من الجغرافيا المحيطة بهم، إذ وجدوا للوديان أبوابا أو منابع ومصبات، ووجدوا للبحار أبوابًا وفتحات يقال لها المضايق. وعلى غرار ذلك أقام العرب مدنهم وأحاطوها بأسوار عالية تتخللها أبواب" وذلك بدوافع أمنية في المقام الأول؛ لكي تغلق ليلا أو وقت وقوع هجمات خارجية أو اضطرابات داخلية فإذا كانت هذه الأبواب تؤدي وظيفة " فذلك هو الغرض من إقامتها أما أنها تستخدم كساحة لتنفيذ حكم الإعدام فهذا من مستجدات السياسة المصرية خلال العصور الوسطى ومطلع العصور الحديثة والمعاصرة.

 

من هذا المنطلق ناقش د.البيومي إسماعيل الشربيني أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب، جامعة دمياط موضوع دراسته التي عنونها بـ "شنقى باب زويلة" والصادرة حديثًا عن دار سنابل للنشر والتوزيع.

 

وذكر الشربيني في دراسته أن عمليات الشنق والتوسيط والتسمير والصلب وتعليق الرؤوس التي جرت عند باب زويلة بالقاهرة كانت مثار أسئلة عدة لديه مثلت حافزًا وهدفًا للخوض في هذا الموضوع لكشف الكثير من غوامضه معتمدًا في ذلك على المنهج التاريخي منهجًا أساسيًا، إلى جانب منهج المسح في جمع البيانات بوسائله ودراساته الوصفية والتحليلية. وقد أسفر ذلك عن إعداد جداول إحصائية بمن ورد ذكرهم في المصادر التاريخية ممن عوقبوا على باب زويلة، وقد اشتمل هذا الإحصاء على أعداد وأسماء الشنقى في فترات موضوع الدراسة، وبيان وظائفهم، وجنسياتهم. وسنة العقوبة، واسم الحاكم آن ذاك وسبب العقوبة ونوعها، وبيان حالة المعاقب وقت التنفيذ من حيث كونه حيًا أم مقتولًا، وكذلك المدة التي استغرقها المعاقب معلقًا على الباب باليوم، ثم التوضيح إذا ما كان المعاقب قد علق كاملًا أم بعض أعضائه، ليختك هذا الإحصاء بتوضيح مصير الشخص أو أعضائه بعد انقضاء مدة العقوبة، وماذا فعل به: هل بيع، أم دفن كما ينبغي أم أحرق؟ أم ألقي في مصارف الصرف الصحي، أم غير ذلك؟

 

يقول أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية حول دوافع تناوله هذه الدراسة: "إذا كانت كل هذه العقوبات من أبجديات تعامل سلطات الحكم غير العادل في الدولة مع رعاياها، فلماذا وقع الاختيار على باب زويلة بالتحديد للتمثيل بجثث الخصوم أو المعاقبين؟ وما هي الأسباب وراء توقيع هذه العقوبات؟ وهل عمليات الشنق والصلب هذه كانت بداية عقوبة أم نهاية لها؟ وهل كانت هناك استثناءات حصل عليها بعض المعاقبين أفلتت رقبتهم من حبل المشنقة؟ وهل كل من شنق على هذا الباب كان مصريًا أم كانت هناك جنسيات أخرى؟ ثم ما السلطة المنوط بها لتنفيذ هذه العقوبات؟ وما موقف العامة من هؤلاء الممثل بهم؟ وهل ترتب على تنفيذ هذه الأحكام نتائج معينة؟ ونظرًا لأهمية هذا الموضوع وطرافته وعدم استيفاء جوانبه نصيبها من البحث والدراسة، أقدمت على اختياره مجالا لهذا الكتاب وأسميته (شنقى باب زويلة) وقد هدفت من وراء هذا الاختيار مناقشة مجموعة من النقاط تستجلي جوانبه وتلقي الضوء على هؤلاء المحكوم عليهم من خلال وظائفهم وجنسياتهم، وماذا حدث معهم".

