الأربعاء 11 سبتمبر 2024

اكتشاف أقدم تلوث معدني بالتاريخ في ميناء خوفو

مجموعة من الباحثين يكشفون تواجد التلوث المعدني

ثقافة2-9-2024 | 08:52

إٍسلام علي

أفادت أبحاث جيولوجية أثرية حديثة أن عمليات المعادن في مصر القديمة تسببت في تلوث كبير في إحدى المواني المصرية، ففي ربيع عام 2019، قام الباحثون بحفائر تحت الأرض في شوارع القاهرة، بينما كان الهرم الأكبر بالجيزة يلمع في الأفق على بعد أكثر من كيلومتر.

وقبل حوالي 4600 عام، حينما كان العمال يبنون الهرم الأكبر، كانت المنطقة التي يجري فيها الحفر الآن تُعد جزءًا من الأرض الرملية لميناء خوفو.

في هذا الميناء القديم، الذي يُعد أقدم ميناء معروف في العالم، اكتشف الباحثون أول حالة تلوث معدني كبيرة ناجمة عن النشاط البشري، رغم شهرة مقبرة الجيزة بأهراماتها ومومياواتها، إلا أن تلك الدراسة التي نشرت في مجلة "جيولوجيا" والتي قدمت أدلة غير مسبوقة على جانب غير معروف إلى حد كبير من الحضارة المصرية القديمة.

وأوضح الباحثون أن هذا الاكتشاف يسلط الضوء على حياة الناس العاديين في مصر القديمة، بعيدًا عن النخبة الفرعونية، وقال آلان فيرون، عالم الجيوكيمياء من جامعة إيكس مرسيليا الفرنسية: "نحن نسعى لفهم حياة الـ 95٪  الأخرى غير النخبة".

وشاركه الرأي كريستوف مورانج، عالم الآثار الجيولوجية من نفس الجامعة، الذي أكد على أهمية السجل الرسوبي في إعادة بناء التاريخ، قال مورانج: "الرواسب لا تقل أهمية عن الآثار"، مشددًا على أهمية دراسة الأرض التي غالبًا ما يتم تجاهلها.

استعان الباحثون بأدوات تتبع جيوكيميائية لدراسة أنشطة معالجة المعادن حول ميناء خوفو القديم، الذي كان يقع على امتداد فرع من النيل توقف الآن عن الجريان بالقرب من هضبة الجيزة.

كان هذا الميناء حيويا لنقل المواد، وكان مركزا لصناعة الأدوات النحاسية التي استخدمت في معالجة الحجر الجيري والخشب والمنسوجات.

واستخدم الباحثون تقنية مطياف الكتلة البلازمية المقترنة بالحث (ICP-MS) لقياس مستويات النحاس والزرنيخ، بالإضافة إلى الألومنيوم والحديد والتيتانيوم، مستعينين بستة تواريخ كربون 14 لإنشاء إطار زمني دقيق.

وكشفت الدراسة أن بداية التلوث المعدني يعود إلى حوالي 3265 قبل الميلاد، وهو تاريخ أقدم مما كان متوقعًا، يشير هذا التلوث في فترة ما قبل الأسرات إلى أن الأنشطة البشرية والعمل في المعادن في منطقة الجيزة بدأت قبل أكثر من 200 عام من التاريخ المسجل سابقًا.

ورغم أن الباحثين اكتشفوا أدلة مباشرة على وجود حضارة ما قبل الأسرات في 13 مقبرة فقط شمال الجيزة، يعتقد مورانج أن السجل الجيولوجي يقدم مؤشرات إضافية.

وأوضح أن التركيز الشديد على الأهرامات والمقابر قد جعل الباحثين يغفلون أدلة على وجود سكان أقدم في الموقع.

وكشفت الدراسة أن ذروة التلوث المعدني كانت أثناء بناء الأهرامات في أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد، واستمر هذا التلوث حتى حوالي 1000 قبل الميلاد.

وعلق فيرون قائلاً: "لقد وجدنا أقدم تلوث معدني مسجل على الإطلاق في العالم"، مشيرًا إلى أن مستويات النحاس كانت "أعلى من المستوى الطبيعي بحوالي 5 إلى 6 مرات"، مما يعكس نشاطًا صناعيًا كبيرًا في المنطقة.

أبدى أندرو شورتلاند، عالم الآثار من جامعة كرانفيلد في المملكة المتحدة والذي لم يشارك في الدراسة، تحفظه بشأن دقة الجدول الزمني المعتمد، وذكر: "لا أعتقد أن ستة تواريخ كافية"، مشيرًا إلى عدد تواريخ الكربون 14 المستخدمة.

وقدمت الدراسة رؤى إضافية حول كيفية تكيف المصريين القدماء مع التحديات البيئية، فمع تراجع مياه نهر النيل وتقلص ميناء خوفو، استمرت أنشطة تشغيل المعادن.

وعلى الرغم من انخفاض مستويات النهر إلى أدنى مستوياتها حوالي 2200 قبل الميلاد، وهي فترة اتسمت بالاضطرابات الاجتماعية، استمر التلوث المعدني في الارتفاع، مما يشير إلى وجود بنية تحتية وقوة عمل مرنة.

وأفاد فيرون بأن انحسار نهر النيل قد وفر فرصًا للمجتمعات المحلية، حيث أظهرت الدراسات السابقة زيادة في النشاط الزراعي نتيجة كشف السهول الفيضية الخصبة، وحتى بعد توقف بناء الأهرامات في الجيزة، استمرت أنشطة المعادن لدعم الأنشطة الزراعية المتزايدة.

واعتبر دومينيك فايس، عالم الجيولوجيا من جامعة إمبريال كوليدج لندن، أن الدراسة "منجزة بشكل جيد للغاية وأُجريت بعناية"، مشيدًا بالعلاقة الجديدة بين الجيوكيمياء والتاريخ وقدرتها على إلقاء الضوء على حياة المصريين القدماء العاديين.

وأضاف فيرون: "إن البصمة الكيميائية للنشاط البشري لا تزال قائمة، ولا يمكن محوها"، وذلك طبقا لما نقله موقع zme sceince.