الأحد 20 اكتوبر 2024

دار الهلال فى قلوب ملوك السعودية

1-3-2017 | 13:46

بقلم:  عادل عبد الصمد

لإصدارات «دار الهلال» مكانة خاصة فى قلوب ملوك وأمراء السعودية، وتحتل مجلة «المصور» الصدارة فى قلوب ملوك السعودية منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز، فالمصور شاهدة على مسيرة التنمية والازدهار للشقيقة السعودية، وخصها الملك عبد العزيز بأحاديث لها تاريخ، وكتب على صفحاتها ملوك السعودية على مر العصورأبرزهم الملك فيصل رحمه الله.

وكانت مجلة «الاثنين والدنيا» التى تصدرها «دار الهلال» لها مكانة متميزة عند أبناء الملك عبد العزيز، ومنهم الأمير نواف بن عبد العزيز الذى كان مغرما وعاشقا للقراءة ويختص حبه بمجلة الاثنين، وصولا الى الملك سلمان الذى اعلن أنه يعشق مجلة الهلال وكان يقرأها فى شبابه بكثرة.

اختص الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، المصور بحديث صحفى فى عدد أبريل ١٩٥٠ ويقول عنها «إننا نحب المصور لأنها صحيفة جدية معتدلة الرأى، منصفة وخدماتها للعروبة والجامعة العربية محمودة جليلة الأثر» وهذه الكلمات ضمن تحقيق صحفى لمجلة المصور هذا نصه:

أسد الجزيرة.. قال لى..

هبطت الطائرة «بريستول» فى مطار الرياض بعد أربع ساعات من تركها مطار جدة.. فلما نزلت منها استقبلنى مندوب الحكومة. وكان ضابطاً، ورحب بي، وخرجنا معاً فى سيارة فخمة كانت تنتظر..

كان بين أصابعى سيجارة أدخنها.. فنبهنى صاحبى أن التدخين ممنوع فى الرياض.. وكنت أعرف أن بين نجد والتدخين عداء دينيا مستحكماً.. ولكننى نسيت! وقد أطفأت السيجارة فوراً.. وودعت التدخين إلى حين.

وبينما كانت السيارة تقطع الكيلو مترات الستة التى تفصل بين الرياض ومطارها.. كنت أقطع الوقت بالحديث مع صاحبى لقد أخبرنى أن جلالة الملك عبد العزيز آل سعود أمر بأن أكون ضيفاً عليه فى «قصر البديع».. وهو القصر الذى كان جلالته يقيم فيه ضيفاً، فلما شيد القصر الضخم الذى يقيم فيه الآن، جعل «قصر البديع» منزلاً لضيوفه الأعزاء.. وكل ضيف مصرى عزيز عنده.

برنامج لا يتغير!

وحدثنى عن برنامج جلالته اليومى.. أن جلالته يمضى يومه على نظام دقيق لا يغيره.. يستيقظ قبل الفجر فيصليه فى مسجد القصر مع أبنائه المقيمين معه، وهم الذين لم يتزوجوا.. ومع رجال الحاشية والخدم، ثم يقرأ القرآن فى مصحفه حتى تطلع الشمس.. فيعود إلى فراشه ويستريح ساعة.. ويذهب بعد ذلك إلى الحمام ثم يستقبل طبيبه، ثم يتناول الإفطار مع أبنائه وينظر فى شئون أسرته.

وفى الساعة التاسعة صباحاً يجلس جلالته فى قاعة الاستقبال الفسيحة.. وهناك يجتمع بمستشاريه، ويتلو كاتب البرقيات ما عنده منها.. فيملى عليه الملك ردوده عليها.. فإذا فرغ من ذلك استقبل زائريه إلى أن تحين صلاة الظهر فيؤديها فى مسجد القصر.

وبعد تناول الغداء مع أبنائه وحاشيته، يستريح إلى الساعة الثالثة.. ثم يصلى العصر ويسمع تفسير القرآن والحديث من أحد العلماء.. ثم تعرض عليه شئون الدولة، ويستقبل الزوار إلى الخامسة مساءً، فإذا كان الوقت صيفاً خرج للنزهة فى بستان من بساتينه، أو إلى مرتفع يشرف منه على سباق الخيل بين الأعراب.. ثم يصلى المغرب، ويعود إلى القصر فيتناول العشاء.. ويجلس مع سيدات أسرته، وهن نحو ستين، ثم يصلى ويسمع من العالم الدينى فصولاً فى تفسير القرآن والحديث.