 

واستعرض تمهيد موضوع هذه الدراسة السور الذي بناه جوهر الصقلي عندما اختط القاهرة وما به من أبواب، ثم إلى السور الذي بناه أمير الجيوش بدر الجمالي وفي إطار ذلك نشأة باب زويلة وسبب تسميتهما بذلك، بالإضافة إلى ارتباط هذا الباب بعمليات الشنق عليه عبر التاريخ، رغم تعدد أبواب أخرى بالقاهرة يمكن أن تكون بديلًا عنه في ذلك. كما تناول بعض المقتطفات تحت عناوين متفرقة وهي: "باب زويلة مصدرًا للتهديد ومأربًا لتحقيق الأماني، والشرع وقتلى باب زويلة".

 

ويسلط القسم الأول من الكتاب الضوء على شنقى باب زويلة من الفاطميين حتى نهاية عصر سلاطين المماليك، فيما يتناول القسم الثاني منه شنقى باب زويلة من الاحتلال العثماني حتى أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، ويعالج كلا القسمين التي تناولها أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية في دراسته عدة نقاط متماثلة مع اختلاف أحداث الحقبة الزمنية في ذلك.

 

 ويقوم الكتاب على نقاط مهمة يأتي منها الاتهامات التي أودت بمرتكبيها إلى باب زويلة، وتم تقسيمها إلى اتهامات سياسية واقتصادية، واجتماعية، واتهامات مجهولة السبب، وتحت كل عنوان منها جاءت عدة اتهامات. أيضًا الإجراءات التي تسبق عمليات الإعدام أو التعليق على باب زويلة، وفيها تناول الشربيني سلسلة من الإجراءات التي كانت تتبع مع المعاقبين مثل القبض عليهم ومصادرتهم، وتعذيبهم هم وحاشيتهم، وتعيين بديلًا لهم، والتشهير بهم، وإلى غير ذلك من الإجراءات والتي تنتهي بشنق المتهم. بالإضافة إلى مسؤولية إصدار حكم الإعدام على باب زويلة، وتحت هذا العنوان سلط الشربيني الضوء على السلطة المخولة بإصدار حكم الشنق أو الإعدام على باب زويلة من الخلفاء والسلاطين، وكبار الأمراء.

 

 وتضمنت النقاط المهمة للكتاب أيضًا ما أوضحه الشربيني عن مسؤولية تنفيد العقوبة على باب زويلة، والتي انحصرت في الشرطة وقبضها على المتهم؛ ثم المشاعلي وهو الشخص الذي وكل إليه تنفيذ الإعدام. وكذا استثناءات من الشنق على باب زويلة، وفيه يعرض أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية للحالات التي حصلت على استثناءات من الشنق بعد صدور أمر بمعاقبتهم، ويناقش الأسباب التي أدت إلى ذلك، ثم موقف المصريين من شنقى باب زويلة الذي يعرض لردة فعل القاهريين، تجاه الممثل بهم، وهل شمتوا بهم أم تعاطفوا معهم؟ ثم النتائج التي ترتبت على حكم الإعدام على باب زويلة إبان العصور الوسطى: وفيها رصد كامل للآثار التى تركتها عمليات المثلة على باب زويلة، ومردودها الإيجابى والسلبي على رجال الدولة والرعية.

 

وخرج موضوع الدراسة ببعض النتائج أوجزها الشربيني في ما يلي:

 -أختير باب زويلة لتنفيذ عمليات الإعدام لكونه همزة الوصل التي كانت تربط القاهرة عاصمة مصر الجديدة بعواصم مصر القديمة، ونظرًا لأهمية الموقع كان مزدحمًا على الدوام، وكان المحطة الرئيسية للمواصلات، ومن ثم تحول إلى منطقة تجارية وذات ثقل اقتصادي. ومن أجل كل هذا وغيره أختير المكان ليراه اكبر جمهور من العامة والخاصة، في دخولهم وخروجهم من وإلى القاهرة.

