الجمعة 29 نوفمبر 2024

هل تكتب الأجهزة الأمنية «وحدها» المشهد الختامى لتنظيم الإخوان؟

  • 1-3-2017 | 11:36

طباعة

بقلم –  أحمد بان

ربما أصبح معلومًا من الواقع بالضرورة أن تنظيم الإخوان قد تعرض لانقسام واضح بين جماعتين منذ فبراير ٢٠١٤، وقد باءت كل محاولات الوسطاء فى التوفيق بين الفرقاء بالفشل، حتى تكرس الانقسام بين جبهتين تدعى كل منهما أنها الجماعة، تعرف الأولى بجبهة عزت وتضم فى مصر رئيس اللجنة الإدارية العليا المؤقتة محمد عبدالرحمن المرسى، وجبهة كمال التى اصطلح البعض على تسميتها بجبهة الشباب والتى اختارت العمل المسلح أو العمل النوعى.

نجح الجهاز الأمنى فى التعامل بحسم مع هذا الجناح الذى اختار المفاضلة المسلحة، وتمكن من اختراق كل خلاياه بأسمائها المختلفة، سواء «حسم» أو «العقاب الثورى» أو غيرها من المسميات، وتكفلت تدابير أخرى ناعمة من قبل الأجهزة الأمنية فى تمكين جبهة محمود عزت من حسم الصراع على هيكل الجماعة مؤخرا، بعد أن تركت عددا من قيادات جبهة عزت تتحرك بحرية لتطويق ما تبقى من مجموعات العمل النوعى، وتجنيب ما ينجحون فى إقناعه بالابتعاد عن ساحة العنف.

تصورت جبهة عزت أنها ستستعيد حضورها من جديد عبر الإدانة الواضحة للعنف العاجل، والدخول فى مرحلة كمون تنظيمى وحركى والانشغال بلم شتات التنظيم، وربما سربت لأجهزة الأمن أنها الأٌقدر على تطويق العنف داخل الجماعة، ونجح الجهاز الأمنى فى الاستفادة من حرية حركة هؤلاء فى سد فراغ المعلومات لديه فى بعض مفاصل التنظيم، مستعيدا ما كان قد فقده فى سنوات الثورة والارتباك الذى أصاب الأجهزة الأمنية، خصوصا فى الشق المعلوماتى، وحاول الأمن أن يصدر انطباعا لجناح عزت أنه غير مشغول بحركته، لكنه مشغول فقط بمكافحة اتجاهات العنف داخل الجماعة وتحديدا جناح كمال أو جناح العمليات النوعية، الذى كان قد نفذ عددا من العمليات البدائية قبل أن تنجح أجهزة الأمن فى تفكيك خلاياه واختراقها بنجاح لافت.

ابتلع جناح عزت الطعم وتصوروا أن أجهزة الأمن راغبة فى إعادة تمكينهم من تنظيم صفوف التنظيم لتطويق العنف، وبدا أن ذلك مفيد مرحليا من وجهة نظر الأمن الذى زاوج بنجاح بين التدابير الناعمة والخشنة.

وفى اللحظة المناسبة وجه الأمن ضربات أمنية متتالية لجبهة عزت، والتى كان يرأسها محمد عبدالرحمن المرسى الطبيب وعضو مكتب الإرشاد وآخر أعضاء التشكيل القديم قبل ثورة يناير، والذى كان يتحرك بمنتهى الحرية إلى حد أن له موقعًا خاصًا على الإنترنت يضع عليه مقالاته وتدويناته على وسائل التواصل الاجتماعى وتصريحاته، وقد جعله ذلك فى مرمى شكوك أعضاء داخل التنظيم بأنه يعمل مع الأمن أو أن الأمن جنده أو أنه ينسق معه.

فى منتصف يناير الماضى كانت الضربة الأمنية الأولى عندما أعلنت وزارة الداخلية عن ضبط ٨ قيادات إخوانية خلال اجتماعهم فى إحدى الشقق السكنية فى مدينة نصر شرق القاهرة، بينهم مسئولون عن إدارة ملفات مهمة داخل الجماعة، وكان من بينهم: القيادى البارز بمحافظة الشرقية عمر عبدالغنى، ومحمد فياض عبدالمنعم عضو مجلس شعب سابق عن حزب الحرية والعدالة، وعوض محمد الضوى أحمد القيادى بالجماعة فى محافظة الإسماعيلية، وأحمد محمد إبراهيم شبانة، والسادات إبراهيم على عبدالعال، إضافة إلى حاتم راشد موسى، مستشار وزير التموين السابق.

كانت الضربة الثانية لمجموعة عزت فى منتصف فبراير، عندما ضبطت مجموعة منهم أثناء اجتماع تنظيمى جرى فى عقار تحت الإنشاء بمنطقة كفرطهرمس بمحافظة الجيزة.

