الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

الأغاني الوطنية وبعث روح النضال

  • 6-10-2024 | 09:14
طباعة

جاء عدوان يونيه 1967م ليمثل نقطة تحول في تاريخ مصر المعاصر.. كما تحول إلي مرحلة فارقة في تاريخ الأغنية الوطنية المصرية.. حيث واصل الشعراء والملحنون والمطربون دورهم  الذي بدأوه مع ثورة يوليو 1952م.. بمساندة ودعم هذه الثورة.. ليتحول دورهم بعد 1967 إلي رفع معنويات الشعب المصري والدعوة إلي الثأر من العدو الصهيوني.. ومساندة بطولات الجندي المصري.. التي توالت طوال حرب الاستنزاف (يونيه 1967 – أغسطس 1970) حتي تحقق انتصار أكتوبر 1973.. لتتواصل عطاءات الأغنية الوطنية أحتفالاً بهذا الانتصار العظيم.

فلم يغفل دور الفنانين في حشد عزيمة الشعب وإعادة بث الحماس في قلوبهم مرة أخرى، عن طريق بث أغانيهم الجديدة  للشعب عبر الراديو.. وكرس الغناء للأمل بالنصر الذي هو آت لامحال وبعث روح النضال.

يا أهلا بالمعارك يابخت مين يشارك

بنارها نستبارك ونطلع منصورين

ملايين الشعب تدق الكعب تقول كلنا جاهزين

هكذا كانت تقول الأغنية الشهيرة لعبد الحليم حافظ التي كتبها صلاح جاهين ولحنها كمال الطويل، ففي الثالث والعشرين من مايو 1967م أعلن الرئيس جمال عبد الناصر عن قراره إغلاق مضيق تيران الموصل إلى خليج العقبة وبالتالي عدم السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور.

وكان ذلك القرار بمثابة الشرارة التي أشعلت حرب الستة أيام كما يسمونها في إسرائيل أو كما نسميها نحن النكسة، أو هكذا سماها الكاتب محمد حسنين هيكل. وفي الفترة من تاريخ ذلك القرار الناصري وحتي الخامس من يونيه وضعت الجيوش في المنطقة في حالة استنفار قصوى وبدأت نيران الحرب تلوح في أفق المنطقة، ووضع فنانو مصر أمام مسئوليتهم تجاة مايحدث وخرج على الفور نشيد تغنيه المجموعة يؤيد قرار الزعيم ويقول "أبدا أبدا مش هتمروا إحنا هناك ح نقيدها نيران من العقبة لممر تيران"، وأنشدت أم كلثوم في حفلها الشهري الذي أقيم الخميس الأول من يونيه نشيد "راجعين بقوة السلاح"، من ألحان رياض السنباطي وكلمات صلاح جاهين.

نقل عبد الحليم حافظ مطرب الثورة وصوت عبد الناصر الغنائي إقامته من منزله في تلك الأيام إلي مبنى الإذاعة والتليفزيون حيث عسكر هناك مع الموسيقار كمال الطويل فكتب نحو عشر أغنيات كما أكد مجدي العَمْرُوسي في كتابه "أعز الناس"، وهي "إنذار يا استعمار" و"إضرب" و"يا بركان الغضب يا موحد العرب" و"راية العرب" و"بالدم" و" ولايهمك ياريس من الأمريكان ياريس" وناصر ياحرية" وأشجع رجال" و"أبنك يقولك يابطل هاتلي النهار" و"أحلف بسماها وبترابها"، من تأليف الأبنودي، وصلاح جاهين. وبناء علي الأوامر وضعت ميكروفات مكبرة للصوت علي مبنى الإذاعة والتلفيزيون تبث هذه الاغنيات وتحديدًا "ولايهمك ياريس"  وأغنية" يا أهلا بالمعارك" التي قيل إنها كانت تبث طوال اليوم من الإذاعة بناء على طلب من الرئيس عبد الناصر ألم يكن صوت عبد الحليم وأغنياته أحد أسلحة عبد الناصر في المعركة.

وقدم  الملحن الثوري إبراهيم رجب أغنية حماسية بعنوان " عالميدان رايحين نحارب في الميدان " غناها محمد رشدي من كلمات أسامة جمال الدين.

