السبت 18 مايو 2024

بعد استهداف المسيحيين فى سيناء : بقلم: رسائل الإرهاب الملغمة وكيف تواجهها الدولة والمجتمع؟

1-3-2017 | 11:45

بقلم –  د. كمال حبيب

سنقول دائما إن الخطر الاستراتيجي الكبير والعدو الرئيسي لمصر هو تنظيم ولاية سيناء الذي بايع داعش عام ٢٠١٤ وقد كان من قبل تنظيما محليا يسمي « أنصار بيت المقدس « ، لكنه انتقل إلى حالة معولمة متجاوزة للحدود تتماهي مع عالم حساس للحوادث الإرهابية من ناحية ، كما أن هذا العالم رغم إدراكه لمخاطر الإرهاب وتنظيماته خاصة داعش الذي يعتبر الطور الأكثر خطرا لماركات تلك التنظيمات ومنتجاتها التدميرية – فإنه يركن إلى لوائحه البيروقراطية التقليدية ويركن إلى استرخاء العادة والمألوف ، ومن ثم يفاجئه التنظيم كل يوم بجديد من ثغرات وأهداف يتحداه بها .

نحن أمام تنظيم له أذرعه الإعلامية التي تعمل بجد لا يتوقف على فضاء ومنصات السوشيال ميديا وأدوات الإعلام الجديد ولديه مهندسون قادرون على بناء عوالم إعلامية موازية أو التهرب من رقابة الجهات التي تتابع نشاطه على وسائط الإعلام الجديد .

ولدى التنظيم نظرية إدارة التوحش التي كتبها « أبو بكر ناجي « وهو يحاول أن يطبق تلك النظرية في سيناء حيث يهدف إلى الاستحواذ علي مساحة من الأرض بسكانها ليطبق عليها ما يطلق عليه « شوكة النكاية والإنهاك « وفي هذه المرحلة يستخدم الشدة والقوة في التعامل مع أهل تلك المنطقة لكي يستطيع التحكم فيها ، كما يمارس عملياته في مواجهة الجيش والشرطة وفق قواعد ما يطلق عليه « الانتشار والتصعيد والأمواج « ، أي القيام بعمليات صغيرة على مناطق شاسعة وذلك لتشتيت تركيز قوات الشرطة والجيش ، والتصعيد أي البدء بالعمليات الصغيرة إلي الكبيرة والأمواج أي القيام بعمليات كبيرة مركبة كموجة البحر لا تلبس أن تهدأ ثم تعود الموجة الأخري وبين الموجتين تبقي عمليات المشاغلة وربما التصعيد .

مارس التنظيم ولا يزال تلك الاستراتيجية في سيناء وهو يحاول أن ينتزعها من جغرافيا الوطن الحبيب ، كما يحاول أن يجتذب شبابا من أبناء القبائل يضمهم إلي التنظيم ، كما يسعي لخلق ما يطلق عليه « فوضي التوحش « ، أي العصف بمفهوم الدولة والمؤسسات التي تمثلها بما في ذلك السماح للمجرمين بالتواجد بل وحتي ربما التعاون معهم ، فذلك كما يقول خير له من أن تكون هناك دولة ، وتكون هناك مؤسسات تحمي مواطني تلك الدولة وتواجه خطر التفكير الجنوني الذي يمثله ذلك التنظيم .

يتحدث التنظيم عن « شوكة النكاية والإنهاك « وينتقل بعدها لمرحلة « إدارة التوحش « ثم مرحلة « إقامة الدولة والتمكين « ، أي أننا أمام تنظيم يمارس مخططاته وفق خطة أعلنها ، وإطالة المعركة مع التنظيم تعطيه أملا وتمنحه فرصة لتطوير أدواته ومن ثم فإن ساعة الحسم مع ذلك التنظيم قد حانت بعد إقدامه على استهداف المسيحيين في العريش قاصدا من ذلك أن ينتقل لمرحلة جديدة في الصراع هي نسيج المجتمع المصري ودق أسفين بين لحمته التي تصل ولا تقطع وتصبر ولا تتبرم وتقاوم ولا تنحني .

لماذا المسيحيون ؟

منذ ظهر تنظيم أنصار بيت المقدس ومن قبله التوحيد والجهاد ، وبعد إعلان مبايعته لداعش باسم « ولاية سيناء « ولم يكن المسيحيون ضمن أهدافه أو أنه أعلن أنهم ضمن مشروع استهدافه ، كان يستهدف الصهاينة ثم فجأة تحول ليستهدف المصريين ودخل في مواجهة مفتوحة مع مؤسسات الدولة المصرية الأمنية والسيادية سواء أكان الجيش أم الشرطة ، ويمثل التنظيم وباءً وخطرا وتهديدا لسيناء فهو يسعي لتمزيقها والسطو علي جزء منها ليطبق عليها أوهامه وخططه غير القابلة للتطبيق .

