تُعد النتائج التي أظهرها استخدام تقنية "ليدار" LiDAR في مسح موقعي تاشبولاك وتوغونبولاك علامة فارقة في علم الآثار، حيث تكشف عن بنية حضرية معقدة وغير مسبوقة على هذا الارتفاع في منطقة آسيا الوسطى.
وتقع تاشبولاك وتوغونبولاك في جبال أوزبكستان، على ارتفاعات تتراوح بين 2000 و2200 متر فوق مستوى سطح البحر، ويتميز الموقعان بقربهما من بعضهما البعض، حيث كانت المسافة بينهما حوالي 5 كيلومترات، وهما يقعان على مسار طريق الحرير التاريخي في آسيا الوسطى، الذي يربط بين الشرق الأقصى وأوروبا.
وطبقا لما ذكره موقع newsweek، أكدت نتائج الدراسة أن هذه المنطقة لعبت دورًا استراتيجيًا ومحوريًا ضمن شبكة طريق الحرير، حيث لم يكن الطريق مجرد ممر تجاري وحسب، بل أيضًا مركزًا للتفاعل الثقافي والتحضر في ظروف جغرافية صعبة.
تفاصيل الاكتشافات المعمارية
أظهرت تقنية الليدار وجود 300 هيكل أثري في توغونبولاك، تتنوع في أحجامها ووظائفها، وتشمل: أبراج مراقبة متصلة بجدران تم بناؤها على طول التلال، مما يشير إلى أهمية تحصين المنطقة وربطها ببقية المواقع الدفاعية المحيطة، والقلعة المركزية المحاطة بجدران من الحجر والطوب الطيني، والتي ربما كانت بمثابة مركز إدارة أو قيادة على مستوى المنطقة، مما يوحي بوجود تنظيم إداري وقيادي في تلك الفترة.
هذا وبالإضافة إلى المصاطب الزراعية والمرافق الأخرى والتي كانت تهدف لدعم الحياة على هذا الارتفاع الشاهق، حيث تشير إلى استغلال الموارد الطبيعية للتكيف مع التحديات البيئية الصعبة.
التحديات البيئية وعبقرية التحضر
تشير الدراسة إلى أن استيطان هذا الارتفاع النائي والعالي في تلك الحقبة كان يحتاج إلى مستويات عالية من التخطيط والتحكم بالموارد، إذ تقع المستوطنتان على ارتفاع يتراوح بين 2000 و2200 متر كما أشرنا سابقا، حيث الزراعة والبنية التحتية الحضرية تتطلب جهودًا ضخمة لدعم عدد كبير من السكان في بيئة تعتبر قاسية مقارنة بالمناطق السهلية المعتادة في التحضر.
تحديات البنية الهيكلية
يُعد هذا الكشف تغييرًا جوهريًا في الفهم التاريخي لطبيعة الاستيطان الحضري في المناطق الجبلية على طول طريق الحرير، فقد كشف "ليدار" عن "نسيج حضري" يمتد لمساحة تصل إلى 120 هكتارًا، مما يشير إلى وجود شبكة مدن مترابطة وعقد حضرية ذات تنظيم إداري رفيع المستوى.
أهمية طريق الحرير كمركز حضري وثقافي
يمتد طريق الحرير، من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط، لعب دورًا حيويًا في تبادل السلع والثقافات، لكن هذا الكشف يوضح أيضًا أن الطريق كان مسارًا لتحضر فريد يتحدى التوقعات حول الموقع والتوسع الحضري، حيث لم تقتصر الحياة الحضرية على السهول والأنهار، بل وصلت إلى قمم الجبال والمرتفعات.
تحديات الاستشعار عن بعد ومستقبل الأبحاث
رغم أهمية نتائج تقنية الليدار، إلا أن الباحثين أكدوا الحاجة إلى تعزيز النتائج بالحفريات التقليدية وتقنيات الجيوفيزياء، وذلك لفهم أفضل لتسلسل الزمن الذي تطورت فيه هذه المواقع.
يمكن لهذه الحفريات أن تساعد في فهم ما إذا كانت جميع السمات المعمارية المكتشفة متزامنة أم تتعلق بمراحل زمنية مختلفة، مما سيوفر صورة أوضح حول ديناميكيات الحياة في هذه المستوطنات الجبلية.