ويعود جلالته إلى العمل بعد ذلك، فيعرض عليه ما جد من شئون مستعجلة.. ثم يدخل الموظفون الستة الذين يلتقطون انباء العالم التى تذاع بالمذياع، ويتلونها على جلالته فى مجلس يضم أبناءه ومستشاريه.. وفى الساعة العاشرة يأوى جلالته إلى فراشه.

قصر فى ٢٠ يوما!

وبعد قليل أشرفنا على الرياض، فرأينا القصر الملكى ومن حوله قصور الأمراء.. إنها تشبه حصون العصور الوسطى، وقد تخللها النخل الباسق..

ولفت نظرى قصر عال حديث البناء بجانب قصر الملك.. فلما سألت صاحبى عنة، قال لى إنه شيد فى ٢٠ يوماً!.

ولاحظ الرجل دهشتى.. فقال:

- لقد أمر جلالة الملك ببنائه على عجل ليقيم فيه جلالة ملك الأفغان.. وجاء الضيف العظيم فإذا بالقصر مستعد لاستقباله، والفضل للآلات الحديثة التى تستخدمها الدولة فى جميع أعمال الإنشاء والتعمير.

وأخيراً وصلنا إلى «قصر البديع «.. ودخلنا، فإذا هو مزدان بأفخم قطع الأثاث.. المصنوع على أحدث طراز أمريكى وبعد قليل سمعنا جرس التليفون، وتكلم صاحبى.. ثم عاد فأخبرنى أن المقابلة الملكية ستكون فى صباح اليوم التالى.

فى الحضرة الملكية

وفى الصباح ذهبت إلى قصر جلالة الملك.. «قصر المربع» ودخلت قاعة الاستقبال الكبرى.. حيث جلس جلالته فى صدرها، وعن يمينه جلس صاحب السمو الملكى ولى العهد على مقعد بعيد.. وجلس الوزراء ورجال الحاشية على السجاد بين يدى مليكهم.. فلما تقدمت إلى جلالته استقبلنى واقفاً وهو يبتسم ابتسامة مشجعة.. وقال: «مرحباً مرحباً».. ثم صافحنى قائلاً: «صباح الخير والسرور.. تفضل» ودعانى للجلوس بجانبه.. فلما جلست قال:

- أرجو أن يكون الفاروق أخونا ومصر العزيزة بخير وسعادة. ليس هناك فارق بين مصر والمملكة السعودية. أنتم هنا فى بلادكم، ونحن عندكم فى بلادنا.. لما شرفنا الفاروق بالزيارة فى «رضوى» سألونى عن برنامج الزيارة، فقلت لهم:

الفاروق هو الذى يضع البرنامج كما يشاء.. إنه فى بلاده، وما يريده يكون.

ثم سألنى جلالته: «ماذا رأيت فى بلادنا؟».. فقلت: «كل خير.. نهضة واسعة فى جميع المرافق»

قال: «ما الذى رأيته؟»

قلت: «المشروعات الجديدة فى جدة ومكة»

فقال جلالته:

- إننا نسير فى الإصلاح بخطوات واسعة ولكن بالتدريج.. بدأنا بالماء لنوفر للشعب الماء النقى الصالح للشرب.. ولنيسر للناس الحصول عليه وهم فى بيوتهم، فأنشأنا عملية المياه فى جدة، وكانت فى أول الأمر تمد المدينة بمليون جالون من الماء من «عين فاطمة » بين جدة ومكة، ثم رأينا أن هذا القدر لا يكفى لاسيما فى موسم الحج، وبعد تقدم العمران فى جدة، فأخذنا فى تنفيذ مشروع آخر لتغذية جدة بمليون جالون آخر.. وسيتم التنفيذ فى العام المقبل أن شاء الله. وأنشأنا فى مكة عملية مياه ضخمة تتيح لسكانها أن يحصلوا على الماء للشرب.. ولزرع الحدائق أيضا.

واستأنف جلالته الحديث قائلاً:

- وقد عنينا بإنشاء ميناء جديد فى جدة، لترسو البواخر على رصيفه بدلاً من وقوفها فى عرض البحر، وزودنا هذا الميناء بالآلات الرافعة وسيارات النقل، ليجرى العمل فيه على الطريقة المتبعة فى أحدث موانئ العالم.

