الإثنين 2 سبتمبر 2024

المؤسس.. صاحب الدار

طه فرغلي

مقال رئيس التحرير 2-9-2024 | 15:16

طه فرغلى

ما بين المؤسس والدار يمتد الخط على استقامته، فإذا كان احتفالنا بمرور 132 عاما على صدور أول عدد من الهلال الغراء - "1892-2024" المجلة الأولى والأعرق فى الشرق، فنحن فى حقيقة الأمر إنما نحتفى بصاحب المجلة ومؤسسها الرائد والمفكر الكبير والصحفى القدير والأديب الأريب والمؤرخ الموسوعى جرجى زيدان "1861-1914"، والذى نحتفل أيضا هذا العام بذكرى مرور 110 أعوام على رحيله.

أخذت الهلال من روح زيدان فكتبت بين صفحاتها معاني الإصرار والجد والاجتهاد والتغلب على الصعاب والنجاح، فكان أن استمرت منتظمة فى الصدور دون أن تتأخر عن موعدها، ومهما كانت الظروف والعقبات تلبى نداء المحبين من القراء والمثقفين فى ربوع الشرق كله، وليس العالم العربى فقط، كانت ولا تزال المجلة والدار مثل مؤسسها تتحدى الظروف وتحطم العقبات.

نحتفى فى عددنا الخاص هذا بصاحب الدار، ونقف له إجلالا واحتراما وإكبارًا، وكان قرارنا ونحن نحتفل بـ 132 سنة هلال أن يكون بطل احتفالنا جرجى زيدان، ولمَ لا؟ ونحن نحتفل بالمعنى لا المبني، وبالقيمة والأثر لا بالجدران والحوائط، نحتفى بصاحب الدار وواضع أساس استمرارها.

منذ العدد الأول لصدور الهلال والرجل حلمه أن يُكتب لها انتظام الصدور عبر السنين، لذلك حدد خطته فى فاتحة الهلال "أما خطتنا فالإخلاص فى غايتنا والصدق فى لهجتنا والاجتهاد فى إيفاء حق خدمتنا ولا غنى لنا فى ذلك عن معاضدة أصحاب الأقلام من كتبة هذا العصر فى كل صقع ومصر.. أما الغاية التى نرجو الوصول إليها فإقبال السواد على مطالعة ما نكتبه ورضاؤهم بما نحتسبه وإغضاؤهم عما نرتكبه، فإذا أتيح لنا ذلك كنا قد استوفينا أجورنا فننشط لما هو أقرب إلى الواجب علينا".

نحتفي بزيدان الكاتب والأديب والمؤرخ وهو يستحق الاحتفاء وتراثه الصحفى والأدبى والتاريخى خير شاهد ودليل، حيث لا يزال الإرث الفكري الذى تركه يمثل خير زاد للباحثين والكتاب والمثقفين، وهو الذى سلك دروبا لم يسلكها أحد من قبله، واجتاز طرقا وعرة لم يسر فيها من سبقه، كان الرجل سباقا مقداما يحمل إصرارًا على النجاح وقدرة على التحدي وقوة على تحطيم كل العقبات التى تقابله.

مسيرة حياته وتاريخه حافل بالعبر والدروس، وسيرته العطرة لا تزال محط إعجاب الكثيرين.

جرجى رجل من طراز فريد وقصة حياته درس بليغ فى العصامية والإصرار والاجتهاد، كل خطوة خطاها منذ نعومة أظافره كانت تحمل نبوءة أنه مختلف وسيكون له شأن عظيم.

نشأ فقيرا وفى أسرة تعمل ليل نهار من أجل أن تعيش بالكاد، وفتح عينيه على والدين يقضيان معظم أوقاتهما فى العمل، الأب يخرج إلى دكانه من الفجر ولا يعود إلا نحو منتصف الليل، والأم لا تهدأ لحظة من الصباح إلى المساء وهمها تدبير بيتها وتربية أولادها.

لم يقف زيدان أمام ظروفه كثيرا وبادر بتعليم نفسه، وتحطيم عقبات حياته، كان القدر يرسم له طريق الخلود عبر السنين، كان حلمه أن يصير طبيبا، وشاء القدر أن يصبح كاتبا كبيرا يعيش أثره عبر السنين والعقود.

فى عددنا هذا نفرد الصفحات – وهى قليلة مهما زاد عددها- لنحتفى بسيرة ومسيرة الرائد الأكبر والمعلم الأول جرجى زيدان، والحقيقة أننا ما طلبنا من كاتب يكتب عنه إلا ورحب وأقبل على المشاركة دون تردد، وكأن سيرة هذا الرجل مكتوب لها أن تسرى بين محبيه وعارفى فضله جيلا وراء جيل.

وعرفانا بفضل المؤسس الكبير قررنا فى محبة منا لقرائنا الأعزاء أن نهديهم ملحقا خاصا نعيد من خلاله نشر مذكراته وقصة حياته التى كتبها بقلمه.. هدية نتمنى أن تلقى القبول عند القارئ العزيز الذى علمنا كبيرنا زيدان أننا نعمل من أجله: "وأما غايتنا التى نرجو الوصول إليها فإقبال السواد على مطالعة ما نكتبه ورضاؤهم بما نحتسبه وإغضاؤهم عما نرتكبه فإذا أتيح لنا ذلك فقد استوفينا أجورنا فننشط لما هو أقرب إلى الواجب علينا".