ووقعت الحرب واحتلت إسرائيل في الحرب الجزء الشرقي من مدينة القدس واحتلت الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان في سورية وشبه جزيرة سيناء في مصر.. وبعد خطاب التنحي قدمت أم كلثوم أغنيتها التي تناشد فيها الزعيم البقاء في سدة السلطة والرجوع عن قرار التنحي وقد كان هذا مطلب جموع الشعب فغنت من كلمات صالح جودت وألحان رياض السنباطي:

"قم وأسمعها من أعماقي فأنا الشعب إبق فأنت السد الواقي لمني الشعب أبق فأنت الأمل الباقي لغد الشعب أنت الخير وأنت النور أنت البر علي المقدور أنت الناصر والمنصور إبق فأنت حبيب الشعب دم للعشب، قم إننا جففنا الدمع وتبسمنا قم إنا أرهفنا السمع وتعلمنا قم إنا وحدنا الجمع وتقدمنا قم للشعب وبدد يأسه واذكر غده واطرح أمسه قم وادفعنا بعد النكسة وارفع هامة هذا الشعب إبق فأنت حبيب الشعب دم للشعب "،.. وسمع عبد الناصر كلام أم كلثوم وبقى.

وقدم عبد الحليم حافظ أغنيته هو والأبنودى وبليغ حمدي والتي أصبحت بمثابة أيقونة لأحداث يونيو الأغنية الحالمة الرومانسية "عدى النهار"  ليكسر بها حاجز الخوف واليأس في نفوس المصريين والجنود على الجبهة... وفي عام 1968 كان الجيش المصري بحاجة إلي بث الروح فيه من جديد واتفق عبد الحليم مع الشاعر أحمد شفيق كامل والملحن كمال الطويل على تنفيذ أغنية "خلي السلاح صاحي " ونجحت الأغنية وكان مفعولها كالسحر الذي أذاب روح الهزيهة وحولها إلي نصر كبير. ظلت الأغنية يرددها الشارع والجنود حتي تمت مفاوضات السلام المصرية –الإسرائيلية. 

وأغنية "مدد مدد مدد مدد" كتبها الشاعر إبراهيم رضوان ولحنها وغناها الفنان الكبير محمد نوح وأصبحت الأغنية النشيد الرسمي لكل الشهداء،كما غنتها أيضا فرقة "أولاد الأرض" في الخنادق وعلي خط النار من أجل شد أزر الجنود خلال معارك الاستنزاف.

وأراد الأبنودى كتابة أغنية خاصة للجنود المصريين لتحفزهم على الانتصار، فقدم أغنية "ابنك يقولك يا بطل" تلحين كمال الطويل وغناء عبد الحليم حافظ استقبلها الجنود على الجبهة بسعادة بالغة وبدأت تبث في نفوسهم روح الانتصار والعزيمة القوية.

كما كتب أيضا أغنية "احلف بسماها وبترابها" ولحنها كمال الطويل وقدمها عبد الحليم حافظ وحرص العندليب في تلك الفترة على غنائها في بداية كل حفلة.

وكذلك أغنية "المسيح" من كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي ولحنها الموسيقار بليغ حمدي ووزع موسيقاها علي إسماعيل وفي أثناء وجود العندليب في إحدى الحفلات في قاعة ألبرت هول في مدينة لندن، وصلته تهديدات بعدم غناء هذه الأغنية لكنه لم يبد اهتماما وغناها أمام أكثر من ثمانية آلاف متفرج، وتبرع وقتها بأجره لصالح المجهود الحربي.

 وقدم محمد عبد الوهاب أغنيتين لحنهما عبد الوهاب وكتبهما الاخوين الرحباني سجلهما في بيروت في استديو بعلبك "سواعد من بلادي تحقق المستحيل" و"طول ما أملي معايا وفي إيديا سلاح هفضل أجاهد وأمشي من كفاح لكفاح" وكأنه يؤذن لإفاقة الناس وإنهاض الهمم، وقد قام عبد الوهاب بتأليف مذهب الأغنية وأكملها منصور الرحباني وقامت" نجاة الصغيرة" بغنائها فيما بعد..

وقدمت أم كلثوم نشيدها المتفجر حماسة " إنا فدائيون" من كلمات عبد الفتاح مصطفي وألحان بليغ حمدى الذي يقول " سقط النقاب عن الوجوه الغادرة وحقيقة الشيطان بانت سافرة إنا فدائيون نفني ولانهون إنا لمنتصرون إنا لمنتصرون سقط النقاب عن الوجوه الغادرة فلنضربن بكل كف قادر ولنرمين بكل روح هادرة" وكانت تفتتح به حفلاتها بعد النكسة وافتتحت به حفلاتها في مسرح الأولمبيا في باريس بعد النكسة بأشهر قليلة.