وأنشأنا ميناء آخر فى «الدمام» على ساحل الخليج الفارسى، ومددنا بينه وبين الرياض طريقاَ حديدياً للقطارات.. وقد أنفقت الحكومة فى أنشائهما ٤٥ مليوناً من الدولارات.. وحرصنا على أن يكون طريق القطارات فى أراض زراعية عامرة بالماء.. رغبة فى نشر العمران بالمملكة.

“وعندنا الآن نهضة زراعية مباركة.. والحكومة تعاون الزراع فى الحصول على أحدث آلات الرى والزراعة.. تشتريها وتبيعهم إياها بالقسط المناسب إننا نبذل قصارى جهدنا فى الإصلاح ونشر العمران».

الاختلاف غير الفشل!

وتكلم جلالته بعد ذلك عن الجامعة العربية فقال:

«علينا نحن الشعوب العربية أن نعمل على تدعيم الجامعة العربية، ففى دوام تضامننا واتحادنا تتجلى قوتنا وبأسنا.. واختلاف دولة من دول الجامعة مع زميلة لها فى الرأى لا يدل على أن الجامعة فشلت فى أداء رسالتها. وليس من الصعب إزالة الخلاف فى الرأى، والتوفيق بين الآراء مهما تباينت. وواجبنا أن نسعى دائماً لتدعيم بناء الجامعة وتثبيته، لأن مصالح جميع الشعوب العربية واحدة، وسبيلنا إلى تحقيقها هو التعاون والتضافر.

واستأذنت جلالته فى الانصراف فربت على يدى وقال: «خليك شوى».

وتفضل فسألنى عن مصر، فلما تحدثت عنها قال:

- عظيم.. أرجو لكم كل خير وسعادة، فمصر تهمنى كما تهمنى بلادى.. وأسر لخيرها سرورى لخير بلادى .

وسألنى جلالته عن «دار الهلال» ومجلاتها وقال: «إننا نحب» المصور «لأنها صحيفة جدية معتدلة الرأى منصفة، وخدماتها للعروبة والجامعة العربية محمودة جليلة الأثر”».

ثم أذن لى جلالته بالانصراف وقال لى وهو يصافحنى: «إن شاء الله نراك قبل العودة».

الاثنين والدنيا

وكانت لمجلة الاثنين والدنيا الصادرة عن مؤسسة دار الهلال مكانة متميزة عند أبناء عبد العزيز، فنقرأ تصريحا للأمير نواف بن عبد العزيز الذى كان مغرما وعاشقا للقراءة ويختص حبه بمجلة الاثنين، فيقول عن مصر وعن المجلة بتاريخ ٦ مايو ١٩٤٦

كل ما فى مصر جميل «وقد قلت ذلك لوالدى فى «رضوى» وهى التى زارها الملك فاروق ورجوته ألا يذهب وأحد أخوتى إلى مصر دون أن أكون معهم أحس فى مصر كأننى بين أهلى».

ثم تابع حديثه قائلا:

مصر أمنا والفاروق أبونا والمصريون إخواننا ثم سجل اهتمامه بمجلة «الاثنين» بأنه لا يفوته منها عدد.

وظلت المصور بالفعل مصدر الثقة والاعتزاز فى قلوب كل أبناء الملك المؤسس حتى اليوم.

بعد الثورة

وبعد ثورة ١٩٥٢ ادلى الملك عبد العزيز بتصريحات على صفحات المصور تحدث فيها عن الرئيس محمد نجيب وقال عنه: «إننا نرجو للعروبة على يديك خيرا كثيرا» وذلك فى العدد رقم ١٥٠٨ الصادر بتاريخ ٤ سبتمبر ١٩٥٣

وجاء فى هذا الموضوع الذى رافق خلالها محرر «المصور» الرئيس محمد نجيب اثناء زيارته للسعودية:

عاشت رحلة الرئيس اللواء محمد نجيب إلى الحجاز، وسوف تعيش أبدا فى قلوب العرب أجمعين، فلقد جاءت خير دليل على إيمانه بحكمة الحج الإلهية، الداعية إلى التضامن والتآزر، والتعاون على البر والتقوى.. كما أنها قد وثقت من صلات الأخوة والمحبة الصادقة، التى تربط بين مصر والمملكة السعودية، وسائر بلاد العالم العربى والإسلامي.. وهنا يحدثنا فؤاد السيد مندوب «المصور» فى حجة الرئيس، عن اللقاء الأول بين الأسد المصري، وأسد الجزيرة..