-كان باب زويلة يمثل المحطة الأخيرة في تنفيذ عقوبة الإعدام لمن حكم عليهم بذلك، إذ كان يسبقه إجراءات عقابية عدة مثل الضرب والمصادرة والتشهير والتجريس. واختصت الشرطة والمشاعلية بتنفيذ عمليات الإعدام على باب زويلة، وكذا التصرف في جنة المعدومين.

-لم تسجل المصادر أي تدخل من قبل العوام، لإنقاذ بعض المعاقبين، وإنما كان دور الرعية خافتًا ومحصورًا في الخروج للفرجة، وهذا دور سلبي من الرعية تجاه تجبر نظم الحكم.

-كان كل الشنقى والمعدومين على باب زويلة يغلب عليهم صفة الذكورة باستثناء حالات فردية كان ضحاياها نساء

-لم تقتصر حالات المثلة عند باب زويلة على المصريين فقط بل طالت جنسيات أخرى عديدة وجاء ترتيب المصريين بين هذه الجنسيات في المرتبة الثالثة من حيث العدد.

-مثلت الأسباب السياسية العامل الرئيسي الذي حصد رؤوس معظم قتلى باب زويلة، وبلغ عدد من مثل بهم على باب زويلة وهم قتلى و وأموات، ثلاثة أضعاف عدد من قتل في عذابات زوينة عليه وهم أحياء.

-كان متوسط مدة بقاء المشنوق أو المعدوم على باب زويلة هي ثلاثة أيام تقريبًا.

-كان أكثر من ثلثي الحالات التي مثل بها على باب زويلة، اقتصرت على تعليق الرأس فقط دون الجسد ربما لسهولة نقلها بين البلاد، وتأخر فسادها وتحللها مقارنة ببقية الجسم.

-رغم ما أحيط بعمليات الشنق والقتل والتمثيل بالمعاقبين على باب زويلة، من هالة كبرى وضجة في معظم المدن والبلاد الشامية والمصرية، إلا أن كل ذلك لم يكن له مردود عملي. ولم يحد من خروج الطامعين أو يثني المتربصين بل أقدم عليه الحكام لإشباع حاجات نفسية وللنيل من خصومهم، في حين وجدت فيه الرعية بعض السلوى والشماتة في القصاص من ظالميهم.

وفيما يتصل بالقسم الثاني، وهو شنقى باب زويلة من الاحتلال العثماني حتى أوائل القرن

التاسع الميلادي فيمكن القول:

 -ازداد ظلم المصريين وتعرضوا لنهب . قوتين : المماليك والعثمانيين معا, من خلال فرض الضرائب عليهم وعلى أرضهم، لذا لم يعر المصريون اهتماما بما يقع عند باب زويلة من عمليات بسبب تناحر تلك الفئتان على الاستئثار بخيرات البلاد.

-في الفترة العثمانية أرسلت بعض رؤوس الشنقى من علية القوم إلى الأستانة، بعد قطعها

والتشهير بها، ليتأكد السلطان من التخلص من خصومه.

-ظل باب زويلة يؤدي دوره في عمليات المثلة كسابق عهده، وإن شاركه بعض الأبواب

والأماكن الأخرى.

-جميع العمليات التي وقعت عند باب زويلة منذ بدء نشأته، تمت بمنأى عن الشرع، ولم

توقع بموجب أحكام قضائية، بل وفقًا لرؤية صاحب القرار.

- ظلت الاتهامات السياسية لها الغلبة في الإيقاع بمن يُساق إلى الباب.

- كذلك ظلت الإجراءات السابقة هي نفسها المتبعة مع المعاقبين، وكذا جهات التنفيذ

السابقة.

- لاحظنا أنه في هذه الفترة استجد موضوع التخلص من بعض الجثث، عن طريق إلقائها في النيل.

-كذلك لوحظ أنه في النظم العسكرية لو لم تشدد الدولة من قبضتها، يصبح الجند إحدى معاول الهدم فيها ويصبحون بمثابة حكومة موازية، ويستأثرون بموارد البلاد لحسابهم، وهذا يبرهن على ما ذكرناه آنفا أن سياسة المماليك والعثمانيين، كانت سياسة نهبية

استغلالية، كونهم غرباء عن البلاد وليسوا من أهله.