الجمعة 18 اكتوبر 2024

الهجرة العكسية تضرب «إسرائيل».. أوراق الصهيونية تتساقط

زيادة الهجرة العكسية في إسرائيل

تحقيقات14-10-2024 | 19:29

محمود غانم

منذ أن وطأت أقدام الحركة الصهيونية أرض فلسطين، مطلع القرن العشرين، عملت جاهدة على جذب اليهود من مختلف أنحاء العالم، بما يخدم تهويد الأرض العربية، ويؤمن المادة البشرية اللازمة؛ للحفاظ على هذا المشروع.

وبرغم من مرور نحو قرن عن ذلك الحين، إلا أنه لايزال العمل جار على قدم وساق في سبيل جذب المزيد من اليهود للأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية، وذلك عبر منح امتيازات خاصة ومكافآت مالية للمهاجرين.

بيدا أن، إسرائيل شهدت في الآونة الأخيرة موجة من "الهجرة العكسية"؛ بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية، الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دخلت عامها الثاني دون أي مؤشرات تدلل على انفراجة قريبة.

 أوضاع غير مألوفة

ولأكثر من 70 عامًا قامت فيها إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني، بدعم من القوى الغربية، لم تألف مثل تلك الأوضاع الراهنة، إذ درجت على مدى تاريخها على الحروب الخاطفة، التي تعتمد على توجيه ضربة قاضية في غضون ساعات أو أيام قلائل.

لكن على ما يبدو أن تلك المعادلة تغيرت بعد هجوم الفصائل الفلسطينية على إسرائيل، في السابع من أكتوبر 2023، والذي أعقبه مباشرة شن حربًا مدمرة على قطاع غزة، لاتزال رحاها تدور حتى يومنا هذا، فشلت فيه إسرائيل في تحقيق أيًا من أهدافها، رغم أنها بشكل حرفي أطبقت القطاع على أهله.

فعلى مدى عام كامل، فشلت فيه إسرائيل في تحقيق سيناريو الحرب الخاطفة أو حتى تسوية أمورها بالقطاع عن طريق التفاوض، بل ذهبت إلى فتح جبهة أخرى مع حزب الله اللبناني، وبات سماع دوي صافرات الإنذار في مدنها عادة شبه يومية.

وفي ظل ذلك الفشل الممتد على نحو عام، ضربت إسرائيل موجة غير مسبوقة من "الهجرة العكسية"، تمثل خطرًا وجوديًا عليه؛ لأنها في الأصل تقوم على سياسة الاستيطان الإحلالي التهويدي، الذي يعتمد على الجذب لا الطرد.

وأظهرت معطيات رسمية صدرت عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، سبتمبر الماضي، تزايد ملحوظ في ظاهرة هجرة الإسرائيليين للخارج، حيث غادر البلاد أكثر من 40 ألفًا، في الأشهر السبعة الأولى من 2024، أما في العام الماضي، فقد هاجر ما يزيد عن 55 ألف إسرائيليًا، مقارنة بـ38 ألفًا هاجروا عام 2022.

وبرغم من تلك الأرقام المسجلة فإنها تتعرض للتشكيك من قبل الأوساط العبرية، التي تشير إلى أنها لاتعكس حقيقة الوضع الراهن، متهمة الجهات الرسمية بمحاولة التكتم عن الأعداد الحقيقية لهذا النوع من الهجرة.

ويرجح مراقبون أن السبب الأبرز لتلك الهجرة، يعود إلى فقدان الإسرائيليين لشعور الأمان، جراء الحرب المستمرة، منذ عام، مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وحزب الله اللبناني على الحدود الشمالية، ناهيك عن الأزمات السياسية والإقتصادية، الناجمة عن الحرب.

ونتيجة لهذا الوضع، فكر 23 بالمائة من الإسرائيليين، منذ أكتوبر 2023، حتى أكتوبر الحالي، في مغادرة البلاد، بسبب الوضع السياسي والأمني الراهن، طبقًا لإستطلاع أجرته قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية، نشرت نتائجه السبت قبل الماضي.

وتعقيبًا على ذلك، قالت "كان"، إن معدل الهجرة السلبية في إسرائيل كان واضحًا حتى قبل نشوب الحرب الأخيرة، حيث كان عدد المغادرين يفوق عدد المهاجرين الجدد خلال السنوات الأخيرة، موضحة أنه على الرغم من عدم توفر بيانات رسمية للسنة الحالية، يبدو أن هذا الاتجاه مستمر، ما يشير إلى مشكلة أكبر قد تتفاقم إذا لم يتم التعامل معها بجدية.