ما كادت الطائرة تستقر بالرئيس وصحبة فوق أرض مطار الطائف، حيث يقيم عاهل الجزيرة السعودى، حتى أسرع نحوها الأمير فيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية، وعدد كبير من الأمراء وكبار رجال الدولة، فتلقى الرئيس بالعناق، ورحب به باسم جلالة والده فى أرض الطائف، ودعاه للراحة فى قصر الأمير سعود ولى عهد المملكة.

يعتبر قصر ولى العهد فى «الطائف» من أجمل القصور العربية، فهو يتألف من طابقين مؤسسين على الطراز العربى البديع، ومؤثث بالرياش الثمين، وجدرانه مزينة بنقوش عربية دقيقة، وآيات قرآنية خطت بماء الذهب.. وينتهى مدخله الرئيسى ببحيرة صناعية كبيرة، تتوسطها نافورة مياه، هى آية فى الروعة والجمال.. وعندما دخل الرئيس القصر، كانت تعلو واجهته لافتتان، إحداهما كتب عليها: «يعيش الملك آل سعود» والأخرى عليها: «يعيش رئيس جمهورية مصر» وقد أحاطت بهما مجموعة كبيرة جدا من الأعلام السعودية والمصرية.

تناول الرئيس طعام الغداء فى قصر ولى العهد، بدعوة من الأمير فيصل، وقد لوحظ أن الطعام فى «الطائف» يختلف كثيرا عن الاطعمة التى تقدم فى كل من «جدة » و«مكة » فإنها تكاد تكون من النوع الأوربى وتغلب عليها الخضر والفاكهة.

بعد الغداء والراحة حضر الأمير نواف إلى القصر، وكان مرتديا سترته العسكرية برتبة اللواء، وقال للرئيس إن جلالة الملك عبد العزيز يسره أن يتفضل بزيارته فى الساعة الثالثة والنصف، ثم جلس بجانب الرئيس حتى حان الموعد فصحبه وزملاءه إلى قصر الملك بالسيارات الملكية.

كانت مئات الأعلام المصرية والسعودية وأعلام التحرير، تخفق على طول الطريق الموصل بين قصر ولى العهد وقصر الملك، وكانت الاقواس تنتصب فيه على ابعاد متقاربة بينما كانت الموسيقات تعزف السلام الجمهورى المصرى والسلام السعودى..

عند باب القصر كان الملك عبد العزيز فى استقبال الرئيس، وحوله الأمراء وكبار رجال الدولة ورجال الحاشية بثيابهم الرسمية، وعندما دخل الرئيس تلقاه الملك بالعناق والتقبيل، وهو جالس فى مقعده ذى العجلات المتحركة، وقد اعتذر الملك لعدم استطاعته الوقوف بسبب ضعف ساقيه، فتمنى له الرئيس الشفاء وسارا سويا حتى قاعة الاستقبال الكبرى.

جلس الملك والرئيس فى صدر القاعة، وهى تقوم على أعمدة ضخمة من البللور والمرمر، وقد انتثرت فى جوانبها المقاعد المذهبة الغالية.. وبعد أن استقر المقام بالحاضرين، وقف الرئيس محمد نجيب وقدم للملك زملاءه ضباط الثورة بأسمائهم، ثم قدم أعضاء البعثة ومندوبى الصحف والإذاعة والسينما، كل واحد باسمه فصافحهم الملك مستقبلا، كما صافحهم عند انصرافهم.

دارت القهوة العربية على الحاضرين، بينما دار حديث هامس بين الملك والرئيس، استغرق ربع الساعة، كان الاهتمام ظاهرا على ملامح العاهلين الكبيرين.. وفى النهاية ظهر الارتياح الشديد على وجه الملك طويل العمر، ثم رفع صوته قليلا وسمعناه - وقد اقتربنا قليلا – يقول: «إن هذه الحقائق لم تصل إلى سمعى من قبل، وإننى لسعيد بمعرفتها منكم».

فى ختام الحديث قال العاهل العربى بصوت مسموع للرئيس: «إننى على أتم استعداد لتأييد مصر فى كفاحها بكل ما أملك»، فرد الرئيس شاكرا، مكررا تمنياته له بدوام الصحة والعافية.

