الجمعة 6 سبتمبر 2024

"فورين بوليسي": هجوم "كورسك" فرصة سانحة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا

قوات الجيش

عرب وعالم31-8-2024 | 10:48

دار الهلال

اعتبرت مجلة "فورين بوليسي" أن الأوضاع المرتبطة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا التي اندلعت في فبراير 2022 تغيرت عدة مرات ، فيما لم يتمكن أي مراقب خارجي حتى الآن من فهم كل شيء بشكل صحيح. معتبرة أنه من المستحيل معرفة نقطة الانهيار لكل جانب على وجه التحديد، سواء من حيث القدرات أو العزيمة، إضافة إلى أنه من الصعب التنبؤ بكيفية رد فعل الأطراف الثالثة على التطورات الجديدة بعد االذي الأوكراني على منطقة كورسك الحدودية.

وتساءلت المجلة الأمريكية عما إذا كان الهجوم المضاد المفاجئ الذي شنته أوكرانيا على منطقة كورسك الحدودية الروسية في الأسبوع الأول من شهر أغسطس نقطة تحول حاسمة في الحرب، أم أنه مجرد استعراض لا معنى له، أم خطأ استراتيجي من جانب كييف؟ وهل سيكون له تأثير على السياسة الغربية تجاه روسيا بشكل عام والحرب في أوكرانيا بشكل خاص أم لا؟

ورأت أن الهجوم على كورسك جلب لكييف بعض الفوائد لاسيما على المستوى المعنوي في مواجهة مخاوف من أنها كانت محاصرة في حرب استنزاف ضد عدو أكبر لا يمكنها هزيمته أو التفوق عليه.

كما أن الهجوم كشف عن مشاكل خطيرة في الاستخبارات الروسية ومدى جاهزيتها، وربما أحرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك على الرغم من عدم وجود أي علامة أن التوغل الأوكراني قلل من عزيمة بوتين أو أبطأ التقدم الروسي في دونباس.

وأكدت أنه رغم ما سبق إلا أنه لا يوجد سبب وجيه حتى الآن للاعتقاد بأن غزو أوكرانيا لمنطقة كورسك سيكون له تأثير إيجابي كبير على أحوالها أو التأثير على نتيجة الحرب (بالصورة المأمولة للجانب الأوكراني).

وأوضحت "فورين بوليسي" أنه في حين ظهر الهجوم كمبادرة رائعة من جانب أوكرانيا ومستوى مثير للإعجاب من السرية العملياتية، وهو ما يشبه في بعض النواحي الهجوم المضاد الناجح الأوكراني في خاركيف (ثاني أكبر مدينة أوكرانية) في خريف عام 2022، والذي حقق أيضا مفاجأة تكتيكية وواجه قوات روسية أقل عددا وعديمة الخبرة، غير أنه من المؤسف أن هذه الأحداث لا تخبرنا إلا القليل عن مدى قدرة أوكرانيا على كسب الأرض ضد الدفاعات الروسية المجهزة تجهيزا جيدا وأمام الرجال المناسبين من النوع الذي أحبط هجوم أوكرانيا المضاد قبل عام.

وعليه، فقد تنطوي عملية كورسك –وفقا للمجلة الأمريكية- على خسائر أوكرانية أكبر من الخسائر الروسية، وهي نسبة لا يمكن أن تتحملها كييف. وسيكون من الخطأ الفادح أن نستنتج أن النجاحات الأخيرة على جبهة كورسك تعني أن المساعدات الغربية الإضافية ستمكن أوكرانيا من استعادة دونباس أو شبه جزيرة القرم.

وأشارت المجلة إلى أن النقطة الأخيرة بالغة الأهمية، لأن الدولتين (روسيا وأوكرانيا) تواجهان ظروفا مختلفة تماما. فقد خسر الجانبان الكثير من القوات والمعدات، لكن أوكرانيا خسرت أراضي أكثر كثيراً.