ثم جاءت الضربة الأعنف مساء الأربعاء الماضى، عندما تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط محمد عبدالرحمن عضو مكتب الإرشاد ورئيس لجنة إدارة الأزمة.

هذه الضربة التى تلقاها التنظيم اجتمعت مع ضربة أخرى تلقاها فى موارده المالية، عندما نجح رجل أعمال يمنى فى السطو على ٢ مليار ريال سعودى حصل عليها بهدف استثمارهم للجماعة، وكان قد قدم الرجل للتنظيم مسئول الملف المالى مصطفى طلبة وأقنعهم بتقديم الأموال التى كان جزء منها يخص اشتراكات الأعضاء وبلغ ٥٠٠ مليون ريال سعودى، بينما كان المبلغ المتبقى يخص الأعضاء، وقد رغبوا فى استثمارها بشكل مأمون، مع تلك الواجهة التى زكاها مسئول اللجنة المالية الذى يحظى بثقة الأعضاء والتنظيم.

ضربتان تلقاهما التنظيم لهما بعدهما فى مسيرته، حيث أن تأمل أحوال التنظيم بعد جملة الهزائم التى تعرض لها سواء فى فترة الحكم، أو حتى فترة المعارضة التى اعتمدت خطة عزت فيها على ما سمى بمخطط الإنهاك والإرباك والحسم، حيث نشطت عناصر الجماعة فى البداية فى تنظيم مظاهرات واسعة فى العديد من الأماكن من أجل إنهاك أجهزة الأمن، وقد أبلى طلبة الإخوان فى ذلك بلاء حسنا بالطبع، حيث كانوا رأس الرمح فى تلك المرحلة، والتى انتقلت بعدها الجماعة عبر أعضائها المنتشرين فى كل مكان فى عمليات مثل التداعى لركوب المترو فى وقت واحد فى الأماكن المزدحمة، أو التواصى بترك الإنارة والتكييف يعمل فى الأماكن الحكومية، أو تفجير أعمدة الكهرباء وقطع الطرق والتحرش بالتجمعات الأمنية، وغيرها من العمليات التى تصوروا أنها كافية للوصول إلى الحسم الذى تصورته مجموعات كمال أنه لا يمر إلا عبر العمليات المسلحة، التى يبدو أنها حسمت بالفعل مصيرهم وليس مصير الدولة المصرية.

بين جناح عزت الذى راهن على الكمون والخطاب المزدوج والتقية والانحناء للعاصفة، ومحاولة تنظيم الصفوف من جديد، مؤمنا أيضا بضرورة هدم الدولة، وبين جناح كمال الذى راهن على العنف سبيلا لهدم الدولة فشلت خطة الجماعة بكل المقاييس، ولم تنجح كل محاولات الاقتراب من نهج داعش، حتى لدى جناح كمال الذى كشفت كل مجموعاته، وتمكن الأمن من القضاء عليها بشكل كبير.

حشر الأمن التنظيم فى الزاوية وسدد له اللكمات تلو الأخرى، بالشكل الذى لم يترك للتنظيم فرصة لالتقاط الأنفاس هذا لاشك نجاح أمنى واضح، لكن هل يكتب الأمن المشهد الختامى أظن الإجابة لا، حيث إن دور الأمن فى النهاية مواجهة الإرهاب، لكن دور كل مؤسسات التنشئة أن تحارب التطرف أو بيئة الإرهاب وهو ما يبدو التحدى الأكبر، فى ظل هذا الصدام الخفى بين الأزهر والدولة وترهل مؤسسة التعليم، وغياب مؤسسة الثقافة التى ظن الكثيرون أن وجود مثقف كحلمى النمنم على رأسها سيطور حركتها وأداءها، لكن ذلك لم يحدث، وبقى الإعلام يجرى خلف الأخبار ويلوك نفس الكلمات فى التعليق عليها، بل ويقع أحيانا فى فخ التغطية المغرضة كما جرى فى خبر استهداف الأقباط فى العريش، والتهجير المؤقت لعدد من الأسر التى رغبت فى تجنب الخطر بالابتعاد عن البؤر الساخنة، لم يتحدث أحد عن جهود الجيش فى جبل الحلال أو محاولات داعش تحقيق حضور إعلامى يغطى على هزائمه الميدانية، هذا مثال على أن الأجهزة الأمنية مع الجيش المصرى العظيم يخوضان المعركة دون أى دعم من أجهزة الدولة، التى بيدها أن تكتب هى الفصل الختامى لمشهد الإرهاب فقط لو قامت بأدوارها الطبيعية، والتى تتلقى مقابلها أموال دافع الضرائب الذى يتابع بحزن الدماء الزكية التى تسقط فى المواجهة مع الإرهاب، كما يتابع أداء شهود الزور الذين يسكبون دموع التماسيح التى لا تخفى اشتراكهم فى جريمة الإرهاب بهذا التقاعس وغياب الكفاءة الفادح.

 

    الاكثر قراءة