تعد مي زيادة واحدة من أشهر الكاتبات والمفكرات في العالم العربي خلال أوائل القرن العشرين، وبرزت بشكل خاص من خلال صالونها الأدبي في القاهرة.
كتبت مي العديد من الرسائل التي تم جمعها ونشرها بعد وفاتها، وتعتبر هذه الرسائل نافذة على حياتها الشخصية وأفكارها العميقة.
رسائل إلى جبران خليل جبران
تعتبر رسائل مي إلى جبران من أشهر الرسائل التي كتبتها، حيث امتدت مراسلاتهما لما يقرب من عشرين عامًا، على الرغم من أنهما لم يلتقيا شخصيًا، حملت هذه الرسائل طابعًا فلسفيًا وعاطفيًا عميقًا، حيث ناقشت فيها مي وجبران قضايا الحب والفكر والحياة.
رسالة مي زيادة إلى جبران خليل جبران
كانت من ضمن رسائلها المتعددة إلى جبران كانت رسالة بتاريخ 11 آذار 1925: صديقي جبران، لقد توزع في المساء بريد أوروبة وأمريكة ، وهو الثاني من نوعه في هذا الأسبوع , وقد فشل أملي بأن تصلني فيه كلمة منك ، نعم إني تلقيت منك في الأسبوع الماضي بطاقة عليها وجه القديسة حنة الجميل , ولكن هل تكفي الكلمة الواحدة على صورة تقوم مقام سكوت شهر كامل .
لا أريد أن تكتب إلي إلا عندما تشعر بحاجة إلى ذلك أو عندما تنيلك الكتابة سرورا , ولكن أليس من الطبيعي أن أشرئب إلى أخبارك كلما دار موزع البريد على الصناديق يفرغ فيها جعبته ! .. أيمكن أن أرى الطوابع البريدية من مختلف البلدان على الرسائل , حتى طوابع الولايات المتحدة وعلى بعضها اسم نيويورك واضح , فلا أذكر صديقي ولا أصبو إلى مشاهدة خط يده ولمس قرطاسه .
... ولتحمل إليك رقعتي هذه عواطفي فتخفف من كآبتك إن كنت كئيبا , وتواسيك إن كنت في حاجة إلى المواساة , ولتقوك إذا كنت عاكفا على عمل ولتزد في رغدك وانشراحك إذا كنت منشرحا سعيدا .
رسائل بين لطفي السيد ومي زيادة
وعلى الجانب الأخر، كانت مي على تواصل مع المفكر والسياسي المصري أحمد لطفي السيد، الذي أثر في الفكر المصري في تلك الفترة، وتناولت رسائلهما قضايا الفكر والسياسة والأدب.
الرسالة الأولى.. لطفي السيد لمي زيادة: «مازال طيفك يسري معي»
ومن ضمن راسئلهما، كتب لطفي لمي زيادة أثناء مكوثه في محافظة الدقهلية «ما أسعد حظ الشعراء.. مازال طيفك يسري معي، وكلانا تغمره أشعة القمر الباهتة، ويظرفه السكون الشامل حتى وصلت البيت، وكأن الطريق قد انطوى تحتي فلم أحس طوله والوقت قصر، فلم أشعر بأجزائه، بل ندمت على أنى اتبعت الطريق المستقيم، وكان أولى أن أقطع المسافة خطأ متكسرًا يطول به وقت الإئتناس بك»
رسائل مي إلى عباس محمود العقاد
في رسائل مي زيادة للعقاد، يظهر بوضوح أن العلاقة بينهما تطورت عبر مرحلتين رئيسيتين، ففي البداية، كانت العلاقة أدبية بحتة تمحورت حول تبادل الأفكار الأدبية والمجاملات الرسمية، حيث كانت مي تعبر عن إعجابها بشعر العقاد وأدبه، وهو بدوره يثني على أدبها وفكرها.
كانت مي تهتم بصحة العقاد أثناء مرضه وتبعث له رسائل تسأله عن أحواله، مما يعكس حرصها على استمرار هذه العلاقة الأدبية.
مع مرور الوقت، بدأت العلاقة تأخذ طابعًا أكثر عاطفية، حيث انتقلت المراسلات بينهما إلى مرحلة وصفها البعض بـ"رسائل الحب".
في هذه الرسائل، بدأت مي تتحدث بصراحة عن مشاعرها تجاه العقاد، وتوضح أنها كانت تحمل له إعجابًا خاصًا منذ لقائهما الأول، لكنها ترددت في التعبير عن ذلك في البداية، كما عبرت عن شعورها بالغيرة من جبران خليل جبران الذي كانت له مكانة خاصة في حياتها الأدبية، لكنها أكدت أن طبيعتها الأنثوية تدفعها للاستمتاع بتنافس الرجال عليها.
كانت رسائل مي للعقاد مليئة بالعاطفة، حيث أعربت عن سعادتها بقصائده وأشعاره الموجهة إليها، كما عبرت عن شوقها للقائه وفتح نقاشات أعمق حول ما يختلج في نفسها.
كتبت مي زيادة للعقاد في إحدى رسائلها، التي عبّرت فيها عن إعجابها بشخصيته وبقصيدته، قائلة:
"عزيزي الأستاذ .. أكتب إليك من بلد كنت دائماً تعجب بشعبه، كما أعجب به أنا أيضاً، ولكن إعجابي بقصيدتك البليغة في معناها ومبناها، بها غبطة لا حدّ لها، واحتفظت بها في مكان أمين بين أوراقي الخاصة خوفاً عليها من الضياع .. إنني لا أستطيع أن أصف لك شعوري حين قرأت هذه القصيدة، وحسبي أن أقول إنَّ ما تشعر به نحوي هو نفس ما شعرت به نحوك منذ أول رسالة كتبتُها إليك، وأنت في بلدتك التاريخية أسوان".
رسائل مي زيادة إلى طه حسين
كان مي زيادة وطه حسين لديهما علاقة أدبية وثقافية مميزة، وقد تبادلا الرسائل التي تعكس هذه العلاقة، تضمن تبادل الرسائل بينهما مواضيع أدبية وفكرية عديدة، حيث كانت مي زيادة تعبر عن إعجابها بأفكار طه حسين وأعماله.
كانت مي تعبر عن تقديرها العميق لطه حسين كأديب وفيلسوف، وتتناول في رسائلها تأثير أفكاره على الأدب العربي، فضلا عن أنه كان هناك حوار أدبي بينهما، حيث تناقشا حول مواضيع مختلفة في الأدب والثقافة، مما يعكس التفاعل الفكري بينهما.
ومن ضمن رسائلها إلى طه حسين: يا أبا العلاء: مبروك، حقك يرد إليك كما يرد إلى الشباب المصري حقه عندك، أود أن أذكرك أني تنبأت بهذا في إيوان أبي الهول بتاريخ 12 يوليو، وكاهن أوزوريس يشهد. قلت يومئذ إن الجامعة المصرية تستدعيك إليها خلال شهر نوفمبر، ولم يكن في ذلك الحين من حديث أو شبه حديث عن الأزمة التي ظهرت في الشهرين الأخيرين. أتعد يا أبا العلاء وفولتير معاً، أتعد بتصديق إلهام المرأة بعد اليوم، لقد كنت طوال هذه المدة رجلاً، وعرفت أن تتألم كرجل حقاً، لدي الآن كلمة واحدة أرجو أن تغتفر ما فيها من أنانية: إني سعيدة.