الثلاثاء 15 اكتوبر 2024

اكتشاف أثري في تركيا.. تابوت روماني يعود لمصارع قديم

جانب من الاكتشاف

ثقافة15-10-2024 | 08:44

إسلام علي

اكتشف قبرا يعود إلى المصارع الروماني إيفراتس داخل إحدى الكنائس القديمة وذلك عن طريق باحثون في تركيا.

ويُعتقد أن القبر أعيد استخدامه لدفن مجموعة من الأشخاص في فترة لاحقة، مما يثير الكثير من التساؤلات حول تاريخه والمجتمع الذي استخدمه.

تابوت يحمل اسم المصارع إيفراتس

خلال أعمال التنقيب، تم العثور على تابوت روماني عمره 1800 عام يحمل نقوشاً تشير إلى أنه كان مخصصاً لمصارع يُدعى إيفراتس، هذا التابوت يعود إلى القرن الثالث الميلادي، وكان مخصصاً في الأصل لاستيعاب جثة المصارع، ولكن المفاجأة كانت أن الفريق الأثري لم يعثر على بقاياه بل على عظام 12 شخصاً آخرين عاشوا في وقت لاحق.

إعادة استخدام التابوت لدفن شخصيات من القرن الخامس

رغم النقوش التي تشير إلى أن التابوت بُني في الأصل للمصارع إيفراتس، إلا أن عظام الأشخاص التي عُثر عليها تعود إلى القرن الخامس الميلادي.

يشير هذا إلى أن التابوت أعيد استخدامه بعد حوالي 200 عام من بنائه لدفن رجال ونساء ربما كانوا يتمتعون بمكانة اجتماعية مرموقة في ذلك الوقت.

الموقع الأثري: تلة أياسولوك ومدينة أفسس القديمة

يقع التابوت داخل أنقاض كنيسة على تلة أياسولوك، في مقاطعة إزمير غرب تركيا، هذه المنطقة تشكل جزءاً من مدينة أفسس اليونانية القديمة التي تعود إلى أكثر من 3000 عام، مما يجعلها موقعاً أثرياً غنياً بالتاريخ.

وقد تم العثور داخل التابوت على رموز الصليب المسيحي التي تشابه النقوش الموجودة في مقابر أخرى تعود إلى الفترة الإمبراطورية في تركيا وسوريا.

نقوش الصليب المسيحي ودلالاتها

أفاد البروفيسور سنان ميمار أوغلو، قائد الفريق الأثري، بأن الباحثين اكتشفوا ثلاثة نقوش صليبية تعود للقرن الخامس الميلادي داخل التابوت، بالإضافة إلى عدة صلبان على غطائه يُرجح أنها أضيفت في القرن الثامن.

ويقوم الفريق حالياً بمقارنة هذه الصلبان بنماذج مشابهة وجدت في المنطقة لمعرفة المزيد عن المعتقدات الدينية للأشخاص الذين قاموا بنحت هذه الرموز.

دفن الشخصيات المرموقة داخل الكنيسة

أوضح ميمار أوغلو أن الأشخاص الذين دفنوا في هذا التابوت داخل الكنيسة، غالباً ما كانوا ينتمون إلى الطبقة العليا أو رجال الدين، وأضاف: أنه من غير المرجح أن يتم دفن شخص عادي بهذه الطريقة الدقيقة داخل كنيسة، مما يعزز الفرضية بأن هؤلاء الأشخاص كانوا يتمتعون بمكانة اجتماعية مرموقة في القرن الخامس الميلادي.

تاريخ المصارع إيفراتس وتلة أياسولوك

رغم أن القبر يحمل اسم المصارع الروماني إيفراتس، إلا أن المعلومات المتوفرة حوله محدودة، إلا أن التلة التي دفن فيها تُعد ذات تاريخ غني يعود إلى آلاف السنين، وقد كانت شاهدة على العديد من الأحداث التاريخية والحضارات المختلفة.

البازيليكا ونظام تصريف المياه القديم

بجانب التابوت، تم العثور على فسيفساء ونظام تصريف مياه قديم تحت كنيسة القديس يوحنا على تلة أياسولوك، هذه الكنيسة كانت موقع دفن قديم، حوله الإمبراطور الروماني الشرقي جستنيان الأول إلى مبنى مقبب بين عامي 527 و565 ميلادي، مما يضيف بُعداً آخر لأهمية هذا الموقع التاريخي.

إيفراتس 

يعتبر المصارع الروماني إيفراتس حتى الآن شخصية غير معروفة بشكل كبير، ويبدو أن المعلومات المتاحة عنه قليلة للغاية، تشير النقوش الموجودة على التابوت إلى أنه كان مخصصًا لأول مرة للمصارعين، وربما كان إيفراتس واحدًا منهم، لكن لاحقًا، أعيد استخدام القبر في القرن الخامس الميلادي لدفن أشخاص آخرين، مما يجعل من الصعب تحديد الكثير عن شخصية إيفراتس أو مسيرته كمصارع.

