الجمعة 18 اكتوبر 2024

رسائل محطة «بشتيل»

مقالات13-10-2024 | 15:43

كعادته دوما يخرج الرئيس ليواصل رحلة تواصله المباشر مع المصريين بحديث لا يخشى في سبيل بناء الوطن لومة لائم، ففي مشهد ينبض بالحيوية والتحدي كان مشهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في محطة قطارات صعيد مصر وهذه المحطة ليست مجرد مركز لنقل الركاب والبضائع بل أبعد من ذلك بكثير فهي رمزية واضحة لمسار لا يهدأ نحو التقدم ومؤشر على إرادة دولة بأكملها في النهوض من كبواتها والانطلاق نحو آفاق التنمية المستدامة وكان حديث الرئيس وكلماته مفعمة بالرسائل المتشابكة لتخاطب المواطن البسيط كما تخاطب في الوقت ذاته المستثمر ورجل الصناعة.

كان في كل كلمة ينطق بها الرئيس إحساس واضح بالمسئولية الثقيلة التي يحملها على عاتقه ليس فقط تجاه شعبه بل أمام الله والتاريخ وبعبارات مباشرة وموجهة سعى الرئيس إلى تحفيز القطاع الخاص على تحمل مسئوليته الوطنية مؤكدا أن الدولة وحدها لا يمكنها مواجهة كل التحديات الاقتصادية إذ يشير إلى أن الاستيراد بمبالغ ضخمة من المنتجات مثل السيارات والعطور والجبن يعد إهدارا للموارد يمكن تفاديه بتوطين هذه الصناعات داخل البلاد ولعل الأرقام التي ذكرها الرئيس ليست مجرد بيانات اقتصادية بل جاءت بمثابة دعوة صريحة لأصحاب الأعمال للالتفات إلى ما تملكه مصر من إمكانيات وفرص وهنا يكمن التحدي الأكبر الذي يواجهه الرئيس في محاولته لإعادة هيكلة الاقتصاد وحديثه عن الاستيراد لم يكن تضييقًا على أحد أو رغبة في تكدير أحد بل هي صحية تنبيه أن مصر تعتمد اعتمادا كبيرا على الخارج في توفير احتياجات أساسية وهو أمر لا يليق بأمة تسعى للنهوض والوقوف بجدارة في الصف الأول بين الأمم ولتجنب ضغطا على العملة المحلية يزيد من تفاقم العجز التجاري .. لذا فإن الرئيس يقدم حلولا جوهرية تعتمد على الابتكار الصناعي والإنتاج المحلي لتخفيف هذا العبء وليس فقط بصفته رئيسا للدولة بل كمن يتحدث بلسان الشعب وينقل آمالهم وطموحاتهم في مستقبل أكثر استقلالية.

ولم يغفل الرئيس السيسي في كلماته عن تذكير الشعب بضرورة الصبر وتحمل الصعاب فمن خلال إشاراته إلى ما كان عليه وضع السكك الحديدية في مصر في السنوات الماضية يعترف بأن هناك تقصيرا في الماضي لكنه في الوقت نفسه يؤكد على أن ما تم إهماله سابقا كان نتيجة لظروف اقتصادية قاسية ورغم ذلك فإن الخيار الآن لم يعد بين العمل أو الإهمال بل بين العمل الدءوب والمستمر من أجل بناء الأفضل للأجيال المقبلة والبديل التوقف ومواجهة المزيد من التحديات.

إن المحطة الجديدة ليست مجرد حجر في جدار بناء البنية التحتية بل هي خطوة في مسار أكبر وأشمل نحو تحقيق التنمية الشاملة فحديث الرئيس عن نقلة نوعية لدعم التنمية الشاملة يعكس فلسفته في النظر إلى المشاريع القومية الكبرى كجزء من استراتيجية متكاملة تسعى لتحسين مستوى حياة المواطنين في مختلف أنحاء البلاد وإنه يرى في مثل هذه المشاريع الكبيرة قدرة على تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي وإحداث فرق حقيقي في حياة المواطنين وخاصة في مناطق مثل الصعيد الذي كان يعاني لسنوات من نقص في الخدمات والمرافق.

ومن خلال استشهاده بالرئيس الراحل محمد أنور السادات يضع الرئيس السيسي قراراته الاقتصادية والاجتماعية ضمن سياق تاريخي أوسع فهو يرى في كل قرار يتخذه صفحة جديدة في تاريخ مصر كما أن إشارته إلى أن الزمن يرد ويكشف أهمية القرار تعبر عن إيمانه العميق بأن بعض الإجراءات الصعبة التي يتخذها اليوم قد لا تكون محل اتفاق كامل في الوقت الراهن لكن المستقبل سيشهد على مدى أهميتها.

إن حديث الرئيس يعكس حالة يفتقدها الكثيرون وهي التوازن بين الواقعية والطموح فالرئيس السيسي لا يعد الشعب بحلول سحرية أو تغيير سريع ولكنه ينبه على أن الطريق إلى التقدم يتطلب الصبر والعمل الجاد وفي هذا السياق تأتي دعوته لاستمرار مبادرة "حياة كريمة" رغم الظروف الصعبة التي تواجه المنطقة وهي إشارة واضحة إلى التزامه الشخصي بتحسين حياة المواطنين ليس فقط من خلال المشاريع الكبرى ولكن أيضا من خلال المبادرات التي تستهدف تحسين الظروف المعيشية اليومية للفئات الأكثر احتياجا.

إن المستمع لخطاب الرئيس السيسي لا بد أن يخرج بانطباع قوي أن قيادته تدرك تمامًا حجم التحديات التي تواجهه وأنها تبادل الشعب الثقة والأمل مؤمنة بقدرته على تجاوزها ومطلوب منا جميعا أن نجعل هذه الكلمات التي ألقاها في محطة قطارات صعيد مصر خطة عمل متكاملة تؤكد على أن مصر تسير في طريقها الصحيح نحو مستقبل أكثر إشراقًا قائم على الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج وتوفير حياة كريمة لجميع أبنائها.. ودوما ستحيا مصر ولو كره الكارهون.