يقولون "الجواب بيبان من عنوانه" والعنوان الذي بدأت به وزارة التربية والتعليم ووزيرها يشير بلا شك إلى وجود إرادة لإعادة امتلاك دفة العملية التعليمية بعد أن كانت تتناولها الأيادي فتأخذ السفينة يمينا ويسارا في تخبط ولعل الإشارات التي تؤكد أننا بصدد عام دراسي مختلف لا تخطئها الأعين فتلك اللقاءات الماراثونية التي يترأسها الوزير مع مديري المدارس ستضمن تنظيم سير العملية التعليمية وتوفير بيئة محفزة ولم مجرد استعراض للسياسات بل جاء ليؤكد على أهمية دور مديري المدارس في تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة ويعكس حرص الوزارة على تعزيز التواصل مع العاملين في الميدان التربوي.
ودون جهد كبير يستطيع المراقب لتحركات الوزير منذ توليه المسئولية أن يلمح بوضوح الحرص على التركيز على الانضباط كركيزة أساسية في عملية التعليم وأن الانضباط في المدارس هو الشرط الأول لضمان نجاح العملية التعليمية عبر دعوة مديري المدارس لمتابعة أداء المعلمين وتقييمهم بانتظام وهنا يتضح أن الوزارة لا تنظر إلى الإدارة المدرسية باعتبارها دورا إداريا بحتا بل كجزء فاعل من عملية تعليمية متكاملة يتعين فيها على المدير أن يكون قائداً تربوياً نشطا.
ومن اللافت أيضا أن الوزارة لم تغرق في بحار مشكلاتها المزمنة بل سعت لحلها كسد العجز في أعداد المعلمين عبر الاستعانة بالمعلمين المتقاعدين للعمل بنظام الحصة وعلى الرغم من أن البعض قد يرى أن هذه الحلول مؤقتة لكنها تمثل خطوة عملية لسد فجوات حقيقية في النظام التعليمي وخطوة تظهر المرونة المطلوبة في التعامل مع التحديات الطارئة حتي تنجز المبادرة الرئاسية تعيين 30 ألف معلم سنويا كجزء من خطة طويلة الأجل لتجديد دماء العملية التعليمية وضمان وجود كوادر تعليمية مؤهلة.
وبسطحية مخلة تعامل البعض مع زيادة مدة الحصة الدراسية وزيادة الأسابيع الفعلية للتدريس على أنها نوع من "الرخامة" أو "التفنن في الإرهاق الإداري لكن الحقيقة أن زيادة فعالية الوقت المخصص للتعليم وإن كان بسيطا في مظهره لكنه يعكس فهما عميقا لأهمية الوقت في العملية التعليمية ويشير إلى السعي لتوفير فرصة أكبر للمعلمين لشرح المناهج بطريقة أكثر عمقا وتفاعلا بهدف تحسين جودة التدريس وتطوير مهارات الطلاب لتحقيق بيئة تعليمية تفاعلية تركز على تنمية مهارات والتفكير النقدي والتحليلي لدى الطلاب.
وبعقلية الثواب والعقاب التي تعد أسباب نجاح القطاع الخاص وسر إقبال أولياء الأمور على التعليم الخاص جاءت لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي لتعزيز فكرة أن هناك من سيسعى إلى تحفيز الجميع على الالتزام بالقواعد وتوفير حوافز مشجعة للمعلمين والطلاب على حد سواء وهذه الخطوة تعكس رؤية شاملة لتحقيق الانضباط وليست مبنية فقط على فرض العقوبات بل على خلق بيئة تربوية متوازنة تدعم حقوق المعلمين وتوفر لهم الإمكانيات اللازمة لأداء مهامهم.
ومن بين الأمور المحمودة للمسار الجديد هو الحرص على الاستماع إلى مديري المدارس ومناقشة مشكلاتهم بشكل مباشر ما يعكس التوجه نحو تفعيل آلية الحوار المباشر مع القيادات التعليمية وهذه النقطة تحديدا تعزز الثقة بين القيادة التعليمية في الوزارة وبين مديري المدارس وتوفر مناخا صحيا لتبادل الآراء والمقترحات حول تحسين العملية التعليمية وفي ضوء كل هذه الإجراءات والتوجهات يمكن القول إننا بصدد مشروع عام دراسي ناجح وتأسيس مسار جديد ومستدام نحو تحسين جودة التعليم في مصر وأن هناك إرادة مشتركة بين الوزارة ومديري المدارس لتنفيذ رؤية شاملة تهدف إلى تطوير المنظومة التعليمية وستصلح التجربة نفسها بنفسها لتتحول تلك التوجهات إلى واقع ملموس على أرض الواقع عبر استدامة المتابعة الدقيقة والدعم المستمر من كل الأطراف المعنية ولا شك أن التواصل الذي يعمقه وزير التربية والتعليم خطوة إيجابية في طريق طويل نحو إصلاح التعليم في مصر وبوجود هذه الرؤية المستدامة لتطوير التعليم فإن الآمال معلقة على نجاح هذه الجهود في خلق منظومة تعليمية تليق بمصر وبتطلعات الأجيال القبلة وبناء مجتمع أكثر علما وتقدما.