السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

لو كنت غني!

  • 9-10-2024 | 12:53
طباعة

جملة في رواية زمنية اختصرت  قوانين الحياة بشكل متناسق ومرتب، تظهر قوة التكنولوجيا وبساطتها في وتدميرها للوقت في آن واحد.

ربما شاهدنا أعمال من نوعية الخيال العلمي الممتع أجهزة تنقلك عبر الزمن، ولكن هنا عمل مختلف تماماً  خيال علمي واقعي بمضمون مخيف.

ورغم الثوابت المُسَلم بها هناك كسر للقواعد  باختلافات جوهرية فرغم  عمرك المسجل المحسوب  بالثانية منذ ولادتك إلا إنه ليس ثابتاً فهناك متغيرات كثيرة تؤثر عليه منها زيادته بالعمل فتكسبك خبرات عمرية أكبر من عمرك الحقيقي، أو نقصانه بالفراغ، فالمال هنا وفي نفس الرواية ليس له مكان، بل المال هنا هو الوقت تلك الكنز الذي لم يقدر بثمن.

 وفي منتصف الرواية يتم فصل الأغنياء عن الفقراء في مدينة مستقلة تفصلهم  عدة حواجز، ولاختراق كلا منها الأخر أمر شاق يحتاج عدة أعوام  سنوات من عمرك تنفذ كعملة صعبة لدفع ضريبة المرور، وهذا بالطبع إسقاط موجه، ورسالة يحاول صُناع العمل إيصالها للعالم مضمونها  "حفاظك علي المال نابع من حفاظك علي الوقت".

أعجبني أن أحد الشخصيات الثرية في الفيلم كان يمتلك من الوقت قرناً من الزمن، ولكنه لم يفعل شيئاً مفيداً طوال حياته، وعندما حاول بعض لصوص الوقت سرقته هرب ووقع اختياره وثقته في شخص بسيط كان هو بطل الفيلم عامل على باب الله وقرر أعطاه كل وقته بعدما أخذ منه وعداً بأن لا يضيع وقته في اللاشيء.

وبهذا الكنز الموهوب له من عداد الوقت، استطاع هذا العامل البسيط عبور بوابات الطبقة الغنية ومشاهدتهم عن قرب، هذه النظرية التي تبلور قيمة الوقت وقد قدمتها أيضا السينما المصرية في عدة أفلام كلاسيكية، من خلال منح الشخص الغني حياته و ماله  لأحد الفقراء  ليري ماذا سيفعل وكيف سيؤثر المال عليه.

وضع صُناع الرواية رسالة غاية الأهمية، ففي منطقة الأغنياء كل شيء يمر ببطيء فلديهم من الوقت ما لا يجعلهم ينظرون لقيمته، أما في منطقة الفقراء فكل شىء يمر بسرعة البرق لأن ليس لديهم من الوقت إلا ما يكفيهم للعيش يوماً بيوم.

تصل الأحداث لذروتها ويتعرف البطل العامل الفقير علي ابنة أكبر صاحب بنك زمني في البلاد يقوم بإقراض الوقت، تلك الفتاة التي فقدت شغف الحياة! فعندما تملك كل شيء ماذا ستفعل بعد؟ ، ولكن هذا العامل البسيط المتخفي خلف عباءة الثراء يغير نظرتها للحياة يجعلها تعيش الحياة بالنظرة الأخرى التي يعيشها هو وأهل بلدته الفقراء عن طريق الصدف وتطور الأحداث، فتظهر الرسالة الحقيقية للعمل وهى تحقيق العدالة الاجتماعية، وأن كل إنسان من حقه وأن يحظو بوقت في الحياة وأن يختار الطريقة التي يحيا بها، فهناك مخاطر لمن يملك وقتا زائداً لأن عصابات الوقت ستظل تطارده طوال الوقت وحتى يلقى حتفه فقراصنة الوقت لا يتركون لصاحب الزمن إلا دقائق.
 
تمر الأحداث ويتفق العامل والفتاة علي خطة عادلة ويضعان طرق التنفيذ للسطو على بنك والدها المالك لأحد أهم البنوك المقرضة للوقت لهدف جليل ليس السرقة بل لتوزيع الوقت على سكان البلدة من الفقراء والمحتاجين، ومن هنا تبدأ رحلتهم داخل الزمن الحقيقي وتنفيذهم لأهداف العدالة الاجتماعية.

الظاهر في هذا العمل إنه من نوعية الخيال العلمي، ولكنه فيلم سياسي اجتماعي بَحت من الدرجة الأولى يصف حال الحياة التي تنقسم للطبقية، فمنها طبقة لا تنظر لعمرها لأن لديها ما يُحيي بطونها بلا توقف، والطبقة الأخرى من الذين ينامون ويستيقظون على وتيرة سريعة فهم لا يعلمون هل سـيستطيعون الحصول علي الوقت الذي سيمنحهم دقائق أخرى للحياة أم لا.

رواية ذو هدف عبقري تخيفك تجعلك تقتنص وقتك ولا  تدع أحداً يسلبه ويضيعه  هباءاً.

خذ ما يفيدك من عالم الإنترنت والتواصل الاجتماعي، ولكن وأسفلها ألف خط خذ وقت لعائلتك وصحتك وسعادتك حتى تحقق العدالة الاجتماعية لنفسك وبنفسك، في الوقت المحدد intime.

الاكثر قراءة