الأحد 19 يناير 2025

ثقافة

مدينة صينية تُحدث ضجة باكتشافات تعود إلى 5000 عام

  • 28-10-2024 | 17:12

اكتشاف أثري

طباعة
  • إسلام علي

اكتشف علماء الآثار في أطلال مدينة وانغزوان في مقاطعة هنان في وسط الصين، وأثار ذلك الاكتشاف ضجة في علم الآثار، حيث يُعتقد أن موقع الدفن كان ملكيا.

ووفقا لموقع chinadaily، تعكس مواقع الدفن الملكية قوة ونفوذ الحضارة القديمة التي تعود إلى نحو 5000 عام، وهذه المقبرة، التي تبلغ مساحتها أكثر من 17 مترًا مربعًا، تعتبر فريدة من نوعها، ويعكس تصميمها الضخم ومحتوياتها الثمينة مكانة صاحبها العالية في مجتمع ما قبل التاريخ.
ينتمي موقع وانغزوانغ إلى ثقافة داوينكو، وتعتبر من الفترات الهامة في التاريخ الصيني، حيث تميزت بتقدم ملحوظ في مستويات الإنتاجية وتنظيم المجتمع، وتعد تلك الثقافة حضارة قديمة ازدهرت خلال أواخر العصر الحجري الحديث، بين حوالي 4000 إلى 2600 قبل الميلاد، وتحديدًا في المناطق الوسطى والشرقية من الصين.
اشتهرت بتقدمها في الزراعة وصناعة الفخار واليشم، كما تُعرف بتقسيمها الطبقي، حيث كانت تظهر الطبقات الاجتماعية من خلال الأغراض الجنائزية والحلي الثمينة في مقابرهم، وذلك يتضح من الاكتشاف الأثري الحالي. 
وقد كان لفخار داوينكو تصاميم مميزة وعالية الجودة، تُظهر مستوى متقدماً من الفن والحرفية، وتعكس آثارها تفاعلاً ثقافياً مع مجتمعات أخرى، مما يجعلها مثالًا مهمًا على التبادل الثقافي في الحضارات المبكرة بالصين.
أوضح تشو قوانغ هوا، الأستاذ المشارك في الاكتشاف الأثري، أن الموقع ليس مجرد مستوطنة عادية، بل كان عاصمة لمملكة ما قبل التاريخ، مما يجعله أحد أقدم الشواهد على التحضر والتنظيم السياسي في تلك الفترة.

اكتشافات أثرية بداخل المقبرة المكتشفة

وعثر داخل المقبرة على توابيت مزدوجة تضم مئات القطع الأثرية، حيث تجاوز عدد القطع المكتشفة 350 قطعة، وقد شملت هذه القطع الفخار المزخرف وحلي اليشم الصغيرة، والتي كانت تُعتبر رموزًا للثروة والرفاهية.
هذا، وبالإضافة إلى أدوات عظمية وزخارف حيوانية، بما في ذلك فكي خنازير، وهي رموز تعتبر تعبيرًا عن الثروة والمكانة الاجتماعية الرفيعة في ذلك الوقت.

سرقة التاريخ والهوية

ورغم الأهمية التاريخية لهذه القطع الأثرية، تعرضت لعمليات نهب واسعة أدت إلى تدمير العديد من العناصر الداخلية لها، إذ تم نقل بقايا الهيكل العظمي لصاحب المقبرة.

وفُقد معظم الهيكل العظمي، ولم يتبق منها سوى بعض العظام الصغيرة مثل عظام أصابع القدم، ويعتقد العلماء أن عملية الهدم المتعمدة لهذه المقبرة تمت بعد فترة وجيزة من الدفن، وأن هذا التدمير ربما كان نتيجة نزاعات داخلية أو تحولات في السلطة.
وإلى جانب المقبرة الملكية، قام الفريق الأثري بالكشف عن 45 مقبرة أخرى تعود إلى ثقافة داوينكو، وتم التنقيب عن 27 منها حتى الآن، وقد تميزت بعض هذه المقابر بوجود عدد كبير من القطع الأثرية، مما يشير إلى وجود طبقات اجتماعية واضحة في تلك الفترة. 
العلاقة بين المكانة الاجتماعية وبناء المقابر 
وقال قائد الفريق الأثري، إن ثراء الأغراض الجنائزية وكثافتها يعكسان تقسيماً طبقياً في المجتمع، حيث يبدو أن أفراد المجتمع كانوا يتبعون تقاليد جنائزية صارمة تعبر عن مكانة المتوفى.
وتشكل الفخاريات والأدوات الحجرية والتحف المصنوعة من اليشم المكتشفة في الموقع دليلاً على المستوى المتقدم من الإنتاجية وتقسيم العمل في تلك الحقبة. 

دمج الثقافات في فن واحد.. تفاعل بين الثقافات 

وتميزت الفخاريات بتصاميم دقيقة وزخارف تعكس ذوقًا فنيًا راقيًا، ويُعتقد أن سكان وانغزوانغ دمجوا التأثيرات الثقافية من مناطق أخرى لإنشاء أسلوب فني فريد من نوعه، وما ميز هذا الموقع الأثري هو تعدد الثقافات التي تداخلت فيه، حيث عُثر على قطع أثرية تحمل طابع ثقافة داوينكو، إلى جانب قطع أخرى تعود إلى ثقافة يانغشاو المعاصرة لها مثل: الجرار ذات القاع المدبب والفم الصغير وجرار الكتف ذات الفم الصغير. 
ويشير ذلك إلى تفاعل ثقافي كبير بين تقاليد داوينكو وتقاليد يانغشاو في المنطقة، وهو ما يعتبر مؤشرًا على مدى التواصل والتبادل الثقافي بين المجتمعات القديمة في الصين.
ووفقًا لما ذكره نائب مدير معهد التاريخ القديم في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، فإن هذا التفاعل الثقافي يقدم أدلة جديدة على تنوع الحضارة الصينية المبكرة، إذ تأثر سكان وانغزوانغ بثقافات متنوعة تشمل المناطق الشرقية والوسطى بالإضافة إلى عناصر من حوض نهر اليانغتسي.
ويعتبر هذا الموقع شهادة على التفاعلات الثقافية الأولية التي ساهمت في تشكيل الحضارة الصينية، ويوفر للعلماء أمثلة نادرة لدراسة عمليات الاندماج الثقافي عبر مناطق ما قبل التاريخ المختلفة.
عادات الدفن القديمة 
من بين العادات الجنائزية الفريدة التي تم العثور عليها في المقبرة، دفن أسنان الغزلان المائية وتشويه عظم القذالي للمتوفى، وهي عادات تتماشى مع تقاليد ثقافة داوينكو الشرقية. 
ويمثل هذا الاكتشاف تأكيدًا على أهمية الموقع في دراسة تاريخ الصين القديم، كونه يعكس الترابط والتفاعل بين ثقافات متعددة في منطقة واحدة.
بفضل هذه الحفريات والاكتشافات، تم تسليط الضوء على الروح الإبداعية والبراعة الفنية لسكان وانغزوانغ القدماء، الذين تمكنوا من دمج التأثيرات الثقافية المختلفة بمهارة لإبداع فخار وأدوات فنية تجمع بين الجمال والرمزية. 
وتقدم هذه الاكتشافات إطلالة نادرة على المراحل الأولى للتنوع الثقافي في الصين، وتثبت أن وانغزوانغ كانت بوتقة حضارية تشهد على تبادل التأثيرات بين المجتمعات القديمة.

الاكثر قراءة