كانت أم كلثوم في مقدمة الداعمين للمجهود الحربي،فتبرعت بإيراد عشر حفلات، وبعشرين ألف جنيه استرليني إلى خزينة الدولة وغيرها من التبرعات التي تبرعت بها.

 وقدم محرم فؤاد أغنيته الرائعة من لحن رياض السنباطي وشعر فتحي سعيد  " مصر لم تنم ما انهار شعبها العظيم ما انهزم " التي هي منسية إلي يومنا هذا 

 وقدم محمد سلطان مع زوجته الفنانة فايزة أحمد قصيدة صالح جودت الحزينة "قاهرتي" وفي لبنان قدم الأخوين رحباني مجموعة من أجمل الاغنيات عن القدس وفلسطين لعل أروعها" زهرة المدائن" و"جسر العودة" و"مريت بالشوارع القدس العتيقة" و"سنرجع" و"وبيسان" و"احترف الحزن والانتظار" وغيرها... وملأت تلك الأغاني والأنغام كل محطات الراديو لتصل لقلب كل مصري وتواسيه.

وكان أول احتفال مبهج هو الاحتفال بالانتهاء من بناء السد العالي منتصف يناير من 1971م أي بعد رحيل ناصر بنحو أربعة أشهر وفي حفلة أقيمت في أسوان احتفالا بالحدث غنت شادية " غالية ولايغلى عليكي غالي غالية يابلادي غالية ويرخصلك الغالى لوحتي ولادك ماتقولوش الشمعة دابت ماتقولوش دا غاب الضي مهما يغيب اللي بناه مهما يغيب في قلوبنا حي عايش زيمصر وزرعها عايش زي طلعه فجرها عايش زي ضحكة ولدها زي نيلها وفجرها عايش زي الأمل في قلوبنا لكل بكره جاي ومتقولوش" من كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي وكانت آخر أغنية تتغني ولو بالتلميح للزعيم جمال عبد الناصر. 

وفي الثاني من سبتمبر من العام نفسه تغير اسم الجمهورية العربية المتحدة والذي ظل اسما رسميا لمصر منذ توقيع اتفاقية الوحدة مع سورية 1958م تغير وعاد من جديد جمهورية مصر العربية.. وقدم بليغ مع عبد الرحيم منصور ومحمد رشدي الأغنية الرائعة" لوعديت على مصر" أو" يسلم ترابها الأسمراني يسلم شجرها الأخضراني تسلملنا مصر الحبيبة مالناش حبيبة غيرها تاني".

 وغنت شادية مع بليغ حمدي ومحمد حمزة أغنية "ياحبيبتي يامصر" وأصبح في الإمكان التغني باسم مصر من جديد بعد إن كان ذلك أمرا شبه محرم كان الغناء للعروبة والجمهورية المتحدة.

وكان تفاعل الأغنية أسرع في الوقت الذي تفاعلت السينما بصورة بطيئة عندما أطلق الرئيس السادات شعاره الجديد شعار دولة العلم والإيمان فقدم محمد عبد الوهاب من ألحانه وكلمات صالح جودت أغنية "العلم والإيمان" التي غنتها المجموعة وتقول "حنكمل المشوار بالعلم والإيمان حنكمل المشوار بالعزم والإصرار ونعيش كرام أحرار بالعلم والايمان" ولحن كذلك عبد الوهاب للمجموعة من كلمات حسين السيد أغنية " لما شقينا جدار الصمت وجمع الصبركما الطوفان  "وغنت نجاح سلام من ألحان ابراهيم فارس" من جديد قمنا وح نبني من جديد ح نطلع الفجر البعيد مصر ياغالية ويا اغلى نشيد".

العبور والنصر

ولم يمر وقت طويل حتى عبرت قواتنا قناة السويس ظهر يوم السادس من أكتوبر 1973 فتفجرت أحاسيس الشعراء والملحنين والمطربين وعبرت مع عبور جنودنا على الألم والمرارة كان الحدث عظيما بل هو أعظم حدث وطني مرت به الأمة منذ قامت ثورة يوليو 1952 وعلي قدر الحدث خرجت الأغنيات الوطنية الصادقة المعبرة عن حدث كهذا.

