عُرف حلمي التوني كرسام وملون من الدرجة الأولى، تحتفي أعماله باللون وبالحياة، وهي حياة يملأها بالبهجة عبر درجات ألوانه الزاهية والصريحة. احتفي التوني في أعماله بالحياة كما احتفى بالمرأة على نحو خاص، ذلك العنصر الفياض بجمال التكوين والمتعدد الدلالات. كانت المرأة عنصراً أساسياً في أعمال التوني على مدار تجربته الفنية، يرسمها كرمز قبل أن تكون عنصراً جمالياً يضفي على لوحاته مزيداً من الصفاء والألق اللوني. يرسمها بعيونها الواسعة وقسمات وجهها الرائقة، وهي امرأة خلابة التفاصيل تنتمي له وحده دون غيره من المصورين. هذه الخصوصية التي تتمتع بها صورة المرأة في أعمال حلمي التوني تنعكس على معالجاته الفنية لبقية العناصر الأخرى التي تمتلئ بها أعماله التصويرية، فعناصره واختياراته ومعالجاته تتميز بخصوصيتها الشديدة وتفردها. هو فنان يمتلك خصوصيته اللونية المميزة، ومعالاجاته الخاصة التي يمكن أن تتعرف عليها بسهولة بين أعمال غيره من المصورين.
في أعمال التوني تبدو اللوحة أشبه بشرفة صغيرة مُطلة على عالم كالحلم، عالم أسطوري ملىء بالرموز والدلالات المتعددة، فالرمز هو أحد خصائصه الإبداعية. أبحر التوني في عالم الرمز منقباً عن هوية تميزه، وعثر عليه بين تصاوير المصري القديم على جدران المعابد والمقابر الفرعونية والرسوم والأيقونات القبطية، كما اكتشفه أيضاً بين إبداعات الفنان الشعبي من رموز ورسومات تحمل بين طياتها طبقات من الحكمة الموروثة عبر القرون والثقافات والأزمنة التي مرت. احتضن حلمي التوني كل تلك التصاوير والرموز الموروثة، وتعامل معها كأيقونات تاريخية محملة بكل حكمة الأسلاف. ولم يكن الرمز في أعماله مجرد تيمة أو عنصراً جمالياً ذو دلالة تاريخية، بل صار محملاً بدلالاته هو الخاصة ومشاعره الذاتية كفنان يعيش الحياة بكل ما فيها من أحداث. عبر هذه الأعمال يعبر حلمي التوني عن انطباعاته الحياتية، كان يلتهم كل ما يدور من حوله بوعيه وبصيرته ليتمثله بعد ذلك صوراً ولوحات تفيض بالبهجة والتأمل وتغلفها حكمة السنين.
كان التوني يتعامل بالفعل مع اللوحة كمساحة أشبه بالنافذة، ويعبر اختياره لعنوان أحد معارضه "شبابيك" عن هذه القناعة. عندما كان يجلس التوني وأمامه هذا المستطيل الأبيض الذي تمثله مساحة الرسم الفارغة، يتحول ذلك المستطيل إلى "شباك" ينظر الفنان من خلالها إلى العالم؛ وهو عالم يتكون من عناصر الطبيعة من بشر ونباتات وحيوانات وطيور. يمتلئ هذا العالم أيضاً بمخزون بصري من الحكايات التاريخية والعادات والأساطير وكل ما يشكل وجدان الفنان وثقافته وذكرياته، وعلى الفنان أن يتعامل مع كل تلك المكونات والعناصر ويعالجها بأسلوبه وخبرته الذاتية حتى تكتمل اللوحة. حين كان حلمي التوني يرسم لوحة فإنما كان يتيح لنا أن نشاركه رؤية هذا العالم الذي يراه ويستمتع به، وأن نرى كيف تحولت عناصر الطبيعة والذكريات إلى عالم جديد قام الفنان بإعادة صياغته بالألوان والخطوط.
أعمال التوني تحتفي عادة بالذكريات والموروث البصري والشعبي، وهو حين رسم النافذة، فقد انتقى نافذته التي ترتبط في ذاكرته بالطفولة، هذه النافذة الخشبية ذات التصميم المريح للعين والنفس. الشباك القديم كان له دور مهم جدا في راحة النفس، وأعمال التوني كانت تأخذنا في رحلة استثنائية لتذكر هذه الشبابيك، خاصة في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والقلق. لعل بعضنا يتذكر شبابيكنا القديمة، شبابيك بيوتنا القديمة قبل انتصار الألوميتال. وكانت النوافذ في البداية مشربيات أرابيسك يدخل من خلال فتحاتها الضوء اللطيف فيزين جدران وأرضيات الغرفة بسجاجيد من تشكيلات البقع الضوئية، ثم اختفت المشربيات وحل مكانها شبابيك الشيش ليدخل الضوء الرقيق من خلال فتحاتها على شكل شرائط من نور. كان حلمي التوني مولعاً بهذه الذكريات البصرية التي لم تكن تفارق مخيلته يوماً؛ هذه الذكريات التي ظل يستلهم من بينها عناصر أعماله حتى آخر معارضه.