السبت 7 سبتمبر 2024

في حواره الأخير.. حلمي التوني: «الهلال» لعبت الدور الأكبر في تاريخ الصحافة الثقافية

حلمي التوني

أخبار7-9-2024 | 12:35

فاطمة الزهراء حمدي

تحكي الأماكن عن أصاحبها، وترتبط بهم حتى النهاية، وإذا ما نظرنا إلى "حلمي التوني" الفنان التشكيلي، سنجد أنه بدأ حياته بمؤسسة "دار الهلال" كرسام صحفي، وكان ما زال طالبًا جامعيًا في كلية الفنون الجميلة، وفي وقت وجيز أظهر بها إبداع وفن كبير، حتى تولى منصب المدير الفني للدار لسنوات عديدة، وكان في تجربته موهبة كبيرة وطابع استثنائي فريد طغى على أعماله، لم يستطع أن ينقطع عن داره التي أحبته وأحبها فكتب آخر حوار له بمناسبة الذكرى الـ132 لإصدارها، وكان يروي بها تفاصيل عن مسيرته الفنية وعلاقته بمجلة الهلال.

يصف التوني بداية رحلته في خمسينيات القرن الماضي قائلًا: إن دار الهلال كانت آنـــذاك مركزًا رئيسيًا للفكر والثقافـــة في العالـــم العربـــي، وفي تلـــك الفترة، كانت الـــدار تُعد منارة للإبـــداع الأدبـــي والفنـــي، وتجمع بين أبرز المفكريـــن والفنانـيــن، وتتيـــح الفـــرص لتعزيز الموهبـــة والتعبيـــر عن الرؤيـــة الفنية.

 

بداية الرحلة

يقـــول التوني: بدأت عملي في دار الهال في خمســـينيات القرن الماضـــي، وكانت تلك الفترة غنيـــة ومتنوعة مـــن الناحية الثقافية حيـــث كانـــت دار الهـــلال تُعـــد معقلًا للفكر والثقافـــة في مصـــر والعالـــم العربي.

ونتيجة لظروف أســـرية، وجدت نفســـي أبحـــث عن فرصة عمل وأنا مـــا زلت أدرس في كليـــة الفنـــون الجميلة، قادنـــي الطريق إلى مؤسســـة دار الهلال.

لتبدأ مسيرتي المهنيـــة بالكامل من تلك النقطـــة وذلك التاريخ، فكنـــت تلميذًا للرواد في مجـــال الصحافـــة والفـــن، بـــدأت رحلـــة لا تُنســـى مـــع دار الهـــلال، المؤسســـة التـــي كانـــت حجـــر الزاويـــة في مشواري الفني والإبداعي.

عملـــت تحت إشـــراف قيادات متعـــددة، ممـــا أتـــاح لـــي فرصـــة فريـــدة للتعلـــم والنمـــو وبـــدأت التعـــاون بالعمل مع كل مجلات مؤسســـة دار الهـــلال، وهـــذا يعنـــي أنـــك جـــزء من فريـــق يمتلـــك تاريخًا طويلًا وعراقـــة في مجال الإعــلام العربي، ولكـــن الأقرب إلـــى قلبي كانـــت دائمًا مجلة الهـــلال لأنها أقـــرب لــــ توجهاتي الثقافية والفنيـــة والأدبية.

يشير التوني إلى أن مجلة الهلال تعد من أقدم المجلات الفكرية والأدبية في العالـــم العربـــي، لذلك شهدت تطورات عديدة عبر تاريخها بفضـــل قيادات متعـــددة تولـــت إدارتهـــا.

كل قيـــادة مـــن هـــذه القيادات أســـهمت يف تشـــكيل هويـــة المجلـــة وإضفـــاء بصمتها الخاصـــة عليها، ممـــا جعلها تتســـم بالتفرد والتنـــوع عبر ســـنوات عمرها، مؤكدًا علـــى أنـــه تاريخيًا، لعبت مجلة دورًا كبيرًا في توثيـــق ومواكبـــة الأحداث التاريخيـــة والثقافيـــة في المنطقة العربية، فـــكان لهـــا تأثيـــر كبيـــر علـــى الفكـــر والثقافـــة والأدب، وهـــي لا تزال تُعـــد مـــن المصـــادر القيمـــة في هـــذا المجـــال.

ومع تطور وســـائل الإعلام والتكنولوجيا، تأثـــرت المجلـــة كما تأثرت الصحافة بشـــكل عام، فقد أدى الانشـــغال بالثـــورة التكنولوجية ووســـائل الإعلام الرقميـــة إلـــى انخفـــاض في قـــراءة المجلات والصحـــف والقـــراءة التقليدية.

ورغـــم هـــذه التحديـــات التي فرضتهـــا الثـــورة التكنولوجيـــة، تظـــل مجلـــة الهـــلال رمزا للثقافـــة الفكريـــة والأدبيـــة في العالم العربي حيـــث تســـعى إلـــى التكيـــف مـــع التغيرات المعاصرة والحفاظ على إرثها الثقافي الغني..  فتظـــل صامـــدة ومؤثـــرة، تحافـــظ علـــى مكانتهـــا الثقافيـــة.