ويذكر أن المصارعين في روما كانوا عادة عبيدًا أو أسرى حرب، وقاتلوا في حلبات المصارعة لأغراض ترفيهية أو رياضية، وكانوا يتمتعون بشعبية كبيرة في العصر الروماني، لكن أغلبهم لم يكن معروفًا بأسمائهم في التاريخ إلا إذا حققوا شهرة كبيرة.

وعلى الرغم من أن بعض المصارعين اكتسبوا شهرة واسعة وربما حرياتهم، إلا أن الكثيرين عاشوا وماتوا دون أن يتم تخليد أسمائهم، وإذا قارنا ذلك بإيفراتس، فمن الواضح أن دفنه في تابوت مخصص له داخل كنيسة يعني أنه قد يكون تمتع بمكانة اجتماعية مميزة بشكل ما.

وعلى عكس إيفراتس، هناك مصارعون آخرون مثل سبارتاكوس، الذي قاد تمرداً كبيراً ضد الجمهورية الرومانية في القرن الأول قبل الميلاد. 

ولم يكن سبارتاكوس يملك قبراً أو نصوصاً خالدة، لكنه بقي رمزاً للتمرد والقوة العسكرية، في المقابل، إيفراتس يُمثل نموذجاً لمصارع تم تذكره ولكن في سياق ديني مختلف، وذلك نقلا عن موقع Live science.

طرق الدفن في الإمبراطورية الرومانية  

كانت المقابر العامة أو "النيكروبوليس" كما طان يطلق عليها، هي الأكثر شيوعاً بين عامة الشعب، وكانت المقابر تقع غالباً على الطرق خارج المدن، وذلك لأن القوانين الرومانية كانت تمنع الدفن داخل المدينة، وكانت المقابر تُستخدم لدفن الأفراد من الطبقات الوسطى والدنيا.

التوابيت الحجرية أو "الساركوفاغوس"

كانت التوابيت الحجرية واحدة من أكثر طرق الدفن استخداماً، خصوصاً بين العائلات الثرية والشخصيات البارزة، وكان يُنحت الساركوفاغوس من الحجر ويُزين بالنقوش التي تتعلق بحياة المتوفى أو تعكس معتقداته الدينية، في حالة المصارع إيفراتس، تم دفنه في تابوت يحمل اسمه، وكان يُعتقد أن هذه الطريقة توفر للمتوفى راحة وحماية في العالم الآخر.

الدفن في السراديب

في العصر المسيحي المبكر، كانت السراديب أو "الكاتاكومب" هي مواقع الدفن الأساسية، خاصة للمسيحيين واليهود الذين كانوا يرغبون في تجنب حرق الجثث، هذه السراديب كانت تُنحت تحت الأرض وتحتوي على سلسلة من الغرف والممرات حيث توضع الجثث في منافذ على الجدران.

حرق الجثث

في الفترات السابقة للعصر المسيحي، كان حرق الجثث شائعاً في الإمبراطورية الرومانية، وخاصة بين العائلات الثرية، بعد حرق الجثة، كانت البقايا تُجمع في جرار خزفية أو معدنية تُعرف باسم "أورنة"، وتوضع في قبر أو سرداب، وهذا التقليد تراجع بعد انتشار المسيحية، حيث أصبح الدفن في الأرض هو المفضل.

الأضرحة العائلية

كانت العائلات الثرية تبني أضرحة مخصصة لأفراد العائلة، حيث كان يتم دفنهم في توابيت أو جرار، هذه الأضرحة كانت تُزين بالتماثيل والنقوش التي تعبر عن مكانة العائلة وتاريخها.

الدفن داخل المعابد والكنائس

في الفترات المتأخرة من العصر الروماني، وبخاصة مع انتشار المسيحية، أصبح من الممكن دفن الشخصيات البارزة داخل الكنائس. وهذا يظهر في حالة المصارع إيفراتس الذي دُفن داخل كنيسة، وهو أمر يعكس مكانة اجتماعية عالية.

وكان  الدفن داخل الكنائس مقتصراً على رجال الدين والشخصيات ذات النفوذ، وقد أُعيد استخدام بعض التوابيت، مثل تابوت إيفراتس، لدفن آخرين لاحقاً.

التوابيت المزينة بالرموز المسيحية

مع انتشار المسيحية، بدأت التوابيت تحتوي على رموز دينية مثل الصليب، ما يعكس تغييراً في المعتقدات الدينية للمجتمع، في حالة تابوت إيفراتس، تمت إضافة رموز الصليب في وقت لاحق، مما يعكس تحولاً دينياً في استخدام التابوت بعد 200 عام.