أشار الرئيس إلى اليوزباشى طلعت، فغاب من القاعة قليلا، ثم حضر ومعه اثنان يحملان صورة نصفية للرئيس، أكبر قليلا من الحجم الطبيعى، داخل إطار مذهب، فقام الرئيس وحملها إلى الملك هدية منه.. فتقبلها الملك شاكرا.. واستأذن الرئيس فى الانصراف، بينما أمراء البيت السعودى يودعونه حتى السيارة.

قال لنا الأمير نواف بعد انصراف الرئيس: «لقد تركت زيارة الرئيس أعمق الأثر فى نفس جلالة الملك والدى، فقد أحبه طويل العمر، كما أن خصائص الرئيس قد جعلته يكتسب محبة الوالد وصداقته وتأييده لخير العرب والعروبة».

بعد ساعة من انصراف الرئيس ذهب الشيخ عبد الرحمن الكبيشى رئيس ديوان الملك ابن سعود إلى قصر الضيافة، وقدم للرئيس الهدايا الملكية التى بعث بها العاهل له ومرافقيه، فقبلها الرئيس شاكرا، ثم قام يوزعها على أصحابها، بحضور الأستاذ أحمد عبيد المرافق المدنى للرئيس، والشيخ يوسف يس وكيل الخارجية السعودية.. وكانت هدية الرئيس مؤلفة من سيف ذهبى مرصع بالماس، وقطعة من الكسوة الشريفة.

قدم للصاغ صلاح سالم سيف مذهب وقطعة من الكسوة وقدم مثلها لكل من البكباشى حسن الشافعى والصاغ كمال الدين حسين..

وفى المساء جاء الأمير نواف إلى قصر الضيافة ووجه الدعوة للعشاء باسم الملك للرئيس محمد نجيب وزملائه ومرافقيه..

فركب الرئيس إلى القصر مرة ثانية، وكان الملك والأمراء عند باب القصر فى استقباله، وبعد تناول القهوة فى قاعة الاستقبال، انتقلوا إلى قاعة الطعام الكبرى المواجهة لمدخل القصر، وهى لا تقل ضخامة وروعة عن سابقتها.

تتسع مائدة قاعة الطعام الملكية لمائة شخص، وقد وضع فوقها ٥٠ خروفا مشويا على الطريقة العربية، اتخذت قواعدها من الأرز المحمر والكبد والكلاوى.. وكانت الخضر تنتثر بين الخراف، وقد تألفت من «الباميا المرصوصة» و«سبانخ بالبيض» و«قرع عسلى» و»محشوات» ومختلف من انواع اللحوم، ومجموعة كبيرة من الحلوى منها «البودنج» و»الألماظية» وفاكهة الموسم كلها.. كالتفاح والكمثرى والعنب والخوخ.. وكوب من اللبن.

تصدر الملك والرئيس المائدة وجلس حولهما الحاضرون، كل شخص أمام البطاقة المكتوب عليها اسمه.. وبدأ الملك بتناول الحساء فكان هذا إيذانا ببدء الطعام، واستمر عشرين دقيقة، تخللها حديث ودى بين الملك والرئيس.. وقد لوحظ فى النهاية أن جميع الخراف قد بقيت ساعة بدون أن تمس بسبب كثرة ألوان الطعام الأخرى واللحوم.

انتقل الملك والرئيس بعد ذلك إلى قاعة الاستقبال وخلفهما جميع الحاضرين، فشربوا القهوة والمرطبات، ثم جاء آخرون بالروائح العطرية الجميلة فطيبوا الملك والرئيس.. وعندما أبدى الرئيس إعجابه بالرائحة، تناول الملك قنينتها من الأمين وقدمها هدية لصديقه فتقبلها الرئيس شاكرا.

بعد عشر دقائق نهض الرئيس مستأذنا فى الانصراف، فصافحه الملك وقبله مودعا ثم قال له: «إننا نرجو العروبة على يديك خيرا كثيرا» ثم تقدم سائر مرافقى الرئيس وأعضاء البعثة فصافحوا الملك، وخرج الرئيس بينما أمراء البيت السعودى يودعونه بالتحية والتقبيل والعناق، حتى باب القصر الخارجى.. حيث ركب الأمير فيصل بجانب الرئيس، وركب الأمير نواف بجانب السائق، تكريما للبطل المصرى، حتى بلغ الموكب قصر الضيافة.

