السبت 19 اكتوبر 2024

شخصيات مُبدعة | فرويد.. مؤسس علم النفس الحديث

فرويد

ثقافة24-9-2024 | 01:03

ياسر علي

قضى العالم النمساوي سيجموند فرويد (1856 – 1939م) قُرابة الخمسين عامًا باحثًا دارسًا مستقصيًا مظاهر النفس الإنسانية، كاشفًا عن مجاهلها، مؤمنًا بآرائه ومجاهدَا في نشرها والدفاع عنها، وداعيًا إلى إعمال العقل في التحقق منها، حتى استطاع قبل رحيله أن يُعاين اعتراف العالم كله بفضله؛ لإقامة (التحليل النفسي) صرحًا من صروح العلم الحديث يفيد منه الناس شرقًا وغربًا فائدة تظهر نتائجها في كثير من نواحي الحياة.


ويُعد (فرويد) المؤسس الفعلي للتحليل النفسي القائم على نظريات ذات أساس علمي لا تقتصر على التوقّع أو التخمين، وهو بذلك همزة الوصل بين الفلاسفة السابقين له في مضمار علم النفس، واللاحقين المُطورين لنظرياته ومفاهيمه.


لم يسع فرويد لدراسة العلوم الطبيعية أو الطب النفسي، ولم يستشعر ميلاً خاصاً إلى مهنة الطب، وكان تركيزه الأكبر تجاه الملاحظة والتحليل، وكان مدفوعًا بضرب من الفضول، ومُتعطشًا إلى الأمور الإنسانية، وخلال هذه الفترة المُبكرة من حياته بدأ يُدرك أهمية المُلاحظة بوصفها إحدى الوسائل الرئيسية لإشباع ذلك الفضول، وكان لنظريات دارون التي شاع الاهتمام بها في ذلك الحين دورًا كبيرًا حيث اجتذبته إليها اجتذاباً قوياً لما كانت تُبشر به من تقدم فائق في تفهم الكون؛ وحينما سمع مقال جوته عن الطبيعة في محاضرة عامة لكارل برول قبيل تخرجه من المدرسة، اتخذ قراره بدراسة الطب.
وجد فرويد في شهوره الأولى بالجامعة أن معمل إرنست بروك الفسيولوچي هو المكان الوحيد المُناسب له، وهناك أوكل إليه بروك تشريح خلايا الجهاز العصبي؛ فتفوق في مهمته تفوقًا حاز رضاه، ثم مضى بالبحث وحده وظل بهذه المعمل فترة من 1876 حتى 1882، ولم تكن تستهويه في ذلك الوقت مختلف فروع الطب، وحده الطب النفسي الذي حاذ على كل تفكيره واهتمامه.


برع فرويد في دراسات النخاع الشوكي، ثم تفوق في دراسة جراحة المخ، وشرع بعدها في دراسة الأمراض العصبية، وكان عدد الأساتذة في هذا التخصص قليل جدًا، وخلال بضع سنوات نشر فرويد مجموعة من المُشاهدات الأكلينيكية، عما يلحق بالجهاز العصبي من إصابات عضوية، وأخذت خبرته تزداد شيئًا فشيئًا حتى أصبح باستطاعته تحديد موضع إصابة ما في النخاع المُستطيل، وكان أول طبيب في فيينا يُرسل حالة للمشرحة تشخيصها إلتهاب أعصاب حاد، ومن هنا بدأت رحلته مع التحليل النفسي.


يُعد فرويد أوّل من وضع نظرية التحليل النفسي، وأنشأ مدرسة متخصصة له، ساعده في ذلك كونه طبيباً سابقاً في مجال الأعصاب، ومتخصصًا بشكل كافٍ في تشريح الأدمغة وبيان مكوناتها وطرق علاجها بمختلف العقاقير الطبية. كان يُنظر لفرويد بأنه أعظم مكتشفي العالم الداخلي للإنسان، حيث اكتشف ما أطلق عليه العقل الباطن/اللاواعي، وقام بتشبيهه بالبئر المليء بالذكريات والأحاسيس والمشاعر الجياشة التي تنازع غرائز الإنسان.
وتُعد "نظريات العقل واللاوعي، وآلية الدفاع عن القمع وخلق الممارسة السريرية في التحليل النفسي لعلاج الأمراض النفسية عن طريق الحوار بين المريض والمحلل النفسي من أشهر نظرياته. كما اشتهر بتقنية إعادة تحديد الرغبة الجنسية والطاقة التحفيزية الأولية للحياة البشرية، فضلًا عن التقنيات العلاجية، بما في ذلك استخدام حلقات العلاج النفسي، ونظريته من التحول في العلاقة العلاجية، وتفسير الأحلام كمصادر للنظرة الثاقبة عن رغبات اللاوعي".

 

"في الفصلين الدراسيين من شتاء 1915 - 1916 وشتاء 1916 - 1917، وتحت عنوان محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي، ألقى فرويد في أحد مدرجات عيادة الطب العقلي في جامعة فيينا ثماني وعشرين محاضرة في ثلاث مجموعات، حضرها أطباء وطلاب طب ومستمعون من سائر الكليات الأخرى وقد ارتجل محاضرات الفصل الأول ارتجالا، أما محاضرات الفصل الثاني فقد كتبها أثناء اصطيافه في سالزبورغ، ثم ألقاها بنصها في الشتاء التالي".


بعد ذلك بقرابة الخمسة عشر عامًا، كتب فرويد مجموعة رابعة من المُحاضرات، وجاءت بإجمالي 7 محاضرات، لم يُلقها بالفعل على الأساتذة والدارسين، وإنما تخيًل أنه يقف بين يديهم ويلقيها في قاعة الجامعة، وكان السبب في ذلك إصابته بالسرطان، التي أدت به لإجراء جراحة في فكّه أعاقته عن الوقوف والحديث في جمع من الناس. فهيأ نفسه وتخيل أنه بين طلابه، وبدأ في إلقاء محاضراته الوهمية في صيف 1932م، وأطلق على هذه المحاضرات اسم (محاضرات تمهيدية جديدة في التحليل النفسي).


عام 1938، فرّ فرويد هاربًا من النمسا بعد الاحتلال الألماني لها، ومات بإنجلترا في مثل هذا اليوم 23 سبتمبر من عام 1939م عن عُمر يُناهز 83 عامًا، بعدما طلب من طبيبه جرعة كبيرة من المورفين لتريحه من صراعه الطويل والأليم مع مرض سرطان الفم