الأحد 29 سبتمبر 2024

عالم أكثر إنسانية وعدلا

مقالات29-9-2024 | 19:53

في زمن تموج فيه الأحداث وتتبدل فيه المواقف تبقى مصر كما عهدناها عبر التاريخ صوتا للعقل ودعوة للعدل تحمل راية الدفاع عن الحقوق وتنشر قيم التعاون والتسامح بين الأمم هكذا كان انطباعي وأنا أستمع لكلمة مصر أمام قمة الأمم المتحدة حيث جرى دمج بديع لقضايا سياسية شائكة مع قيم إنسانية سامية مثل العدالة والمساواة فلم تكن الكلمة مجرد بيان سياسي بل عكست إحساسا عميقا بالظلم الذي يواجهه النظام العالمي الحالي حيث تبدو المؤسسات الدولية غير قادرة على مواكبة التحديات ليرفض صوت مصر الانقياد وراء المصالح الضيقة ويدعو لإصلاح شامل فلقد أثارت الدعوة إلى إصلاح النظام العالمي بداخلي حالة من التفكر العميق حيث تساءلت: هل النظام الحالي الذي ولد من رحم الحروب العالمية لا يزال قادرا على تلبية تطلعات الشعوب النامية وهنا تتجلى قوة ما حملته الكلمة المصرية التي سعت إلى  تعزيز الشعور بالمسئولية العالمية تجاه إعادة بناء نظام أكثر عدلاً.

وحملت مصر على عاتقها الدعوة الواضحة لإصلاح منظومة الأمم المتحدة بعد أن باتت فعالية هذا النظام على المحك لترفض مصر وبصوت عال التمثيل غير العادل داخل مجلس الأمن وغياب تمثيل دائم لأفريقيا والدول العربية مذكرة بمواقف أفريقيا المتمثلة في توافق "أزولويني" وإعلان "سرت" لإصلاح النظام العالمي بشكل يعيد العدالة إلى هذه القارة ولم تكن  الرغبة في إصلاح جذري في الهيكل المالي العالمي ومؤسسات التمويل الدولية غائية عن كلمة مصر بما في ذلك تطوير سياسات وممارسات بنوك التنمية متعددة الأطراف لتوفير التمويل الميسر للدول النامية لتعلن دعمها للنداء الذي أطلقه سكرتير عام الأمم المتحدة لجعل مؤسسات "بريتون وودز" أكثر عدالة لصالح الدول النامية لمعالجة مشكلة الديون السيادية للدول النامية من خلال تعزيز الآليات القائمة واستحداث آليات جديدة لتحقيق تنمية مستدامة.

كما جددت مصر الدعوة في هذا الخطاب على أهمية التعاون الدولي في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود كما أشارت إلى ضرورة تعزيز التعاون الدولي من خلال مبدأ المسئولية المشتركة متباينة الأعباء وإبراز أهمية تمويل الدول النامية لمواجهة التحديات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة كما بدى جليا أن القضية الفلسطينية تحتل مكانة خاصة في الأجندة المصرية وكأن استعراض الوقائع  كان بمثابة صرخة ألم تعكس شعورا بالعجز الدولي أمام تعنت السياسة الإسرائيلية وشعرت هنا بوزن المسئولية وحجمها والتي تتحملها مصر في هذا الملف وحجم التحديات التي تواجهها ليبرز بوضوح التناقض بين الواقع الصعب الذي يعاني منه الفلسطينيون والطموح المشروع في إقامة دولتهم حيث يتصارع الأمل واليأس في ذات اللحظة.

ومن ناحية أخرى أكدت كلمة مصر وأعادت التنبيه على أن أزمة المياه وسد النهضة ليست مجرد صراع تقني أو قانوني بل هي معركة وجودية بالنسبة للمصريين وأن النيل ليس مجرد مصدر للمياه بل هو شريان حياة يربط المصريين بتاريخهم وهويتهم في مسار اتسم بالتوازن بين الحزم في الدفاع عن الحقوق واللجوء إلى الحلول السلمية وامتدت مظلة الكلمة لتشمل دعم مصر للدول الأفريقية وهو ما يعكس وعيا عميقا بالدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في محيطها الإقليمي ليس فقط من منطلق المصلحة ولكن من منطلق الالتزام الأخلاقي.لتأكيد صورة مصر كدولة تؤمن بالتعاون والتضامن.

إن كلمة مصر للمجتمع العالمي رسالة أمل تؤكد على ضرورة استمرار العمل من أجل تحقيق الإصلاح والعدالة وأن مصر على الرغم من كل التحديات لا تزال تؤمن بقدرتها على المساهمة في تحسين العالم وأننا أمام رؤية متكاملة لمصر الحديثة التي ترفض الاستسلام للأزمات وتؤمن بضرورة التغيير على مستوى النظام الدولي في إطار مسار يتسم بالمسؤولية والالتزام بالقيم الإنسانية ولفت نظر الجميع إلى أن الأحداث الجارية تدعو الكل إلى ضرورة التعاون الدولي والعمل الجاد من أجل مستقبل أكثر عدلاً وإنسانية.