فى ساعة مبكرة من صباح اليوم التالى، ذهب الأمير فيصل إلى قصر الضيافة، وصحب الرئيس إلى المطار، حيث استراح الجميع قليلا ولما حان موعد قيام الطائرة، قام الأمير وسائر أمراء البيت السعودى، وعانقوا الرئيس وصحبه طويلا، ثم عزفت الموسيقى السلام الجمهورى المصرى والسلام السعودى.. وظل الأمراء يلوحون للرئيس وصحبه بأيديهم حتى غابت الطائرة فى طريقها إلى المدينة المنورة.

كان أمير المدينة المنورة فى استقبال الرئيس وزملائه، وقد حيت حاميتها بإطلاق واحد وعشرين مدفعا، ثم استقل الموكب إلى قصر عبد العزيز الخريجى مدير المالية، الذى وقع عليه الاختيار ليكون قصرا للضيافة، وهو على الطراز العربى ويتألف من طابقين.. وما كاد يصل إليه حتى استبدل ثيابه وتوجه إلى الحرم النبوى.

دخل الرئيس غرفة المقام النبوى الشريف وهى لا تفتح عادة إلا للملوك ورؤساء الدول، فطاف حول المقام، وهو يتلو القرآن ثم وقف يدعو الله لنصرة الإسلام والمسلمين وتحرير مصر والعالم العربى من الاستعمار وكان صحبه يرددون دعاءه من حوله.

توجه الرئيس بعد ذلك إلى البقيع، فزار مقابر زوجات الرسول وصلى الظهر، ثم طاف بقبور الشهداء ومسجد «حدب» ومسجد «ذى القبلتين» الذى كان يصلى فيه المسلمون تجاه القدس، قبل بناء الكعبة وزار قير حمزة عم الرسول عند جبل أحد، وزار مسجد «قباء» وهو أول مكان صلى فيه الرسول بعد وصوله للمدينة.

تناول الرئيس الشاى بدعوة من الخريجى، فى منطقة البساتين التى يملكها، وهى تمتاز بجودة تربتها وبالدار العربية البديعة التى أنشأها الملك بين حدائق الزهور والفاكهة.. ثم صعد إلى الجبل وزار الاماكن التاريخية وصلى فيها.. وتناول العشاء فى البساتين.

فى فجر اليوم التالى زار الرئيس الحرم النبوى مرة أخرى، وكان يرتدى جلبابه الابيض والطاقية، ثم صلى الفجر، وظل وصحبه يتلون القرآن ويرددون الأدعية فترة طويلة، ثم اتجه إلى مهبط الوحى وردد دعاءه فيه، وبعد ذلك زار البقيع ومسجد قباء وقبور الشهداء مرة أخرى، ثم وزع ما معه من النقود على الفقراء، ولما نفدت نقوده استدان خمسة جنيهات من أحد الزملاء، وزعها كذلك.

زار الرئيس دار الايتام ومصنع السجاد المصرى، ودار التكية المصرية وتفقد النظام فيها، وأشار ببعض التوجيهات.. كما قام بعض ضباط الثورة بزيارة أسواق المدينة وابتاعوا بعض الهدايا لأصدقائهم فى مصر.

وثمة مقال أخر يتحدث فيه الأمراء السعوديون للمصور بعنوان

الأمراء السعوديون يروون القصة والحكمة والفكاهة»..

المصور بتاريخ ٢٣ أغسطس ١٩٥٧.

يقول محرر المصور: سألت الأمير «بدر بن سعود» أكبر الأمراء العشرة سناً من أحب الناس إليك؟

فأجابنى: أن أحب الناس إلىّ فى الدنيا هو جلالة الملك.. والدى.. أطال الله عمره ولو أن الحياة تقتدى لفديته بنفسى لأن الحنان الذى أشعر به من نفسه لا يستطيع أن ينهض بوصفه لسان ولا جان وإنى أتفانى فى حبه لأن ذلك واجب دينى أولاً والقرآن الكريم حافل بالآيات التى تدعو لطاعة الوالدين ورضاهما «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً»، وسألت «الأمير فيصل» متدرجاً هبوطاً مع السن حسب بروتوكول مقابلتى معهم:

