إعصار ميلتون .. بعد أن خلف دمارًا واسعًا في مخلتف نواحي ولاية فلوريدا الأمريكية، شق الإعصار "مليتون" المدمر طريقه إلى المحيط الأطلسي، مثيرًا الكثير من التساؤلات عمن يقف وراء تلك القوة المتعاظمة.
وضرب "مليتون" فلوريدا بعد نحو أسبوعين من إعصار "هيلين" الذي كان مدمرًا بشكل لايصدق، حيث ألحق أضرارًا بالمنازل عبر مساحة واسعة من الساحل الغربي للولاية، وأودى بحياة قرابة 230 شخصًا.
ويلقي ذلك الدمار المحقق بظلاله على التغيرات المناخية، ما إن كان لها علاقة بشئ أو بآخر في زيادة قوة الأعاصير، التي أصبحت عامًا تلو الآخر أشد تدميرًا.
ويؤكد العلماء على أنه كلما ارتفعت درجة الاحتباس الحراري، أصبحنا عرضة لأعاصير، لأن الإعصار يستقي طاقته من تلك الحرارة، حيث يستخدمها لتغذية ماكينته الضخمة.
وبدورها، تمتص مياه المحيطات جزءً كبيرًا من حرارة الأرض، وتتبخر بسبب ذلك كميات كبيرة من مياه المحيطات، ما يُضفي للأعاصير والعواصف المدارية المزيد من القوة.
وإذا نظرنا إلى صيف عام 2024، سنجد أنه الأكثر سخونة في العالم، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، وفق مرصد "كوبرنيكوس" لتغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي، وبذلك تتضح الصورة، ويعلم كيف تؤثر التغيرات المناخية على قوة الأعاصير، ومن أين جاءت تلك القوة المدمرة التي امتلكها إعصار "مليتون".
ومن هنا يُعلم، أن السبيل الوحيد لمواجهة الأعاصير هو السيطرة على زيادة درجة حرارة مياه المحيطات، التي تُعد السبب الرئيسي في زيادة الأعاصير، لاسيما في المحيط الأطلسي.
التغيرات المناخية
يؤكد الدكتور تحسين شعلة، خبير البيئة والمناخ، أن تلك الأعاصير الحاصلة ما هي إلا نتاج عن الظواهر المناخية كـ"النينيو" والـ"لا نينا"، اللتان يؤثران بدورهما على درجة حرارة المحيطات، ما ينتج عنه الهواء الدافئ، الذي يتصاعد إلى الأجواء العليا، حيث يحل محلها الهواء البارد الموجود هناك بطريقة عكسية، ما ينتج عنه الأعاصير المختلفة.
وأوضح "شعلة" في حديثه لـ"دار الهلال"، أن مدى قوة الإعصار تتوقف على نسبة ذلك الهواء الدافئ، وارتفاعه إلى الأجواء العليا، والهواء البادر الذي يأتي، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أنه مع تصاعد الهواء الدافئ المقارب للمحيط، يتصاعد معه بخار الماء، ما ينتج عنه السحب الرعدية، وهذا يفسر أسباب تساقط الأمطار الشديدة مع حركة الإعصار، الذي يكون له مكون عبارة عن عين الإعصار، والحيز والقطر الخاص به.
وفي الشأن الإعصار "مليتون"، يقول خبير البيئة والمناخ، إن قطره صغير ليس كبير، وفق ما ذكر عنه، لكن له قوة تدميرية كبيرة، ما خلق المشهد الراهن.
وأشار إلى أنه إذا ما قورن إعصان "مليتون" بإعصار "كاترينا" الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية، في أغسطس من عام 2005، نجد أن الأخير كان له قوة تدميرية أكبر، حيث بلغت قوته 294 كم/س، مقارنة بالأول الذي بلغ 270 كم/س، موضحًا أنه قريب من الفئة الخامسة، لكن لم يبلغها بعد، حيث أنه لم يتعد 300 كم/س.
وحول سبب زيادة الأعاصير في الآونة الأخيرة، يوضح شعلة، أن الولايات المتحدة الأمريكية، على وجه الخصوص خلال شهر مايو الماضي، كان يحدث ما لايقل عن إعصار يوميًا، موضحًا في السياق ذاته أن الطبيعة الجغرافية للبلاد تسمح بحدوث أعاصير بنسب عالية جدًا، لكن ما يتم ملاحظته هي الأعاصير ذات القوة التدميرية العالية.
وأردف أنه مع بداية ظهور ظاهرة الـ"لا نينا" في المحيط الأطلسي من جهة، والمحيط الهادي من جهة أخرى، بدأت نسبة الأعاصير في الزيادة.
الخريطة تتغير
وعلى صعيد جمهورية مصر العربية، فسوف نشهد تغيرات مناخية ملحوظة، حيث سيكون الشتاء قارس البرودة، بالإضافة إلى زيادة نسبة الأمطار، وليس هذا في مصر فحسب، بل شمال أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي أيضًا، وذلك مع زيادة الزلازل بالمنطقة الأخيرة، خاصة في أثيوبيا، التي ستشهد زيادة الأمطار في الشتاء المقبل، مع هزات أرضية سيكون لها تأثير سلبي على سد النهضة، بحسب شعلة.
وأوضح أنه بشكل مباشر بدأت الخريطة المناخية في التغير، نتيجة لظواهر المختلفة التي نشهدها، لكن هناك انفراجة قريبة، حيث من المفترض أن تنتهي ظاهرة الـ"لا نينا"، لأنها تستمر بحد أقصى إلى سنتين، يتبعها سنة معتدلة. وأفاد بأن ذلك سيتزامن مع توجهات الدول، وتوجهها إلى الطاقة المتجددة، والبعد عن استخدام الوقود الأحفوري.
وأعقب:" من المتوقع أن تتحسن الظروف المناخية، في غضون الفترة المقبلة على الصعيد العالمي، ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية، والصين إلى حد ما، خصوصًا الأولى، لأنها تستخدم الوقود الأحفوري بكميات كبيرة"، لافتًا إلى ضرورة إثارة ذلك الأمر في مؤتمر المناخ القادم في أذربيجان.
واختتم:" الأمر في الولايات المتحدة قد يزداد سوءًا في حال عودة الرئيس الأسبق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب للبيت الأبيض مرة أخرى، الذي يعتزم عدم الوفاء بالمعاهدات المتعلقة بقضايا المناخ، مما سيكون له مردود سلبي ينبغي على الشعب الأمريكي أن يدركها".