 ربما كانت أغنية "رايات النصر" غناء المجموعة تأليف نبيلة قنديل والحان زوجها الفنان علي إسماعيل هي أول أغنية تذاع عن النصر كانت الأغنية مسجلة لفيلم " العصفور" ليوسف شاهين الذي أهدى الأغنية للإذاعة ترنيمة الجنود يهتفون وهم في حالة صعود "رايحين رايحين شايلين في أيدنا سلاح راجعين راجعين رافعين رايات النصر سالمين سالمين حالفين بعهد الله نادرين واهبين حياتنا لمصر باسمك يابلدي حلفنا يابلدي بجيشك وشعبك نرد التحدي"

كان بليغ حمدي هو فارس الغناء لنصر أكتوبر عندما استمع لبيان العبور من الإذاعة توجه على الفور إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون ومعه صديقه الشاعر عبد الرحيم منصور وعلى بوابة الدخول منعوهما لأن البلد في حالة حرب طلب بليغ أن يسمح لهما بالدخول لتسجيل أغنيات للنصر وقال له المسئولون إن البلد في حالة حرب ولايوجد ميزانية لتسجيل الأغنيات وقال لهم إنه متبرع بأجره هو وعبد الرحيم وكذلك الفرقة الموسقية وإنهم لومنعوه سيذهب إلى أقرب قسم شرطة يحرر لهم محضرأ بأنهم يمنعونه من الغناء لبلده وهي تحارب وتنتصر وسمح له بالدخول وعلى سلالم الإذاعة كتبت أغنية:

"بسم الله الله أكبر باسم الله آذن وكبر باسم الله سينا يا سينا باسم الله وآدينا عدينا باسم الله" التي غنتها المجموعة وكانت أول أغنية تسجل عن النصر سجلت على الفور وأذيعت.

وفي اليوم التالي لحقت بهما وردة الجزائرية إلى الإذاعة وكتبت ولحنت "على الربابة بغني " وسجلتها وردة  لتكون تاني أغاني النصر والتي تم تأليفها وتلحيينها وتسجيلها قبل مرور24  ساعة علي الإعلان بيان النصر وتعجب" بابا شارو " من عبقرية بليغ وروعة وبساطة الأغنية، كما سجلت فيما بعد لبليغ وعبد الرحيم منصور "سكة واحدة" أو "تحت الراية العربية" وأيضا غنت وردة من ألحان أحمد فؤاد حسن وكلمات عبدالرحيم منصور أغنية "الحرب والسلام"

ولحن بليغ لعبد الحليم حافظ أغنيته الرائعة من كلمات عبدالرحيم منصور  "قومي إليكي السلام يا مصر يا بلادي" و"عاش اللي قال للرجال عدوا القنال " من كلمات محمد حمزة وأيضا " الفجر لاح" كلمات مرسي جميل عزيز.. وللمجموعة لحن بليغ من كلمات عبد الفتاح مصطفي "صدق وعده"

ولشادية "عبرنا الهزيمة يا مصر يا عظيمة" من كلمات عبدالرحيم منصور الذي أستلهمها من عنوان مقال كتبه الكاتب الكبير توفيق الحكيم في جريدة "الأهرام " وغيرها من عشرات الأغاني الوطنية... ومنذ اليوم الثاني للانتصار كان أغلب فناني مصر يتدفقون على المبني لتسجيل أغاني النصر مشاركة منهم في التعبيرعن فرحة الشعب كافة سواء على الجبهة الداخلية أو جبهة القتال. 

فالأغاني الوطنية لعبت دورًا مهماً وحيوياً ومؤثرًا في تعزيز الروح الوطنية لانها تعكس قيم الوحدة والتضامن والإصرار علي تحقيق الاهداف الوطنية، وتلهم الجنود والمدنيين على حد سواء للدفاع عن وطنهم والعمل من أجل النصر والسلام..  كانت الكلمة المغناة قادرة علي لملمة الجراح في زمن الضياع، والانتصار على آلام الهزيمة فى وقت الانكسار، وتجاوز مخلفات النكسة، فكانت الأغاني الوطنية التي ظهرت عقب هزيمة 67 بمنزلة قنابل بعيدة المدى، حولت الهزيمة الي انتصار 

ولا شك أن مصر واجهت خلال ست سنوات منذ حرب 67 مرورا بحرب الاستنزاف وصولا إلى حرب أكتوبر 73 ظروفا في غاية الصعوبة سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا حتي تستطيع بناء الجبهتين الداخلية والخارجية، ورفع الروح المعنوية أملا في النصر، وحتي قامت حرب أكتوبر وتحقيق النصر المجيد.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة