السبت 5 اكتوبر 2024

بطولات حرب الاستنزاف.. القفز إلى النصر

مقالات5-10-2024 | 14:09

كانت المرحلة الثالثة من مراحل حرب الاستنزاف هى الأكثر عنفا حيث تعددت صور الاستنزاف وتزايدت الهجمات  على جبهة القتال.

وتمتد هذه المرحلة بين شهرى مارس 1969 وأغسطس 1970.

وتقسمها المصادر العسكرية المصرية إلى ثلاث مراحل :

المرحلة الأولى: من الثامن من مارس 1969 إلى التاسع عشر من يوليو من نفس العام.

المرحلة الثانية: من العشرين من يوليو 1969 إلى ديسمبر 1969

المرحلة الثالثة: من الأول من يناير إلى الثامن من أغسطس 1970

كانت أهم العمليات التى نفذتها القوات المصرية فى المرحلة الأولى هى قصف خط بارليف والأهداف الإسرائيلية على الضفة الشرقية لقناة السويس بأربعين ألف قتيل واستمر هذا القصف لمدة خمس ساعات متواصلة، شاركت فى هذه العملية أربعة وعشرون كتيبة مدفعية، واستخدمت الدبابات الثقيلة عيار 122 مم لتدمير دشم خط بارليف، أحدث هذا القصف آثارا مهمة سواء على المعدات أو الروح المعنوية للقوات الإسرائيلية، فتم تدمير حوالى تسعة وأربعين دشمة فى خط بارليف، وإسكات عشرين بطارية مدفعية وتسبب القصف فى حرائق شديدة فى ست مناطق إدارية.

ولقد استشهد الفريق عبدالمنعم رياض فى التاسع من مارس 1969 أثناء تفقده أحد المواقع شرق مدينة الإسماعيلية وكان هدفه من زيارة الموقع معرفة آثار القصف المصرى على خط بارليف وعلى الفور ثأرت القوات المسلحة المصرية لاستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، حيث خططت لتنفيذ عملية انتقامية ضد نقطة "لسان التمساح" شرق مدينة الإسماعيلية، وهى نفس النقطة التى أصيب فيها الشهيد، حيث قامت عناصر الصاعقة بقيادة المقدم (الشهيد) إبراهيم الرفاعى، التابعة للمجموعة 39، بالإغارة على النقطة ليلة السابع والثامن من يوليو 1969، ونجحت العملية فى قتل وإصابة أكثر من ثلاثين فرداً للعدو فى مقابل تسعة شهداء من المجموعة المصرية.

وفى يوم 11 مارس نجحت مدفعية الفرقة الثانية فى رصد مجموعة من ضباط العدو، بقيادة العميد "إشعياهو" فتم التعامل معها وقصفها، وانتهت العملية بتدمير تسع دبابا، وعربتين جيب لاسلكى وعربة صواريخ، كما قتل العميد إشعياهو وخمسة وعشرين ضابطا وأصيب ثلاثمائة فرد من القوة الإسرائيلية.

كما قامت عناصر من الكتيبة 39 صاعقة ليلة 13 مارس 1969 بالإغارة على موقع للعدو جنوب البحيرات فى قطاع الجيش الثالث، ودمرت الموقع وأصابت دبابتين وخطفت أسيرا كما أحضرت معها عينة من ألغام العدو.

وبداية من يوم 17 أبريل 1969 تم تنفيذ الخطة "هدير" باستخدام دبابات لـ233 ثقيلة لضرب دشم العدو وذلك بالضرب على المزاغل لكل دشمة وتدميرها من الداخل، وحسب رواية الفريق محمد فوزى تم تدمير حوالى 60 بالمائة من دشم خط بارليف، حيث لم ينج مزغل دشمة من اختراق دانة دبابة ثقيلة من خلاله لتنفجر داخل الدشمة ودمرتها بمن فيها من الأفراد وكانت البداية بتدمير الموقع رقم 6 الذى أطلقت نيرانه على الفريق عبدالمنعم رياض وأدى إلى استشهاده.  كما دمر فى مساء نفس اليوم كمين مصرى، عربة جنزير إسرائيلية وقتل أفرادها.

