الثلاثاء 3 سبتمبر 2024

الاستثمار الثقافي وعودة القوة الناعمة لمجدها

مقالات1-9-2024 | 13:37

وسط عالم يضج بالتحديات والمتغيرات تبرز الثقافة كركيزة أساسية تعكس هوية الأمم وتغني مساراتها نحو المستقبل والاستثمار في الثقافة ليس مجرد ترف أو رفاهية بل هو استثمار في العقل والروح والهوية كما يسهم في بناء مجتمع متماسك ومتطور خاصة في مصر حيث يمتزج التاريخ بالحاضر في مشهد فريد من هنا فإن المبادرات الرامية لتعزيز الاستثمار الثقافي تأتي كخطوة حيوية نحو تحقيق التنمية المستدامة وبناء الإنسان وذلك عبر تحويل التراث الثقافي الغني إلى مورد حيوي يدفع عجلة النمو ويعزز من مكانة مصر على الساحة العالمية.

لذا تابعت باهتمام كبير اهتمام الحكومة بتعزيز الاستثمار الثقافي كمحور رئيسي لرؤية شاملة تستهدف تحويل الأصول الثقافية الغنية إلى محرك فعال للتنمية والنهضة فالثقافة يجب ألا تكون مجرد تراكمات من الفنون والتراث والصناعات الإبداعية بل هي  هوية أمة وجسر تواصلها مع العالم فالسعي لتحويل الثقافة من مجرد عنصر ترفيهي إلى قوة دافعة تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي أمر محمود بل مطلوب وتعزيز الاستثمار الثقافي لا يعنى فقط بالحفاظ على التراث وإبراز الفنون بل يتعدى ذلك إلى خلق فرص عمل جديدة وتحقيق عوائد اقتصادية وتعزيز الانتماء والهوية لدى الشباب ومن الملاحظ أن هناك رؤية مغايرة تنتهجها وزارة الثقافة حول الاستثمار الثقافي لتنتقل إلى مفهومه الشامل الذي يقوم على شراكة فعالة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وهذه الرؤية الطموحة تهدف إلى تطوير آليات التمويل والتسويق بما يحقق استدامة الموارد الثقافية ويعزز من قيمتها الاقتصادية فالثقافة كما تشير هذه الرؤية يمكن أن تكون مصدرا لفرص العمل من خلال برامج ريادة الأعمال الثقافية والإبداعية وزيادة مساهمة القطاع الإبداعي في الناتج المحلي الإجمالي.

إن تاريخ مصر الطويل كمصدر للثقافة والفنون للعالم يعزز من مكانتها كوجهة ثقافية رائدة ومن هنا ستعزز الرؤية المقترحة هذه الصورة الحضارية من خلال تحويل المنتج الثقافي المصري إلى منتج جاذب عالميا ليس فقط من أجل تحقيق عوائد اقتصادية بل أيضا من أجل تعزيز الصورة الإيجابية لمصر على الساحة الدولية وخطوة مكملة نحو إقامة شراكات دولية مع مؤسسات ثقافية وتنموية عالمية بهدف تنظيم فعاليات مشتركة تجذب تمويلات ضخمة وتسهم في إثراء المشهد الثقافي المصري والعالمي.

الأمر الجيد أن أحد أهم جوانب الرؤية الجديدة هو التركيز على التسويق الثقافي بطرق مبتكرة تتجاوز الأساليب التقليدية إلى أدوات التسويق الرقمي الحديثة بحيث تتضمن هذه الجهود العمل على التسويق لمصر كوجهة عالمية لتصوير الأعمال الدرامية وهو ما يفتح آفاقا جديدة للترويج للثقافة المصرية وجذب الاستثمارات الدولية بالإضافة إلى ذلك تتضمن الرؤية تدريب الكوادر البشرية على أحدث تقنيات التسويق ما يعزز من كفاءة العمل الثقافي ويزيد من تأثيره وهي الرؤية الحديثة للاستثمار الثقافي من مفهوم التكامل بين قطاعات وزارة الثقافة المختلفة مثل صندوق التنمية الثقافية والهيئة العامة لقصور الثقافة والمركز القومي للترجمة ودار الأوبرا وغيرها ليسفر هذا التكامل في تقديم تجربة ثقافية متكاملة ومثرية للجمهور تعزز من قيمة الأصول الثقافية وتدفع نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

إن تعزيز الاستثمار الثقافي ليس مجرد خيار بل هو ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة فالثقافة بما تحمله من قيم ومبادئ يمكن أن تكون جسرا يصل بين الماضي والحاضر ويمهد الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقا وازدهارا ومن خلال هذه الرؤية الشاملة تسعى مصر إلى تحويل ثقافتها الغنية إلى محرك للتنمية المستدامة وبناء الإنسان المصري بما يتماشى مع تطلعات العصر الحديث.

وفي نهاية المطاف لا يمكن إنكار أن تعزيز الاستثمار الثقافي يحمل في طياته مردودا هائلا على الوطن فمن خلال استغلال الأصول الثقافية الغنية وتطويرها تستطيع مصر أن تعزز من مكانتها الدولية كمنارة للثقافة والفنون وتفتح آفاقا جديدة للتعاون والإبداع كما يسهم هذا الاستثمار في خلق فرص عمل جديدة وتنمية اقتصاد إبداعي قادر على التكيف مع متغيرات العصر ما يدعم جهود التنمية المستدامة والأهم من ذلك فإن الاستثمار في الثقافة يعزز الانتماء والهوية الوطنية ويبني جسرا متينا يربط بين الماضي العريق والحاضر المحمل بالآمال ليمهد الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقا واستقرارا لتظل الثقافة دوما قلب الوطن النابض وروحه الحية.