أدت أعمال التنقيب التي أجريت خلال شهر سبتمبر الماضي في موقع كاسترو دي سان فيسينزو بمنطقة بلان، أورينسي بإسبانيا، إلى اكتشافات مهمة.
تم العثور على مجموعة من القطع الأثرية المحفوظة جيدًا المرتبطة بثقافة كاسترو، التي تعود إلى العصر الحديدي الأيبيري، ومن بين هذه الاكتشافات، تمثال ثلاثي الأبعاد، ومسحة، بالإضافة إلى رموز أخرى ذات ارتباط عميق بهذا المجتمع القديم، تُعد هذه المكتشفات من بين أفضل القطع التي تم العثور عليها في المنطقة على الإطلاق.
تعود ثقافة كاسترو إلى العصر الحديدي في شبه الجزيرة الأيبيرية، وتحديدًا في المناطق الشمالية الغربية من إسبانيا والبرتغال الحديثة، ازدهرت هذه الثقافة بين القرن التاسع قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، وارتبطت بمجتمعات سكنتها قبائل ذات أصول سلتيك أو مختلطة بين السلتيك والشعوب المحلية.
التحصينات والقلاع
تشتهر هذه الثقافة بإنشاء مستوطنات محصنة تعرف باسم "كاستروس" (Castros)، وهي قرى أو حصون تقع على تلال أو أماكن مرتفعة توفر حماية طبيعية، هذه التحصينات كانت تتضمن أسوارًا حجرية قوية، وكانت تعتبر مراكز اجتماعية وعسكرية مهمة.
الهندسة المعمارية
كانت بيوت ومباني الكاستروس مستديرة غالبًا أو بيضاوية الشكل، مصنوعة من الحجارة والطين، بعضها تطور مع الوقت ليشمل تصميمات أكثر تعقيدًا كالشوارع المعبدة ونظم المياه المتقدمة.
الحياة الاقتصادية
كانت تعتمد على الزراعة، تربية الحيوانات، وصناعة المعادن، حيث برعت هذه المجتمعات في العمل بالحديد والبرونز، وصنعوا الأدوات والأسلحة والمجوهرات.
الطقوس والدين
كان لهذه الثقافة معتقدات دينية خاصة، وظهرت فيها رموز سلتيك مثل التريسكيلي "ثلاث دوامات متشابكة" الذي يعكس الأبعاد الروحية، استُخدمت الساونا الطقسية في بعض المواقع لأغراض دينية مرتبطة بالتطهير.
التريسكيلي.. الرمز السلتي المكتشف
كان التريسكيلي، وهو رمز سلتي مكون من حلزونات ويشتهر في الفن الزخرفي السلتي، فهي تعد من أولى القطعة الأثرية التي تم العثورعليها في الموقع.
وُجد هذا الرمز مدفونًا في أنقاض هيكل دائري منهار، وكانت هذه الرموز ترتبط عادةً بالساونا الطقسية في مجتمعات كاسترو للاحتفالات الدينية وطقوس التطهير، والتي تعود إلى القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد.
فريق التنقيب وجهوده
قاد فريق من علماء الآثار بقيادة خورخي لاما ألبرتو، وبالتعاون مع جمعية Vive Avion الثقافية، استكشاف الموقع، ويُذكر أن قلعة سان فيسينزو، التي كانت مهملة وتعرضت للنهب لعقود، بدأت أعمال التنقيب فيها منذ العام الماضي.
موقع القلعة وتصميمها الدفاعي
تقع القلعة على تلة مرتفعة تطل على نهر آفيا، في أبرشية أوس سانتوس شوستو إي باستور، ويوضح سيزار دورادو، المتخصص في الفن والتراث، أن القلعة تتألف من نظام دفاعي معقد يضم ثلاث لوحات حجرية، وشرفة علوية، وسور داخلي، إلى جانب مناطق سكنية.
التطورات المعمارية في القرن الثاني قبل الميلاد
بحلول القرن الثاني قبل الميلاد، تطورت بعض الحصون الجبلية إلى مدن محصنة شبه حضرية، تقارن في الحجم مع المدن الرومانية في نفس العصر، مثل سان سيبراو دي لاس وسيتانيا دي بريتيروس.
تتميز هذه التحصينات بشوارع منظمة، ومباني مشتركة، وحتى أنظمة مياه متقدمة، وكان سكان هذه الثقافة يعملون أساسًا في الزراعة، وتربية الحيوانات، والعمل بالمعادن، وخاصة الحديد والبرونز.
الاصطدام بالثقافة الرومانية
ازدهرت ثقافة كاسترو التي نشأت في القرن التاسع قبل الميلاد، حتى اصطدامها بالثقافة الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد، وتُعد الجرار المكتشفة في الموقع، والتي يرجع تاريخها إلى العصر الجمهوري الروماني، دليلًا على هذا الاصطدام.
اكتشاف قطعة أثرية جديدة
اكتشف الفريق أيضًا قطعة أثرية ثانية مهمة، تُعرف باسم Block 2، وهي صخرة على شكل "rosa camuna" أو "كامونا وردية"، تم العثور على هذا الرمز في مواقع أثرية أخرى، مثل Citânia de Briteiros في غيمارايش، البرتغال، وMonte das Ferraduras في سيرديدو، إسبانيا، هذا يشير إلى تراث ثقافي أو رمزي مشترك بين مناطق شبه الجزيرة الأيبيرية خلال عصر كاسترو.
أهمية الاكتشافات
أوضح علماء الآثار أن هذه الاكتشافات لا تُحسن فهمنا للعصر الحديدي في المنطقة فحسب، بل تسلط الضوء أيضًا على التراث التاريخي والثقافي الغني الذي لا يزال ينتظر اكتشافه في شمال غرب شبه الجزيرة الأيبيرية، وذلك نقلا عن موقع ancient-origins.net.