وفى مساء 21 أبريل قامت قوة مكونة من ثلاثة ضباط وثلاثين جنديا بنسف نقطة حصينة جنوب البحيرات، وحملت هذه القوة عند عودتها أسيرا إسرائيليا، وردت إسرائيل على الهجمات المصرية المتكررة بالإغارة يوم 29 أبريل على رادار عجلون (المصرى) بالأردن ودمرته جزئيا، وفقدت ثلاث طائرات، وفى نفس اليوم تسللت طائرة هليوكوبتر إلى نجع حمادى، وأسقطت أربع عبوات ناسفة قرب إدفو، ونسفت ثلاثة أعمدة كهرباء ضغط عال، وألقت ست عبوات زمنية ناسفة على نجع حمادى، وكان هدفها قطع تيار الضغط العالى عن القاهرة، إلا أنه تم إصلاح العطل بسرعة.

وفى مساء 19 مايو أغارت القوات الخاصة المصرية على مصنع فوسفات وكيماويات للعدو جنوب مستعمرة السلام بالنقب وأصابت المصنع إصابات أعجزته عن العمل، وكانت هذه العملية كرد فعل على مهاجمة إسرائيل لنجع حمادى.

وفى مساء التاسع من يونيه 1969 أغارت عناصر الكتيبة 43 صاعقة على لسان بور توفيق، ودمرت للعدو أربعة ملاجئ ودشمة وثلاثين قتيلا وجريحا، وأوقعت أسيرا إسرائيليا، وعرفت هذه العملية، بعملية بور توفيق الأولى. ثم أغارت عناصر من الكتيبة 35 لواء 11 مشاة، الفرقة السابعة بالجيش الثالث على نقطة العدو القوية في الكيلو 146، ودمرت جزءا منها تحت قصف نيرانى مكثف، وعادت القوة سالمة، وفى نفس الليلة قام اللواء 3 مشاة بإغارة بقوة سرية شمال البلاح ونفذ العملية بنجاح.

واستمر الاستنزاف المصرى لقوات العدو، حيث أغار سبعة ضباط صاعقة وأربعة وستون رتبة أخرى على نقطة لسان التمساح مساء 7 يونية 1969 وكبدت العدو خسائر فادحة، حوالى 300 ما بين قتيل وجريح وتم تدمير 4 دشم ودبابتين واستشهد من أفراد العملية تسعة شهداء.

وفى مساء التاسع من يوليو 1969 أغارت عناصر من الكتيبة 43 صاعقة على لسان بور توفيق، وخسر العدو 35 قتيلا وجرح وأسر أحد أفراد قوته، وجرح خمسة من أفراد القوة المصرية، وعرفت هذه العملية بعملية بور توفيق الثانية.

وفى التاسع عشر من نفس الشهر، قطع العدو الكابل البحرى للمواصلات بالجزيرة الخضراء، وحاول تنفيذ إنزال بحرى على الجزيرة الخضراء، لطرد سرية مصرية مدعمة للقوات المصرية، لكن السرية تصدت له بمعاونة مدفعية الجيش، واتخذت قرارا جريئاً بضرب الجزيرة وما عليها بما فيها مواقع قواتنا المحصنة فأنزلت خسائر فادحة بقوات العدو، حيث أصيب 30 فردا بين قتيل وجريح، كما أنزلت خسائر هائلة بلنشات ومعدات العدو، وجرح 15 من أفراد القوة المصرية نتيجة لقصفهم بالمدفعية المصرية أثناء وجودهم داخل التحصينات، وعندما أيقنت إسرائيل عدم قدرتها على الاستيلاء على الجزيرة، اعترفت بخسائرها في المعركة واجتمع على الفور مجلس الوزراء الإسرائيلي في جلسة طارئة لبحث الموقف العسكرى، ولدراسة أسباب فشل خطأ الاستيلاء على الجزيرة الخضراء وحضر الاجتماع "موشى ديان" و"حاييم بارليف" رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.

ونتيجة لكثرة خسائر العدو ، بدأ يستخدم سلاحه الجوى ليلاً ونهاراً بكثافة، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل حرب الاستنزاف سبتمبر حتى ديسمبر 1969.

والملاحظ أن القوات المصرية رغم تفوق سلاح الجو الإسرائيلي وقبل بناء حائط الصواريخ، لم تتوقف عن استنزاف العدو على طول خط المواجهة، ففى ليلة 11 أغسطس 1969 قامت قوة مكونة من 66 فرداً بالإغارة على قوات العدو تجاه الدفرسوار والفردان وقوة أخرى مكونة من 83 فردا بالإغارة ضد النقط القوية بهما، وبالفعل تم تدمير 50 بالمائة من الدشم التى أقامها العدو فى المنطقتين منها ستة دشم دمرت على أفرادها، ولم تقع خسائر فى القوات المصرية المهاجمة اللهم إلا جرح ثمانية أفراد.

ولرفع قدرات القوات البحرية المصرية، وللتأثير على معنويات قوات العدو، قامت القوات المصرية بمناورة بحرية مشتركة مصرية – سورية – سوفييتية وذلك فى الثانى من سبتمبر 1969، حيث شاركت أكثر من 80 قطعة فى المناورة شرق البحر المتوسط.

وبعد سبعة أيام قام العدو بهجوم شامل برا وبحرا وجوا، حيث نفذت هجوم خداعى تجاه مرسى السادات، وأصابت لنش طوربيد، وهجوم خداعى آخر على جزيرة شدوان ولكنه فشل، أما العملية الرئيسية فكانت على الزعفرانة حيث محطة رادار 12 B تحت حماية 58 طلعة طائرة، وفى نفس الوقت قام العدو بإبرار سرية دبابات منقولة على ثلاث سفن فى منطقة أبو الدرج، ثم اتجهت جنوبا إلى الزعفرانة، وقامت إسرائيل بتصوير العملية لتذاع على العالم ولتثبت سيطرتها على المنطقة الخالية من القوات، ثم انسحبت القوات الإسرائيلية بعد ساعة واحدة، إذ كان الهدف دعائيا بغرض التأثير على الروح المعنوية للقوات المصرية وللشعب المصرى.

إلا أن الرد المصرى لم يتأخر كثيرا فبعد يومين وتحديدا يوم 11 سبتمبر 1969 قام الطيران المصرى بضرب مواقع العدو على الطور الشمالى والجنوبى داخل شبه جزيرة سيناء، طوال اليوم، حيث شاركت مائة طائرة ميج 17 وميج 21 فى هذه العملية، وكان الهدف إظهار القدرة على الرد على عملية الزعفرانة فى 8 سبتمبر 1969.

وفى اليوم الثانى 12 سبتمبر قامت سرية مشاة مدعمة من الجيش الثانى بتدمير قول عربات بأفراده جنوبا، واحتلت موقعا حصينا كان خاليا من قوات العدو ورفعت العلم المصرى، وطلبت استمرار البقاء فى الموقع، لكن وزير الحربية رفض لأن العدو كان يخلى بعض المواقع ليلا خوفا من هجمات القوات الخاصة المصرية.

وفى الأول من شهر أكتوبر 1969 قامت البحرية المصرية بإنزال بحرى لدورية قتال على الساحل الشرقى لخليج السويس (رأس ملعب، ورأس مكارمة) وتمت العمليات بنجاح ونسفت الطريق ودمرت المنشآت الإدارية لقوات العدو وبعد ذلك بيومين أغارت كتيبة مشاة من الفرقة 18 ضد النقطة الحصينة بالدفرسوار ودمرت 60 بالمائة منها، كما حطمت دبابتين وأربع دشم بأفرادها وأسلحتها، وخسرت القوة المهاجمة أربعة شهداء.

وفى مساء 20 أكتوبر تحركت دورية من الفرقة الثانية مشاة مدعمة، تجاه شرق الفردان، ونجحت فى تدمير منطقة إدارية للعدو، وأحدثت انفجارات وحرائق هائلة بها، وفى مساء 4 نوفمبر 1969 دفع الجيش الثانى مجموعة صاعقة دمرت دورية إسرائيلية وخسر العدو عربتين تصف جنزير بجميع أفرادها، وقتل وجرح 8 إسرائيليين، كما أسر جندى لكنه توفى غرب القناة.

وفى مساء السادس من نفس الشهر نجح كمين صاعقة مكون من 46 فردا على طريق الشط الجباسات فى تفجير دبابة وقتل وجرح عشرة جنود للعدو، وفى نفس الليلة تم تدمير دبابة أخرى و2 عربة نصف جنزير وقتل 18 فرداً وجريحاً، واستشهد من القوة المصرية جنديان، وفى ليلة 8 نوفمبر تم قصف بحرى بقوة 2 مدمرة مسلحة بمدافع 130مم لقوات العدو فى رمانة وبالوظة وشرق بور فؤاد، وانسحبت القوات تحت ضغط طيران العدو، وعادت دون خسائر بعد إحداث تدمير هائل للأهداف الإسرائيلية.

وفى ليلة 15 من نفس الشهر، قامت قوة صاعقة بحرية وضفادع بشرية باستطلاع مدخل ميناء إيلات للتخطيط للعمل ضد ناقلات البترول وأهداف الميناء.

وفى ليلة 27 نوفمبر قامت مجموعة من القوات المصرية المنقولة جوا بالهيلوكوبتر بنفس طريق الطور- شرم الشيخ، وبعد يومين تمت إغارة شارك فيها 86 فرداً ضد مواقع شمال الشط، وقتل وأصيب فيها 70 فردا من قوات العدو، كما دمرت ثلاث دبابات وثلاثة مدافع داخل الدشم.

وفى يوم 6 ديسمبر 1969 دمرت كتيبة من الفرقة 16 شمال البلاح وشاركتها بعض العناصر من كتيبة جنوب البلاح. النقطة القوية كما نسفت منطقة إدارية للعدو، ولما طلب قائد الجيش بقاء القوة لنجاحها شرق القناة رفض الوزير فلم يكن الهدف هو البقاء إنما هو استنزاف قوات العدو.

وانتقم العدو بهجومه ليلة 23 ديسمبر على محطة رادار 12B بخليج السويس، حيث قتل أفرادها وتمكن من نقل باقى جهاز الرادار بواسطة طائرة هليوكوبتر.

وفى أواخر عام 1969 كانت القوات المسلحة المصرية قد استكملت هيكلها التنظيمى وحجم قواتها الذى خطط بناؤه على أساس الخطة "200" فقررت القيادة السياسية تصعيد العمليات العسكرية على الجبهة وفى العمق التكتيكى والتعبوى في سيناء.

ومع بداية العام الجديد، يناير 1970 تطورت عمليات الاستنزاف للدرجة التي دفعت البعض لاعتبارها مرحلة قائمة بذاتها، وأطلقوا عليها مرحلة التحدى والردع.

بدأت المرحلة بتصعيد العدو للغارات الجوية ضد الأهداف الاقتصادية والمدنية في العمق بهدف التأثير النفسى على القيادة السياسية لإيقاف عمليات الاستنزاف التي أرهقت القوات الإسرائيلية، وحسب شهادة المعاصرين والقادة العسكريين الذين شاركوا في حرب الاستنزاف، كانت المائة يوم الواقعة بين 7 يناير 1970 و18 أبريل 1970 مرحلة حرجة في تاريخ مصر، صمد فيها الجيش والشعب في مواجهة غطرسة طيران العدو، حيث قام العدو بداية بالأسبوع الأول من يناير وحتى 18 أبريل 1970 بقصف مصنع أبو زعبل، ووادى حوف، وحلوان، وإنشاص والتل الكبير ودهشور والخانكة، وغرب القاهرة، ورادارات المنصورة ورادار بلطيم، ومدرسة بحر البقر، كانت الغارات ذات تأثير محدود باستثناء غارة أبو زعبل حيث استشهد واحد وسبعون عاملا، ومدرسة بحر البقر حيث استشهد حوالى خمسين طفلا خلاف الذين أصيبوا بعاهات مستديمة.

واللافت للنظر أن هذه الاعتداءات لم تفت في عضد الجيش المصرى ولم تحقق أهدافها، كذلك زادت من صمود الشعب المصرى وأدت إلى نتائج عكسية تماما، حيث التف الشعب حول قيادته السياسية والعسكرية، وزادت كراهيته للولايات المتحدة الأمريكية كما زاد إصراره على الصمود والتحدى.

على أية حال فشلت محاولة القوات الإسرائيلية يوم 22 يناير 1970 في احتلال جزيرة شدوان، حيث قامت بإنزال كتيبة قوات خاصة بطائرات الهليوكوبتر، إلا أن الجزيرة التي كانت تدافع عنها سرية مشاة، صمدت وواجهت قوات العدو بقصف مدفعى عنيف، الأمر الذى دفعها للانسحاب بعد تدمير لنشين طوربيد بالقصف الجوى، وانتهت المعركة بأسر ستة جنود للعدو.

ولم تكتف القوات المصرية بإفشال محاولة احتلال جزيرة شدوان بل ردت ليلة 25 من نفس الشهر بهجوم جوى على معسكر للعدو بالعريش، تسبب في بعض الحرائق والخسائر المادية، وبعد ذلك بيومين أعد أفراد الكتيبة 18 فرد ميكانيكى من الفرقة 21 مدرعة، كمينا لقوات العدو، انتهى بتدمير عربة لورى وقتل ستة من الجنود، ونجحت قوة خاصة مصرية في الثانى من فبراير 1970 في تنفيذ إبرار جوى، بهدف زرع ألغام على طريق الطور- رأس محمد، وبعد ثلاثة أيام أعدت الكتيبة 83 صاعقة بمنطقة التينة كمينا لقوات العدو، ونجحت في تدمير رتل من ثلاث دبابات وعربتين جنزير وقتلت كل أفرادها، وفى الليلة الثالثة 6 فبراير 1970 اقتحمت قوة مصرية موقعا شمال البلاح الحصين، والمحاط بالأسلاك الشائكة والألغام، وتروى المصادر أن فردين من القوة المهاجمة ألقيا بجسدهما على السلك لتقتحم باقى القوات الموضع ونجحت العملية، وسميت بالعملية "شعير" باسم قائد اللواء وأعطت هذه العملية الثقة للقوات المصرية بإمكانية اقتحام المواقع الحصينة على طول خط بارليف.

وفى نفس الليلة قامت مجموعتان من الضفادع البشرية المصرية بمهاجمة ميناء "إيلات" ونجحت في إغراق سفينة الإنزال البحرى "بات يم" كما أصابت السفينة "بيت شفيع" بإصابات شديدة وكانت الخسائر صدمة للقيادة الإسرائيلية الأمر الذى دفعها إلى عزل قائد الميناء وتغيير أفراد الحراسة.

وفى يوم 11 فبراير 1970 نجح كمين مكون من ثلاثين فردا من أفراد القوات المسلحة المصرية في تدمير دبابة وثلاث عربات وقتل وإصابة ثمانية عشر من أفراد العدو، بمنطقة شمال وشرق الشط، كما نجح أفراد الكمين في أسر فردين، وعندما حاولت قوات العدو التدخل تعاملت معهم مدفعية الفرقة ج 19 وأمنت عودة القوة بالأسيرين سالمين.

وفى الثامن من مارس 1970 نجحت قوة من الضفادع البشرية في تدمير الحفار "كيتنج" في ساحل العاج، كانت إسرائيل قد استأجرته للتنقيب واستخراج البترول من حقول أبو رديس بشاطئ شرق خليج السويس، وتمت العملية بالتعاون مع المخابرات العامة المصرية وعادت القوة بعد تدمير الحفار سالمة.

وفى الخامس والعشرين من نفس الشهر، اشتبك كمين من اللواء 17 مشاه مع دورية إسرائيلية شرق الدفرسوار، وأحدث بها خسائر وتعاونت المدفعية المصرية بالضرب المباشر لمنع القوات الإسرائيلية من نجدة الدورية.

وجاء الانتقام الإسرائيلي بالهجوم يوم 8 أبريل على مدرسة بحر البقر، الأمر الذى أدى إلى استشهاد 50 طفلا وطفلة مصرية ورغم إدراك القيادة السياسية والعسكرية أن إسرائيل ستلجأ إلى ضرب الأهداف المدنية واستخدام سلاح الطيران للوصول إلى العمق للتأثير على الروح المعنوية للشعب والجيش المصرى، إلا أنها قررت الاستمرار في استنزاف العدو وقررت هي الأخرى نقل المعارك إلى العمق، حيث قامت القاذفات المقاتلة يوم 23 أبريل بمهاجمة مستعمرة "ناحال يام" التي تقع شرق قناة السويس بمائة كم شمال سيناء، وأحدثت بها خسائر فادحة، وكان الهدف إثبات قدرة مصر على الوصول إلى العمق وضربه، وإن كانت ضربات الطيران المصرى استهدفت الأهداف العسكرية ولم تقم بضرب المدنيين.

وبعد ذلك بيومين هاجمت الطائرات المصرية أهدافا أخرى في عمق سيناء، وفى اليوم التالى 26 أبريل نصبت كتيبة 113 صاعقة كمينا في الكيلو 16 جنوبي بور فؤاد، واشتبكت مع دورية معادية، وانتهت العملية بإصابة ثلاث دبابات وعربتين نصف جنزير وقتلت وجرحت 26 فردا.

واستكمالا للخطة "هدير" قامت الكتيبة 223 مدرع بالضرب يوم 28 أبريل على طول خط المواجهة، ونجحت في تدمير 60 بالمائة من دشم العدو المواجهة لها مستخدمة المدفع عيار 122 مم، وكان تقدير الكتيبة أنها دمرت جميع الدشم، وأن النيران اخترقتها جميعاً لدقة الرماية وهو الأمر الذي تم تصويره فوتوغرافيا قبل وبعد القصف.

وفي نفس اليوم أغار الطيران المصري ودمر بعض المواقع الإسرائيلية في سيناء وكانت هذه العملية هي سادس هجوم جوي كبير للطيران المصري نفذت جميعا خلال 11يوما وفي اليوم التالي نصبت فصيلة من اللواء الخامس مشاة كميناً في شمال الشط واشتبكت مع دورية معادية وبمعونة مدفعية الفرقة 19 نجحت في تدمير ثلاث عربات مدرعة ولوري وأصابت 20فرداً ما بين قتيل وجريح.

وفي نفس اليوم دمرت سرية من اللواء 134مشاة شمال شرق البلاح بالجيش الثاني دبابة وعربة مدرعة وأصابت أفرادها إصابات بالغة وفي اليوم التالي 30 أبريل دفع اللواء 117بسرية مشاة مدعمة إلى شرق منطقة حنيدق بالإسماعيلية، ونجحت في تدمير دبابة وعربة نصف جنزير وأسرت الضابط "إمتيران" وعادت به إلى غرب القناة.

وفي الأول من مايو 1970 نجح لنش صواريخ مصري في تدمير سفينة أبحاث إسرائيلية في عرض البحر المتوسط وفي اليوم التالي قامت مجموعة قتالية بالتعاون مع مدفعية مضادة للدبابات بقصف مطار الطور بعد أن نفذت عملية إبرار ناجحة على الشاطئ الشرقي لخليج السويس .

كما قامت قوة من الضفادع البشرية يوم 14مايو بضرب ميناء إيلات وألحقت به خسائر للمرة الثانية وفي مساء 18 مايو نصبت سرية مشاة من اللواء الخامس من الفرقة 19 كميناً عند علامة كم 139 شرق القناة ودمرت ثلاث دبابات وثلاث عربات نصف جنزير، وقتل وجرح في هذه العملية 10 أفراد من قوات العدو وعادت قوة السرية سالمة.