ما هى الكلمة المأثورة التى اخترتها من دراستك لتكون عنوان حياتك؟

فأجابنى على الفور: كلمة لأبى جلالة الملك سعود: «إننا والله لا ننظر إلى الناس إلا بعين المحبة والتقدير والمساواة فكبيرهم عندنا كوالد ومتوسطهم كأخ وصغيرهم كابن وإن رعايانا عندنا بمنزلة أولادنا وعيالنا وأهلنا». ولقد لمست تعلق الأمراء العشرة كلهم بالملك سعود والدهم وحبهم العميق له وتمثلهم به وأنا ماض فى الحديث معهم كلهم فقد سألت الأمير تامر:

أى العلوم تقبل عليها أكثر بين علوم المدرسة؟

فأجابنى: التاريخ فهو حافل بالعبر والعظات وخير دروس للمرء يتعظ بها هى دروس التاريخ، لما فيها من تجارب الأولين وتمجيد أعمال المتقدمين والإشادة بأعمال السلف الصالح الذين يجب أن يكونوا القدوة الصالحة. ويلذ لى أن أقرأ وأعاود قراءة تاريخ أبى وحروبه مع جدى الملك الراحل عبدالعزيز وأذكر من المواقع العظيمة التى خاضها أبى غزوته على بعض قبائل عتيبة الموالين للأشراف وكيف انتصر فيها انتصاراً ضخماً فى يومين فقط، وكانت الغنائم التى فاز بها وقسمت على جنوده المحاربين بعد المعركة ٣٠٠٠ بعير و١٠٠٠٠ رأس غنم وعندما اتجهت إلى الأمير «ماجد» لأسأله ابتسم وسألنى هو: هل هذا امتحان؟.. لقد انتهينا من الامتحانات ونحن الآن فى إجازة.. واجاب عنى «الأمير بدر» فقال: ليس هذا امتحاناً.. بل ربما كان من قبيل برنامج جرب حظك الذى تذيعه الإذاعة المصرية. وضحك الأمراء والتفت إلى الأمير ماجد متهيئاً لاستقبال سؤالى فسألته:

هلا قصصت علينا سموكم قصة قصيرة أعجبتك فى دراستك أو قراءاتك؟

وفكر لحظة ثم قال: بسيطة.. اسمع هذه القصة.. تقدمت امرأة فقيرة إلى أحد ولاة العرب الأقدمين وقالت له «جئت أشكو إليك قلة الجرذان فى بيتى» فقال لرجاله حوله «ما أحسن كناية هذه المرأة.. أملأوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً»، وجاء دور الأمير «سلطان» فبادأنى هو متسائلاً: وأنا هل تطلب منى رواية قصة أيضا؟

قلت: لا.. بل رواية نادرة.. فكاهة؟ وأجابنى بعد لحظة: هاك آخر فكاهة قرأتها.. حيث حدث دائن مدينه عن الحياة فى القطب الشمالى فقال له ضمن ماقاله: «إن مدة الليل تطول إلى ١٤١ يوماً» فتنهد المدين وقال: «حبذا لو كنا فى تلك البلاد فإذا طالبتنى ليلة بمالك قلت لك ارجع غداً صباحاً» وكان سؤال «الأمير عبدالرحمن» فى الشعر سألته:

أرجو أن تذكر لنا شعراً أعجبك قديماً كان أو حديثاً؟

وأجاب على الفور: من شعر أبى العتاهية:

ما انتفع المرء بمثل عقله.. وخير ذخر المرء حسن فعله

وقال لى الأمير «مشعل» أما أنا فسأجيبك قبل أن تسألنى.. سأقول لك حكمة قديمة «من لا يرجع عن خطئه فقد أخطأ مرتين» إنها دستور صالح حكيم للحياة وجاء دور الأمير «منصور» فسألته:

ماذا أعجبك فى بلدنا؟

فقال: تقصد بلدنا جميعاً.. أن مصر بلد كل عربي.. كما قال لنا الرئيس جمال عبد الناصر، إذ التقينا به فى مكتبه بالرئاسة «اعتبروا أنفسكم أنكم فى بلدكم وبين أهلكم وإخوانكم”

بقى أن أجيبك على سؤالك: ماذا أعجبنى فى مصر.. أعجبتنى مصر كلها وأهل مصر جميعا.. مصر الحديثة ومصر القديمة، وأهل مصر من كل فئة وفى كل مكان. ولم يدعنى أصغر الأمراء الأمير «عبد الإله» أسأله أيضا فقد انطلق يقول لى عقب كلمات أخيه الأمير منصور: «إننى أحب الرئيس جمال عبد الناصر، وعندما ذهبت مع إخوتى لزيارته فى مكتبه حملت له معى وردة جميلة قدمتها إليه هدية”.

