السبت 7 سبتمبر 2024

الكنز الذي لن يتكرر!


مصطفى رجب

مقالات7-9-2024 | 00:48

مصطفى رجب

من حسن حظي أنني أتابع مجلة الهلال منذ  نصف قرن، وأحتفظ بجميع أعدادها في مكتبتي من أول عدد صدر في القرن 19 وحتى آخر عدد، ومن حسن حظي أني أساهم في الكتابة فيها من 1974 حتى اليوم . وقد شرفت بلقاء كثيرين من رؤساء تحريرها ومحرريها طوال تلك السنين

وأقول جازما [ ومكتبتي تضم معظم إن لم يكن جميع المجلات المصرية كاملة] ليس في مصر ولا في الوطن العربي مجلة أخرى تماثل الهلال أو تضارعها، أو تنجح – حتى- في تقليدها.
وقد مرت مجلة الهلال بمراحل تطوير متميزة واضحة ومؤثرة  في فترات مختلفة من تاريخها الحافل، لعل من أهم هذه المراحل مرحلتان مرَّتا  مرورا  سريعا ولم تستمرا لأنهما ارتبطتا بشخصيتي رئيس التحرير وهما:
* إصرار رئيس تحريرها المرحوم صالح جودت على عدم نشر الشعر الحر داخل المجلة، جعله ينشئ مجلة صغيرة كان ملحقا يوزع مع الهلال واسمها مجلة الزهور، وكان لي شرف الكتابة في هذا الملحق (وكان في حجم ثلث مجلة الهلال نفسها) الملون الذي كان له سكرتارية تحرير متميزة. 
•  تغيير حجم المجلة فقد تم تكبيرها في عهد المرحوم د. حسين مؤنس وكانت حقبة رياسته لتحريرها تتميز بكثرة الصور الجميلة على غلاف المجلة وبداخلها أيضا.

على أن الجانب الفكري – وهو الأساس – تأثر تأثرا واضحا بهيئة التحرير في حقبة الستينيات ( 1961 1969-) غالبا ، حيث تحولت المجلة بنسبة تفوق ال90بالمائة إلى مجلة يسارية سياسية عميقة على حساب الجانب الأدبي والفني والاجتماعي والصحي الذي كان من أهم مميزاتها في الحقب السابقة.

وأكاد أزعم أن العصر الذهبي للإبداع الحقيقي في تحرير الهلال كان من منتصف الأربعينيات من القرن الماضي إلى نهاية الخمسينيات، حيث كان القارئ يجد في كل شهر غالبا مقالات للدكتور طه حسين والأستاذ عباس محمود العقاد، والدكتور محمد عوض محمد، والدكتورة بنت الشاطئ.

كانت مقالات الدكتورة بنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن) رحمها الله معظم سنوات الخمسينيات في الهلال عبارة عن مشكلات حياة تواجهها نساء، سواء أكانت تلك المشكلات مادية أم نفسية أم اجتماعية، وكانت بنت الشاطئ تحكي مشكلة كل عدد كما لو كانت صاحبة المشكلة صديقتها أو قريبتها أو جارتها، وبأسلوبها العلمي الراقي وتفكيرها التربوي تنهي  المقال بحل هو الأنسب والأقرب لروح القانون ولإمكانات صاحبة المشكلة.

وكانت مقالات الأستاذ  محمد شوقي أمين رحمه الله تحت عنوان (أدب وفكاهة) تضم اختيارات أدبية ولغوية وتاريخية نادرة، فقد كان هذا الرجل العظيم الذي لم يحصل – فيما أظن – على أية مؤهلات دراسية، قارئا نهما هضم التراث العربي القديم واستوعبه، فهو يختار منه النوادر اللغوية والقصص الأدبية الممتعة ويخص بها قراء الهلال. وهو سوهاجي الأصل. ووظفوه في مجمع اللغة العربية سكرتيرا لما عرفوه من قيمته الأدبية وسعة قراءاته. 

ولو أن مجلة الهلال – في عصرها الزاهر الحالي – جمعت مقالات محمد شوقي أمين رحمه الله وأصدرتها عددا خاصا في ( كتاب الهلال) فستكون قد فعلت خيرا كبيرا وأحيت ما اندرس من تراث جدير بالرعاية والإحياء .

ولو أن مجلة الهلال – في عصرها الزاهر الحالي – جمعت مقالات بنت الشاطئ رحمها الله التي كانت تنشر تحت عنوان (صور من حياتهن) وأصدرتها عددا خاصا في ( كتاب الهلال) فستكون قد قدمت خدمة جليلة  للأمهات الحائرات في عصرنا الحاضر. 

أما مقالات د. طه حسين وعباس العقاد ومحمد عوض محمد فقد صدرت بالفعل في كتب، بعضها في حياة أصحابها، وبعضها بعد وفاتهم  رحمهم الله جميعا. 

والأهم من كل ما سبق أن تؤلف رياسة تحرير مجلة الهلال الحالية لجنة من موظفي المجلة لتجمع مقالات المرحوم طاهر الطناحي من أواسط الأربعينيات إلى  بداية الستينيات لتنشرها في سلسلة كتاب الهلال، وأنا شخصيا مستعد للتطوع لمعاونة تلكم اللجان في أعمالها.

تحية تقدير للهلال ولكل محبيها في عيد ميلادها !