وفي يوم السبت 30مايو قامت مجموعة قتال من اللواء 135 والكتيبة 83صاعقة بإعداد كمين شرق رأس العش وشرق جسر الحرش وبمعاونة المدفعية المضادة للدبابات من الغرب بالاشتباك بالمجموعة الأولى من رتل عربات تمرير للعدو ودمرت معظمها، وعندما حاولت القوات الإسرائيلية إنقاذها فوجئت بالكمين الثاني، الذي نجح في تدمير ثلاث دبابات وعربتين جنزير وأردى 35 قتيلاً وتم أسر ثلاثة أفراد من قوات المظلات مات أحدهم متأثراً بجراحه وسلم الآخران للمخابرات وأحدثت هذه العملية أثراً شديداً في إسرائيل لدرجة أنهم أطلقوا على هذا اليوم "يوم السبت الحزين".

وفي عمليات انتقامية كرد فعل لنجاح العمليات التي تمت طوال شهري أبريل ومايو قامت القوات الإسرائيلية بقصف مدينة بورسعيد بداية من الأول من مايو 1970 وحولت المنطقة من بورسعيد إلى القنطرة لجحيم من نيران القنابل 1000 رطل وفقا للتقديرات العسكرية نفذت إسرائيل أكثر من 200 طلعة قاذفة وقاذفة مقاتلة في اليوم الواحد وتعرض غرب القنطرة للمدفعية المضادة للطائرات 100 مم وأسقطت عليه 80 قنبلة ما بين 500 و1000 رطل إلا أن تهجير سكان بورسعيد ومدن القناة أضاع على إسرائيل فرصة الضغط على القيادة السياسية والعسكرية ولم يقع ضحايا في صفوف القوات المصرية رغم كثافة القصف اللهم إلا جندي واحد استشهد عندما أصابته النيران وهو يسير في الطريق ليلحق بسيارة لتنقله للقطار ليمضي أجازته كما احترقت يد جندي آخر عندما كان يحاول إطفاء النيران التي اشتعلت في شبكة تمويه دبابته إلا أن القصف الإسرائيلي حول أرض المنطقة- وفقاً لرواية مراسل جريدة الأهرام- إلى حفر كثير شبيهه بسطح القمر بل إن القذف تسبب في تفجير المياه الجوفية، إلا أن هذا القذف رفع من الروح المعنوية للقوات المصرية حيث ثبتت التجهيزات الهندسة ولم تدمرها القذائف.

وزاد من رفع الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة المصرية نجاحهم في إجبار قوات العدو على الانسحاب من منطقة "التينة" حيث هاجمتها بحوالي مائة فرد تحت ستر الطيران والمدفعية ونتيجة لصمود القوات المصرية خسر العدو جميع من وصل من أفراده غرب القناة ودمرت عربتان نصف جنزير بأفرادها وفشلت العملية تماماً.

وتجدر الإشارة إلى أن قوات الدفاع الجوي المصري بعد إنشائه وفصله عن القوات الجوية تحملت العبء الأكبر في ردع طيران العدو ولم تكن في البداية تمتلك من القدرات مقارنة بإمكانيات الطيران الإسرائيلي التي تمكنها من مواجهة الهجمات المنخفضة ولم يكن الاتحاد السوفييتي يمتلك هذا السلاح لذلك لجأت مصر إلى شراء الرشاش نصف بوصة الفردي والثنائي والرباعي من أسواق السلاح العربية ثم طلبت من الاتحاد السوفييتي صناعة سلاح مماثل وبالفعل صنع السوفييت "الاستريلا من فصيلة سام 7" وتدربت عليه قوات الدفاع الجوي المصري.

وتم توزيع المدفعية المضادة 3,7بوصة و40مم ولواءات الصواريخ المضادة على أهداف العمق والمدن الرئيسية والقواعد الجوية والبحرية ولكن قلل من كثافة الدفاع الجوي تخصيص لواء صواريخ سام 2 المدعم بأسلحة مضادة  للطائرات على منطقة السد العالي وخزان أسوان ولذلك كان تطوير السلاح الجوى هاجساً يؤرق القيادة السياسية، وبالفعل أنشئت على عجل شبكة إنذار ومراقبة بالنظر شرق وادي النيل من بورسعيد حتى رأس بيناس على البحر الأحمر جنوبا كمرحلة أولي ثم غطت الشبكة وادي النيل كله مع إنشاء شبكة مواصلات داخلية ولا سلكية منفصلة مؤمنة لسرعة إبلاغ البلاغات.