يوضح التوني، مـــن خـــلال عملـــي في الهلال، شـــعرت بفخر واعتـــزاز لكوني جزءًا مـــن هـــذا الإرث العظيم، الذي يُعـزز مكانة الهلال كرمز للثقافـــة العربية.

فتاريـــخ مجلـــة الهـــلال تاريـــخ طويـــل مـــن التجـــدد والابتـــكار، حيـــث تمكنـــت من الصمـــود في وجـــه التغيـــرات والتحديـــات، وواصلـــت تقـــديم الثقافة والفكـــر للأجيال الجديدة، لكـــن يظـــل دور الهـــلال الـــدور الأكبـــر والأهم في تاريـــخ الصحافـــة الثقافيـــة والأدبيـــة مـــع خلـــو الســـاحة من المنافسيـن لها، فصمـــدت الهلال أمـــام تحديـــات كبيرة بفضـــل قياداتهـــا دائمًا وعراقتهـــا في المهنة ولأنهـــا مجلـــة جـــادة لعبت دورا مهما على مـــدار العصـــور المختلفة.

يقـــول التونـــي: عملت في مجلـــة الهلال لســـنوات عديـــدة حتـــى انتقلـــت إلـــى لبنان ورحلـــت عـــن الـــدار في أوائل الســـبعينيات، وعندمـــا عـــدت إلـــى دار الهـــلال في الثمانينيـــات، وجدتهـــا في حالـــة جيـــدة، مع وجـــود شـــباب جـــدد يجـــددون روح المجلة.

لـــم يكـــن هنـــاك اختلاف كبيـــر بـــن الماضـــي والحاضر، حيـــث حافظـــت المجلة علـــى تقاليدهـــا الثقافيـــة والفنيـــة، ممـــا يعكـس مدى تميزهـــا واحتفاظهـــا بمكانتها المرموقـــة في عالـــم الصحافـــة.

ويذكـــر حلمـــي التونـــي بفخـــر كيـــف أن دار الهـــلال كانـــت نافـــذة علـــى الثقافة الفرنســـية والعصريـــة، وكيـــف أن المجلـــة لعبت دورًا مهما في  عـــرض الأدب والفكر علـى مســـتوى عالمي، فيـــرى أن الهلال سـتظل دائمًا في مقدمـــة الصحافة الثقافيـــة، مهما كانت التحديات، حيث أوضح قائلا: "بـــدأت المســـيرة التاريخيـــة والفريـــدة لـ دار الهـــلال بالرمزية التى اختصت الاســـم: "الهـــلال" ليـــس مجـــرد اســـم لمجلـــة، بل هو رمز له دلالات ثقافيـــة وتاريخية، ومـــن اللافـــت أن مؤسســـها، جرجى زيـــدان، قـــد اختار هذا الاســـم الـــذي يعبر عـــن انفتاح مصـــر وتعدد طوائفهـــا، وهو ما يعكـــس روح الانفتـــاح والتســـامح في المجتمع المصري".

وأضاف التونى: "أذكـــر أثنـــاء تواجدى في لبنان فـــى ســـبعينيات القـــرن الماضي رســـمت طبعـــة كاملـــة مـــن روايـــات الهلال لإحـــدى أهم مؤلفـــات جرجى زيـــدان والتى صـــدرت في لبنان "روايات تاريخ الاسم"، ممـــا يعكـس تواصـــل الفنـــون والأدب عبر الحدود، فكانـــت تلك الروايـــات بمثابة جســـر بن التراث الأدبي المصـــري والثقافة اللبنانيـــة، ممـــا يدل على تأثيـــر "الهلال" في نشـــر الثقافة العربيـــة وتعزيزها، لقـــد تأقلم جرجى زيـــدان وإيميل زيدان تأقلمـــا تامـــا مـــع المصريين ومـــع الصحافة التي قاموا بإنشـــائها، فحافظت دار الهلال على هويتها المصريـــة المطلقة".

وفـــى نهايـــة الحديـــث يتوقـــف حلمي التوني لحظـــة ليتذكـــر تفاصيـــل المبنـــى، ثـــم يقـــول بحنيـن: "المبنى نفســـه عريق وذو أهميـــة كبيـــرة. لا أســـتطيع نســـيان تمثـــال جرجـــى زيـــدان عنـــد مدخـــل دار الهـلال، الـــذي يُعـــد رمزًا لتاريخهـــا العميـــق، تفاصيـــل المبنـــى تظل عالقـــة في ذهني، بدءًا من الواجهة البديعة، مرورًا بالســـلالم الرخاميـــة الفاخـــرة، وصـــولًا إلـــى الأروقـــة التـــي كانت تعـــج بالحيـــاة الثقافية، كل زاويـــة في المبنـــى تحمـــل بصمـــة من تاريـــخ طويـــل، وكل ركـــن كان شاهدًا علـــى اللحظـــات الثقافيـــة التـــي شـــهدتها دار الهـــلال علـــى مر السنين.

وبفضـــل إرثـــه الفنـــي العميـــق وعملـــه المميـــز، يســـتمر حلمـــي التونـــي في إلهـــام الأجيـــال الجديـــدة والتأثيـــر في عالـــم الفن والثقافـــة.