الثلاثاء 1 اكتوبر 2024

بين هزيمة ونصر.. رؤية جمال حمدان لـ 6 أكتوبر في كتابه "6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية"

غلاف الكتاب

ثقافة1-10-2024 | 13:27

فاطمة الزهراء حمدي

صاحب عقلية فذة، وصاحب أفق واسع، يُعد أحد أعلام الجغرافيا المصريين، عاصر النكسة 1967م، وصولًا لحرب أكتوبر 1973م، آلف كتاب "أكتوبر في الاستراتيجية العالمية"، تحدث فيه تفصيليًا عن حرب أكتوبر وما حدث بها، ولم يكتفي بحديثه عن مصر، بل تحدث عن من حدث بالجبهة السورية، إنه الدكتور جمال حمدان المفكر الكبير وأحد أعلام الجغرافيا، الذي سيبقى حيًا في الوجدان المصري، تاركًا ميراثًا وموسوعة فكرية تنير الفكر العربي.

حرب أكتوبر، كانت الصفعة للعدو الذي طالما تباهى بقوته وقدرته على سحق من يقف بوجه، فجائت أكتوبر لتسجل أقوى رد على تلك الإدعاءات الكاذبة، وأثبتت ذلك من خلال تحالف الوحدة العربية، التي وقفت بكل شجاعة في وجه العدو، فهي لم تكن حربًا بقدر ما كانت ردًا قويًا وصارمًا، لكل من تسول له نفسه الوقوف في وجه مصر أو الوطن العربي.

آلف حمدان كتاب يتحدث عن حرب 6 أكتوبر، والذي جاء تحت عنوان "6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية"، الصادر عن دار الهلال عام 1997، ويتكون كتاب "أكتوبر في الاستراتيجية العالمية" من أحد عشر فصلًا، ففي كتابه يقول: "مخطىء جدًا من ينظر إلى معركة سيناء والجولان المظفرة، التي عاشها ومازال يعيشها اليوم كل عربي بكل خلجة وخلية من أعصابه ووجدانه، وبكل نبضة وومضة في قلبه وكيانه، نقول مخطىء هو جدًا حين ينظر إليها في إطارها الضيق وفي أبعادها المحلية كمجرد النقيض الموضوعي المباشر المعركة يونيو 1968".

وأضاف: "مخطيء جدا من يظن عبورنا المقدس إلى قدس الأقداس سيناء أمرا ستقتصر دلالته في النهاية على إزالة آثار العدوان، أو أن العودة إلى سيناء والجولان تعنى مجرد العودة إلى ما قبل 5 يونيو، أى إلى حدود وأوضاع وتوازنات 4 يونيو".

وتابع: "كلا، ليست حرب أكتوبر التحريرية العظمى والماجدة مجرد المكافيء الموضوعي أوالرد الاستراتيجي على نكسة يونيو، وليس 6 أكتوبر الخالد مجرد نسخ أو ناسخ ليوم 5 يونيو الحزين، ففي يقين هذا الكاتب أن التاريخ سوف يسجل 6 أكتوبر كأخطر وأفعل،  مثلما هو أعظم وأروع، تحول مؤثر فى تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي المفع ، وبالتالي في تاريخ العرب جميعا، ومن ثم ودون إفراط في المبالغة في تاريخ العالم المرئى كلها هذه اللحظة التاريخية وهذه الأيام الفاصلة المشحونة بالانفعالات المتوقدة والتوتر المضطرم والترقب المتلهف، قد لا تترك مجالا للرؤية المستأنية ولا للفكر المتروي، وقد تغلب فيها شحنة العاطفة الدافقة والحماس المتأجج على طاقة العقل والروية وعلى بعد النظر ووضوح الرؤية".

واستكمل: "ولكننا مع ذلك نزعم أن هذا ليس وقتا للحماس فقط بل هو وقت للفكر أيضا، بل ليس وقتا للانفعال بقدر ما هو وقت للفعل، كما نرى أن صورة المستقبل على الأقل في بروفيله العريض، قد فرضت منذ العبور نفسها، وأصبح علينا أن نمد بصرنا وبصيرتنا عبر سيناء والجولان إلى ما وراء الجولان وسيناء، وعبرالمعركة إلى ما بعد النصر، في مثل هذا الاطار التاريخي والاستراتيجي الشامل وحده، نحن نجادل، ينبغي أن ننظر إلى المعركة الوطنية العظمى التي دارت رحاها أخيرا على أرض سيناء والجولان" .