لقد نجحت مصر في إقامة أكبر شبكة دفاع جوى كانت الأكثر تطوراً في العالم بمنطقة قناة السويس فحققت حماية للتجمع الرئيسي للقوات غرب القناة كما أصبحت هذه الشبكة أول خطوة تحضيرية للقوات المسلحة المصرية كي تأخذ حريتها في الحركة شرقاً بعبور القناة والاندفاع تحت ستر وحماية هذه الشبكة حتي المضايق الاستراتيجية في سيناء وأحدثت هذه الشبكة وقدرتها وفاعليتها وكثافتها خللاً جسيماً في ميزان التفوق الجوي الذي كانت تمتلكه إسرائيل في منطقة القناة قبل تمركز هذه الشبكة.

ونتيجة لاستمرار ضغط الطيران الإسرائيلي على الأهداف المدنية في العمق المصري مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية التي منحت إسرائيل وفقاً لما صرح به "موشى ديان" الضوء الأخضر للهجوم على العمق المصرى حتى لا تتحول المعارك على الجبهة المصرية إلى فيتنام أخرى، نتيجة لذلك سافر عبدالناصر إلى موسكو مرتين ليحصل على مزيد من الدعم السوفييتي طالما أن الاستنزاف تحول إلى مواجهه بين السلاح الأمريكي والسلاح السوفييتي وبالفعل أسهم السوفييت في حماية العمق المصري من غطرسة القوة الإسرائيلية- الأمريكية من ناحية ومن ناحية أخرى قررت الاقتراب بحائط الصواريخ نحو الجبهة على طول خط المواجهة كانت "رجل على الأرض تحمي، ورجل تنتقل تحت الحماية وتحتل مراكز متقدمة" حتى تمركزت 29كتيبة صواريخ سام 2، ومدافع 23مم 100مم ،57مم ،23مم مدعمة بصواريخ سام 6 الموجودة في ثلاث فرقاطات سوفييتية في ميناء بورسعيد وتم تمركز الخط  في أوائل أبريل 1970وسميت هذه المرحلة بالوثبة الأولى .

وكانت الوثبة الثانية يوم 28يونيه 1970 تهدف إلى إعادة تمركز 14كتيبة على بعد 30كم من قناة السويس في سرية تامة وبطريقة المباغتة والمفاجأة ونجحت الوثبة الثانية.

وفوجئت إسرائيل بداية من يوم 30يونيه بتساقط طائراتها ففي هذا اليوم أسقط الدفاع الجوي المصري 11 طائرة إسرائيلية من سرب كان مكوناً من طائرات الفانتوم والسكاي هوك سقطت خمس طائرات منها غرب القناة وأسر خمسة من الطيارين منهم قائد السرب.

وعندما عاود العدو الهجوم يوم 3يوليو فشل فشلا ذريعاً وأسقطت له طائرتين وأسرت الطيارين غرب القناة وسقطت بعض طائرات السرب شرق القناة وقدرت الطائرات التي أسقطها الدفاع الجوي المصري في هذا اليوم بـ13طائرة كما أسر سبعة طيارين وعرف هذا الأسبوع بأسبوع تساقط الفانتوم وخلدت مصر يوم 30يونيه فأصبح عيداً للدفاع الجوى فهو اليوم الذى بدأ فيه تأكل الطيران الإسرائيلي.

ثم كانت الوثبة الثالثة والأخيرة لسلاح الدفاع الجوى المصري حيث صدق الرئيس جمال عبدالناصر على تنفيذها فأعيد تمركز كتائب الدفاع الجوي بقوة 18 كتيبة صواريخ اقتربت 10كم من قناة السويس وذلك قبل بدء إيقاف إطلاق النار يوم 8 أغسطس 1970 وبهذه الوثبة الأخيرة اعترفت إسرائيل بأن مصر لم تنجح فقط في تحقيق توازن القوى معها بل إنها أحدثت خللاً كبيراً في توازن القوى مع الطيران الإسرائيلي.

الاكثر قراءة