وهو الآن يتحدث في إصدار جديد بعنوان « وقاتلوهم « يدعو فيه إلي استهداف المسيحيين باعتبارهم جزءًا من مشروعه الجديد الذي ينتقل من استهداف مؤسسات الدولة إلى جزء عزيز من مواطنيها وهم المسيحيون ، وقد كان من قبل استهدف مؤسسات الدولة السيادية ، ربما يكون التنظيم قد قام باستهداف بعض رجال الدين المسيحيين والتجار الذين يتهمونهم بأنهم موالون للدولة ، بيد إن إعلانه لاعتبار المسيحيين جميعا في سيناء هدفا له يعد منحى جديدا وتطورا جديدا في مشروعه الإرهابي إنه يريد أن يحقق الأهداف الآتية :

أولا : تهجير المسيحيين من منطقة العريش التي يتجمعون فيها كعنوان لما يعتبره مجتمعا صافيا وخالصا ، مجتمع بدون تنوع أو تعدد ، إنه مجتمع الإمارة الإسلامية التي لا يقيم فيها مسيحيون ، أو صوفية فقد هددوا من قبل الصوفية بأنهم لا مكان لهم في سيناء وقتلوا شيخهم عيد أبو حراز الطاعن في السن ذبحا ، كما استهدفوا الأضرحة في سيناء بالصواريخ.

ثانيا : إظهار الدولة المصرية والنظام السياسي بمظهر العاجز عن حماية مواطنيه المسيحيين الذين يراهم التنظيم قاعدة تأييد مهمة للنظام السياسي وهو ما يعكر العلاقة بين المسيحيين وبين الدولة المصرية والنظام السياسي .

ثالثا : معاقبة الكنيسة المصرية على مواقف يعتبرها التنظيم مؤيدة للنظام السياسي في حربه ضد التنظيم وضد الإسلاميين الآخرين الذين يواجهون الاعتقال والسجن ومن ثم توجيه سلوكها بالكف عن القيام بمثل ذلك السلوك .

رابعا : لفت نظر الدول الغربية والعالم وأيضا لفت المنظمات الحقوقية والمنطمات المدافعة عن الأقباط في الخارج لشن حملة على النظام السياسي باعتباره غير قادر على حماية أقلياته ، وهنا يواجه ضغطا دوليا خارجيا يؤدي إلي إرباكه وتشتته .

خامسا : شن حرب نفسية واسعة على النظام السياسي باعتبار أن التنظيم ينتقل الآن إلي كتلة كبيرة من الشعب المصري هي المسيحيون في مصر وأن اتجاههم ومواقفهم لا يمكن ضبطها كما هو الحال في المواجهة مع المؤسسات السيادية التي يخضع أبناؤها لتربية منضبطة تجعلهم يلتزمون بتنفيذ مهامهم في مواجهة التنظيم الإرهابي دون التعرض لخطر التلاعب بتوجهاتهم ومواقفهم .

سادسا : إشارة التنظيم في إصداره « وقاتلوهم « إلي أن أعداد المسيحيين لا تبلغ الأعداد المعلنة وأنهم يسيطرون على جزء كبير من اقتصاد البلاد وهو ما يثير حزازات طائفية متعلقة بمسائل العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات وأن المسلمين يواجهون المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بينما لا يعاني المسيحيون من ذلك .

ما العمل وكيف نواجه

هذا هو السؤال الصعب ، بيد أن هدف التنظيمات الإرهابية هو تغيير أنماط حياة الناس والمجتمعات وبث الفوضي بين طوائفه وأطيافه ، والعمل علي إضعاف دور الدول وهز صورتها وهيبتها ومكانها في نفوس أبنائها وإظهار أنها عاجزة ليس ذلك فقط بل وهز صورة المؤسسات الدينية التي تنتمي إليها الفئات المستهدفة من قبل التنظيم وهي مؤسسة الكنيسة والأزهر معا . وهنا نضع تصورا لما يجب أن يكون عليه العمل من قبل الدولة ومؤسساتها .

أولا: التحلي بالصبر والثبات وعدم الخوف من العمليات الجديدة للتنظيم ، وقد كانت العملية البطرسية في القاهرة وفي مكانها الملاصق للكتدرائية المرقسية بالعباسية وتفجيرها يوم احتفال المسيحيين بعيد ميلاده ، وقتل ما يقرب من ٢٩ شخصا من النساء والأطفال تحديا كبيرا ومفاجئا للدولة وهو ما أزعج الرئيس وجعله يتقدم الجنازة العسكرية للضحايا ويعزي البابا على الهواء مباشرة ويظهر أن تلك ضربة موجعة ، وربما أغرى ذلك التنظيم بالتقدم في نفس الخطة واعتماد استهداف المسيحيين خطة له .

ثانيا : بناء خطة للمؤسسات لا تعبر عما يريد التنظيم توجيهه إليه ، وهوتشديد الأمن على دور عبادة المسيحيين وكنائسهم ليقوم التنظيم بالضرب في أماكن أخرى ، وإنما المطلوب عمل خطة أمنية متوازنة لا تذهب إلى منطقة دون بقية المناطق مع إحاطة جميع المناطق بالاهتمام .