 ثم يبدأ في أول الفصل الذي جاء تحت عنوان "قدس أقداس مصر"، بوصف سيناء ومساحتها، وأهميتها الإستراتجية، من حيث السهول الشمالية، الكتلة الجبلية، ثم يأتي الفصل الثاني تحت عنوان "معركة التحرير الكبرى"، ويتحدث بها عن قوة اسرائيل الوهمية التي أخذت تستعرضها، وفي النهاية لاقوا شر هزيمة، وما حدث بحرب أكتوبر من حيث أركان الخطة والمبادأة، وعنصر المفاجأة والعبور وغيرهم.

 وجاء في الفصل الثالث: "استراتجية المعركة"، استكمل شرح خطة الحرب والمعركة من حيث التخطيطات، والمبارزة، واجتياح الخط، وملحمة الإقتحام، وصولا لعملية التسلل، وقال عنها: " بدأت هذه العملية، «عملية شارون كما يسمونها، وإن ثبت الآن أنه لم يكن مخططها الأصلي أو الوحيد، بدأت في ليل 15، 16 أكتوبر، أي في اليوم العاشر من المعركة، وامتدت على مدى أسبوع، الأسبوع الأخير، حتى وقف اطلاق النار في 22 أكتوبر، ولكنها ظلت مستمرة بعده بضعة أيام أخرى في تلاعب فاضح بالقانون الدولي وبصفة غير مشروعة، وهي بهذا قد استغرقت في جملتها نحو 10 أيام".

 تحدث حمدان كذلك عن الجبهة السورية، في الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان "المعركة السورية الكبرى"، وقال: " لسوريا، في الاستراتيجية كما في السياسة، وضع خاص وبارز بين العرب. فكما كانت دائما قمة من قمم العروبة الشامخة طوال العصور الاسلامية ورائدة القومية العربية الأولى بلا منازع في العصر الحديث، كانت الجبهة السورية في الصراع العربي الاسرائيلي قلعة شاهقة، مجازيا كما هي حرفيا عسكريا كما هي جغرافيا، وقوة ضاربة أساسية بالغة الصلابة والعنف حفظت التوازن مع العدو على سائر الجبهات وفرضت عليه ضغوطا مضادة مزقته من الوجهة الاستراتيجية وشتته تشتيتا . واذا كانت الجبهة السورية واحدة فقط من عدة جبهات محاربة في معركة 1968".

كما تحدث عن الوحدة العربية بين الجبهتين التي كانت عاملًا أساسيًا في الإنتصار وكتب: "ولقد كانت وحدة المعركة العربية على الجبهتين عاملا أساسيا بلا ريب في انتصار العرب، وجاءت مصداقا مجددا وعمليا للقانون الخالد في صراع الأمة العربية مع أعدائها، ألا وهو أن مصير العرب معلق دائما ورهن أبدا بوحدة القوة السورية والمصرية سوريا، مصر كانت باستمرار وحدة جيوستراتيجية واحدة، من وضع قدمه في احداهما قادته تلقائياً الى الأخرى، وهما معا قلب الوطن العربي جغرافيا وطليعته تاريخيا، والذبذبات السياسية في مصير العرب ارتفاعا او اتضاعا، تحريرا او استعمارا، مرتبطة بالعلاقات بينهما إن وحدة أو تفككا وإن تضامنا أو تباعدا. ولقد أثبتت معركة أكتوبر الجانب الموجب في معامل الارتباط الكامن في هذه العلاقة واستبعدت الجانب السالب. لقد أثبتت المعركة أن في وحدة سوريا ومصر دائما نصر العرب العسكري والسياسي".

وأكد في كتابه: "هكذا كان دور الجبهة السورية التاريخي، وهكذا كان في أكتوبر. ولئن كانت هذه الجبهة أقصر بكثير جدا من الجبهة الاردنية المجاورة في طول حدودها المشتبكة مع العدو، فإنها قد عوضت عن الطول بالكثافة، وعن الاتساع بالعمق، وعن القرب بالصلابة. فكما أثبتت سوريا نفسها في الميدان قوة بالغة الضراوة قتالا وحربا، حشدت أمام العدو قوة عسكرية تعتبر بكل المقاييس بالغة الضخامة عددا وعددا أكثر من ربع مليون جندي أو نحو 260 ألفا وتعد بلا شك أعظم مما يمكن أن يتناسب مع حجم سوريا البشري ومواردها الإقتصادية".