والأمير العاشر ليس من أبناء الملك سعود بل من أحفاده واسمه الأمير «خالد بن عبد الله» والأمراء العشرة يزورون مصر بدعوة خاصة من الرئيس جمال عبد الناصر، ويصحبهم فى هذه الزيارة «عثمان الصالح» مدير معهد الأمراء الذى يدرس فيه أمراء الأسرة المالكة السعودية فى الرياض.. سألنى قبل أن أسأله، إذ أحس بالرغبة منى فى سؤاله: أتريد أن تسألنى أنا أيضا؟.

قلت: بالطبع أريد أن أسألك عن رأيك فى الأمراء الذين ترافقهم.. رأى الأستاذ فى تلاميذه؟

فأجابنى: يكفينى إجابة عن سؤالك نجاحهم فى الامتحان الصحفى الذى سألتهم فيه!

ويصحب الأمراء فى زيارتهم لمصر محمد المرشد الزغيبى الوزير المفوض والقائم بأعمال السفارة السعودية فى مصر عبد الجواد طبالة سفير مصر فى المملكة العربية السعودية، وبرنامج زيارة الأمراء السعوديين لمصر برنامج ضخم راجعه الرئيس جمال عبد الناصر بنفسه، واهتم بأن يشمل جميع معالم مصر الحديثة والقديمة، وعندما استقبل الأمراء فى مكتبه برئاسة الجمهورية قال لهم: أرجو أن تمتد زيارتكم أطول مدة ممكنة.

وبعد أن حدثوه عن مشاهداتهم قال لهم: «وددت لو اتسعت الفرصة لتزوروا الآثار فى الأقصر وأسوان ولكن الجو الآن هناك غير ملائم لهذه الزيارة، وأرجو أن تتاح قريبا».

وقد دامت مقابلتهم مع الرئيس نصف ساعة وسيعودون إلى المملكة السعودية بعد انتهاء الزيارة.. وقد نزلوا فى ضيافة الرئيس بسميراميس.

قال لى محمد المرشد الزغيبى القائم بأعمال السفارة السعودية: إننى أحس بالفخر والزهو إذ أسمع المسئولين المصريين يشهدون فى جميع جولات الزيارة بأن أصحاب السمو الملكى الأمراء يبدون من الملاحظات ما ينم عن سعة أفق التفكير ووفق الاطلاع.

صاحب الجلالة الملك فيصل يوجه على صفحات «المصور» كلمة إلى العرب فى كل مكان وذلك فى عدد المصور الخاص الصادر بتاريخ ١٩٦٤).

أيها الأخوان تحية الإسلام ويسرنى أن أعبر عن صادق شعورى وامتنانى للفرصة الطيبة التى جعلتنى أتحدث إليكم حديث الأخ لأخيه.. أحييكم من بلد هو وطنكم الروحى .. هذا البلد الذى شع منه روح الإسلام وانبثقت منه العروبة فاستنارت البصائر وتحقق العدل والمساواة وعمت الأخوة وانطلقت هذه الإشعاعات من هذه البقاع لتعم بنورها وعرفانها وتعاليمها وعدلها ارجاء العالم .. فنحن أيها الأخوان قائمون على خدمة هذا الدين الكريم مجاهدين عاملين بمقتضى الشريعة الإسلامية السمحة باذلين كل ما يمكن لخدمة وفود بيت الله الحرام.

أيها الأخوان

أن شعب المملكة العربية السعودية يتجه رويدا نحو التقدم والرفاهية بفضل النهضة المتنوعة المظاهر التى تبرز يوما بعد يوم للعيان وفى كافة المجالات.

وأن علاقاتنا باخواننا العرب فى كل البلاد هى علاقة الأخ بأخيه فنحن نضمر لهم كل محبة وكل إخلاص أن تكون هذه القاعدة محور علاقات البلاد العربية فيما بينهما جمعاء .. ونسأل الله أن يوفق الجميع إلى ما فيه تحقيق الآمال الطيبة النافعة والسلام.

أما الملك سلمان فله علاقة خاصة بدار االهلال حيث قال «إن المجلة التى كانت مفضلة له، هى مجلة «الهلال» التى يحترمها كثيرًا، ويحرص على قراءتها» .