ثالثا : قيام المؤسسات الدينية بتوضيح ما يذهب إليه التنظيم إلي أن المسيحيين لم يعد لهم عهود وأنهم مستهدفون باعتبارهم كفارا ، وبيان كيف أن الإسلام يحمي الإنسان أيا كان باعتباره مكرما من الله وأن الذمة قد تم إسقاطها في مصر منذ عام ١٨٥٦ في عهد الخديو سعيد وأن العلاقة القائمة بين الدولة ومواطنيها هي علاقة قائمة على المساواة والمواطنة ، لأن صيغة الاجتماع القديم قد انتهت واليوم هناك جيوش وطنية يشارك فيها كل المصريين وحيث إن المسيحي يشارك المسلم نفس الحقوق والواجبات فلم يعد هناك معني لدفع الجزية التي كانت ضريبة للحماية والدفاع ، كما يجب أن تشير المؤسسة الدينية الإسلامية إلي أن الافتئات على حقوق الدولة وقيام جماعات للاحتساب تقوم هي بتنفيذ القانون بدلا من الدولة يعد عدوانا وحرابة وفوضي ، ذلك لأن الدولة المعاصرة هي التي تقوم اليوم بوظائف الأمن والدفاع والعدل وغيرها من الوظائف دون غيرها .

رابعا : قيام المؤسسة الدينية المسيحية بلفت أنظار أبنائها إلى استلهام الجوانب الروحية منها دون استمراء العزلة داخلها ، ودعوتها منتسبيها للانفتاح على مواطنيهم المسلمين والمشاركة معهم في المناشط المختلفة المتنوعة في رحاب المجتمع المدني والجامعات وأنشطتها والنقابات والأحزاب والتعبير عن مواقفهم السياسية بحرية بعيدا عن الالتزام بما يتصور أنه موقف سياسي للكنيسة التي هي تعبير روحي ينظم المسائل الروحية وقضايا الأحوال الشخصية وغيرها دون الانخراط في الجوانب السياسية .

خامسا : إعادة النظر بشكل كامل في استراتيجية المواجهة مع التنظيم بسيناء واعتبار أن ما يجري هناك يمثل حربا صعبة لكنها في التحليل النهائي لا بد من خوضها بقواعدها ، وأن يكون هناك توقيتات واضحة لمراحلها ، وأن يكون هناك توقيتات مفترضة وعلمية لنهايتها .

سادسا : العمل علي تفعيل القضايا المتعلقة بالاقتصاد والاجتماع وحقوق الإنسان فيما يتعلق بالعلاقة مع أهالي سيناء وقبائلها بما يحقق تعزيز الانتماء والولاء لدي تلك القبائل وأبنائها بما يحقق حرمان التنظيم من أن يبني قاعدة اجتماعية له بين أبناء القبائل الشباب .

سابعا :العمل على تحقيق التنمية في شمال سيناء خصيصا وذلك بتحويل الأرقام المخصصة للتنمية والمشاريع الداخلة ضمن خطط التنمية إلي مشاريع حقيقية وذلك أن خطط التنمية في شمال سيناء بدأت منذ ١٩٩٤ ولاتزال تراوح مكانها إلي اليوم دون معرفة حقيقية حول ما يجري ويتم من مشروعات هناك ، نسمع فقط عن عشرات المليارات لتنمية سيناء شمالها وجنوبها دون أن نري مشروعات حقيقية على الأرض .

ثامنا : مراجعة أوضاع سيناء وقبائلها خاصة في مناطق الشمال كلها خاصة ما يتعلق منها بتقييد تحرك الناس واستمرار فرض الطوارئ ، وأن يكون هناك لجنة ذات صلاحيات واسعة لمراجعة تلك الأوضاع خاصة ما يتصل منها بالجوانب الإنسانية والحقوقية .

تاسعا : عودة الأسر القبطية إلي منازلها وحمايتها والعمل على بث الطمأنينة والأمل في نفوسهم ، وقيام الإدارة المحلية والمؤسسات الممثلة للدولة بالتواجد حيث يفرض عليها واجبها أن تكون ، وتثقيف وتدريب كوادر الإدارة والمجتمع المحلي والمؤسسات المحلية بكيفية التعامل مع الوضع الراهن لسيناء بعد شرحه لهم ، مع توفير الموارد اللازمة لذلك .

عاشرا : ضبط الأصوات المتشددة داخل المؤسسة الكنسية التي تتحدث عن أنهم أصل مصر وأن هذه أرضهم ، وأنه لايمكن العيش مع المسلمين ، فتلك الأصوات تدفع الشباب القبطي هو الآخر تحت الضغوط التي يتعرض لها المصريون جميعا والأقباط خاصة إلى الخروج متذمرين على الدولة ومحتجين عليها ، فهذا ما يريده الدواعش ، كما يجب على الإعلام تحري الدقة والتزام المهنية فيما يتصل بالعلاقات بين المسلمين وإخوانهم المسيحيين .

    الاكثر قراءة