ووفقاً للتقارير المنشورة، استولت أوكرانيا الآن على حوالي 400 ميل مربع من الأراضي الروسية وأجبرت حوالي 200 ألف روسي على إخلاء هذه المناطق. وتعادل هذه الأرقام 0.0064% من إجمالي مساحة الأراضي الروسية و0.138% من سكانها، وعلى النقيض من ذلك، تسيطر روسيا الآن على حوالي 20% من أوكرانيا، ويقال إن الحرب أجبرت ما يقرب من 35% من سكان أوكرانيا على الفرار من ديارهم. ولكن حتى لو تمكنت كييف من التمسك بالأراضي التي استولت عليها مؤخرا، فلن توفر هذه الأراضي ورقة مساومة كبيرة.

وبناء على ذلك، فإن مصير أوكرانيا سوف يتحدد في المقام الأول بما يحدث في أوكرانيا، وليس عملية كورسك، إضافة إلى مدى القدرة على الاستمرار في التضحية في ساحة المعركة، ومستوى الدعم الذي تتلقاه أوكرانيا من الآخرين، وما إذا كان من الممكن التوصل في نهاية المطاف إلى اتفاق يترك الأجزاء غير المحتلة من أوكرانيا سليمة وآمنة.

وتحقيقا لهذه الغاية، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا أن تستمرا في دعم أوكرانيا، ولكن هذا الدعم لابد وأن يقترن بجهود جادة وغير عاطفية للتفاوض على وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية في نهاية المطاف. غير أنه من المؤسف أن المسؤولين الأمريكيين يبدو أنهم نسوا كيف يمكن جعل أقرب الحلفاء يوافقون على وقف إطلاق النار، خاصة إذا كان هؤلاء الحلفاء يعتمدون على الدعم الأمريكي، ووقف إطلاق النار سيصب في مصلحة أمريكا.

وترى المجلة أن هناك دروسا يمكن استخلاصها من الهجوم على كورسك، حيث يتمثل الدرس الأول والأكثر وضوحا في التذكير بمدى محدودية نفوذ روسيا وأدائها العسكري المخيب للآمال. فمنذ عام 2022، كان الصقور في واشنطن يحاولون إقناعنا بأن بوتين عازم على استعادة الإمبراطورية الروسية وربما حتى حلف وارسو، وأن أوكرانيا كانت مجرد الخطوة الأولى قبل أن يشن هجمات جديدة على النظام القائم. ونظرا للخطوات الخاطئة المتكررة التي اتخذتها روسيا في هذه الحرب، علاوة على أن تقدمها الناجح كان يسير بخطى بطيئة للغاية، فهل لا يزال أحد يصدق أن روسيا تشكل تهديدا عسكريا خطيرا لبقية أوروبا؟ ليس هناك من شك أنه تم تضخيم التهديدات الروسية لتعزيز الدعم لأوكرانيا، ولكن الاعتماد على تكتيكات التخويف عادة ما تؤدي إلى اتخاذ قرارات استراتيجية سيئة.

ويتمثل الدرس الثاني في أن التوغل الناجح لكييف في روسيا أظهر أن الخطوط الحمراء القائمة والقيود الأخرى المفروضة على العمليات الأوكرانية لم تكن في محلها، حيث كانت هناك مخاوف كبيرة من احتمالات التصعيد الروسي، والتي يرى مراقبون أن بوتين لا يملك أي حافز للتصعيد طالما تحقق قواته النصر في دونباس، وطالما لا يواجه هزيمة كارثية.

وشددت المجلة الأمريكية على أن القضية هنا ليست مجرد الخطر المستمر المتمثل في التصعيد نتيجة لحرب مستمرة، حيث ينبغي لنا أن نسأل أنفسنا ما إذا كنا مرتاحين أخلاقيا لمساعدة جهود حربية ربما تكون أهدافها المعلنة بعيدة المنال، في حين نتجنب بذل جهد دبلوماسي جاد لإنهاء القتال.

ونوهت إلى أن النتيجة المحتملة لسياسات واشنطن الحالية هي أن المزيد من الناس سوف يموتون دون أي غرض سياسي واضح، ما يشير إلى أن الدفع نحو حل تفاوضي لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا هو أحد تلك الحالات التي تتوافق فيها المصلحة الذاتية والأخلاق. لذا، ينبغي أن ننظر إلى النجاح العسكري الأخير لأوكرانيا باعتباره فرصة لبدء محادثات وقف إطلاق نار جادة، وليس ذريعة لإطالة أمد حرب مكلفة يمكن لأوكرانيا أن تنجو منها ولكن من غير المرجح أن تفوز بها.