ما أسباب الهجرة العكسية؟

وفي حديثه لـ"دار الهلال"، يُفسر الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلاقات الدولية، تزايد "الهجرة العكسية" التي ضربت إسرائيل، مؤخرًا، بأن هؤلاء الأشخاص ليس لهم ولاء للأرض، وبناء عليه مع تعرضهم لأي تهديد، يقررون مغادرة الأرض، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، يوضح عاشور، أن أحد أسباب زيادة تلك الهجرة في الآونة الأخيرة، هو أن معظم الأشخاص، الذين هم قيد التجنيد الإجباري في إسرائيل، إثر الحرب التي دخلت عامها الثاني، يعملون في قطاع التكنولوجيا، الذي يُسهم في 18 بالمائة من الإقتصاد الإسرائيلي، ويشكل نحو 22 بالمائة من المجتمع الإسرائيلي، لكنه تضرر جراء الحرب، ما أدى إلى انخفاض عائدها.

وفي المقابل، توجد هناك العديد من الفرص للعمل بمثل هذا القطاع في الخارج، ما شجعهم على الهجرة، وفقًا له.

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية، أن تأثير ذلك لن يمتد إلى دائرة صنع القرار في إسرائيل؛ لأنه في المستقبل يمتلك إستراتيجية لإستئناف الهجرة مرة أخرى لبلاده، وذلك عقب انتهاء الحرب، خاصة أن مما سيكتسبه في تلك المدة توسيع رقعة الاستيطان الإسرائيلي؛ لأنه سيضم له أجزاء لم تكن موجودة من قبل من قطاع غزة، وجنوبي لبنان، مشيرًا إلى أن تلك الخطوة ستجعله قادر على استيعاب عدد كبير من الهجرة التي يعمل على جذبها.

اقتصاديًا، يقول الدكتور علي الإدريسي، الخبير الاقتصادي، إن الحرب المستمرة، منذ عام، أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تسببت في تحديات متعددة تشمل تراجع النمو الاقتصادي، وزيادة العجز المالي، إضافة إلى ضغوط على القطاعات الإنتاجية.

وأوضح "الإدريسي" في حديثه لـ"دار الهلال"، أن الحرب أدت إلى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي؛ بسبب زيادة الإنفاق العسكري، وانخفاض الاستثمار في القطاعات المدنية، وتأثر السياحة والصادرات، فضلًا عن تراجع الثقة في الاقتصاد، ما أدى إلى زيادة حركة الأسواق وساهم في تقلبات أسعار الأسهم.

وأشار إلى أنه مع زيادة الإنفاق العسكري إثر الحرب المستمرة؛ لدعم العمليات العسكرية والعمليات الأمنية، ارتفع العجز في الميزانية، ما يضطر الحكومة؛ لزيادة الضرائب أو تقليل الإنفاق على الخدمات العامة لمواجهة هذا العجز.

وفي السياق ذاته، يوضح الخبير الاقتصادي، أن الحرب أثرت على استقرار الأسعار، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة في المناطق القريبة من النزاعات، ما تسبب في زيادة الضغوط على المواطنين، خصوصًا الطبقات المتوسطة والدنيا.

ومع تزايد الضغوط الاقتصادية وتباطؤ النمو، قد يلجأ بعض الإسرائيليين إلى البحث عن فرص عمل في الخارج، خاصة إذا ما استمرت الأوضاع الاقتصادية في التدهور، وفقًا له، مشيرًا إلى أن هذا الأمر قد يبرز بشكل خاص بين الشباب والمتخصصين الذين يبحثون عن فرص في بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا.

وحول تأثير الحرب على القطاع التكنولوجي في إسرائيل، يقول الإدريسي، إن هذا القطاع الذي يعتبر ركيزة في الاقتصاد الإسرائيلي لم يكن بمعزل عن تأثيرات الحرب، حيث أثرت على ثقة المستثمرين، ما أدى إلى تراجع في الاستثمارات في الشركات الناشئة والمشاريع التكنولوجية، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أن هذا التراجع قد ينعكس سلبًا على الابتكار ومعدل نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاع التكنولوجي.

وأردف بأن التأثير شمل أيضًا العديد من الشركات، التي قامت بنقل موظفيها أو تقليل نشاطاتها البحثية في المناطق المتأثرة، مما قلل من وتيرة التطوير والابتكار، لافتًا إلى أن هناك مخاوف من "هجرة الأدمغة" إذا ما استمرت الحرب لفترة أطول، حيث يختار بعض المتخصصين البحث عن فرص عمل في دول أخرى أكثر استقرارًا.

وأنهي بأنه إذا ما استمر تدهور القطاع التكنولوجي في إسرائيل، قد يؤدي ذلك إلى تقليل دورها كـ"وادي السيليكون الشرق الأوسط"، ما يفتح المجال لدول أخرى في المنطقة؛ لتأخذ زمام المبادرة في الابتكار التكنولوجي.